يقف السودان على حافة الهاوية، فمع استمرار الحرب بين القوات المسلحة السودانية والمليشيات المتحالفة معها من جهة، ومليشيات الدعم السريع من جهة أخرى، يجد المدنيون أنفسهم عالقين في واقع مرير، حيث أصبحت الاعتقالات التعسفية، والاختفاء القسري، والإعدامات الميدانية ممارسات يومية.
لكن ما يزيد الوضع مأساوية هو تصاعد أعمال القتل الانتقامي، حيث يستهدف الأفراد بناءً على انتماءاتهم القبلية، مواقفهم السياسية، أو حتى مجرد الأشتباه في علاقتهم بأطراف النزاع، إن هذه الممارسات غير القانونية، سواء ارتُكبت على يد القوات النظامية أو الميليشيات المتحالفة معها أو مليشيا الدعم السريع، لا تؤدي إلا إلى تعميق الانقسامات وإطالة أمد الحرب، فلا يمكن للسودان أن يخرج من أزمته عبر دوامة العنف المتبادل، بل من خلال تحقيق العدالة وجبر الضرر في ظل دولة مدنية ديمقراطية.
التقارير الواردة من المناطق التي تستعيدها القوات المسلحة من سيطرة الدعم السريع ترسم صورة قاتمة: نشطاء وصحفيون ومواطنون عاديون يُعتقلون دون تهم، يُعذَّبون، يُخفَون قسريًا، بل ويُعدَم بعضهم خارج نطاق القانون، هذه ليست مجرد انتهاكات لحقوق الإنسان، بل هي جرائم حرب مكتملة الأركان، ولا يمكن لأي ذريعة أمنية أن تبرر إزهاق أرواح الأبرياء دون محاكمات عادلة.
إن تمكين الميليشيات من أداء مهام أمنية، أو العجز عن فرض السيطرة على القوات الميدانية، لا يعكس سوى فشل منهجي في إدارة الدولة، ويفتح الباب أمام موجة من الإنتهاكات الوحشية، فهذه الجماعات، التي تعمل بلا رقيب أو حسيب، لا تكتفي بترسيخ الإفلات من العقاب، بل تحول العنف إلى نهج ممنهج، حيث تصبح حياة المدنيين رهينة حسابات انتقامية دامية، وبدلًا من تحقيق الأمن، تغرق البلاد في دوامة من الفوضى المنظمة، حيث يُستخدم القتل الانتقامي أداة لبث الرعب وتعميق الشروخ المجتمعية، مما يهدد بتمزيق ما تبقى من النسيج الوطني.
القمع لن يحقق السلام، والانتقام لن يوحد السودان، لا بد من وقف استهداف المواطنين، وتفكيك هذه الميليشيات ومحاسبة كل من تورط في الإعدامات خارج القانون، كما يجب على المجتمع الدولي تصعيد الضغط على جميع أطراف النزاع لوقف هذه الانتهاكات وضمان تقديم الجناة إلى العدالة.
لقد عانى الشعب السوداني بما يكفي‐ من النهب، والنزوح، والجوع، والحرب، فلا يجوز أن يُحكم عليه أيضًا بالعيش تحت صوت سطوة الترهيب والموت على يد من يدّعون حماية الوطن، وإذا كانت سلطة الأمر الواقع في بورتسودان ترى نفسها حامية للدولة، فعليها أن تدرك أن الأوطان لا تُبنى فوق جثث ابنائها، ولا بد من وضع حد لهذه الفوضى المسلحة، ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم دون استثناء.
الميدان 4292 ،، الأحد 23 فبراير 2025