جرت مناقشة حرب السودان المنسية مؤخرا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ورغم تقارير وكالات الأمم المتحدة المتخصصة في الشؤون الإنسانية وحقوق الإنسان وبشكل خاص النازحين واللاجئين وحقوقهم إلا أن هذه القضايا لم تحظى إلا بالاهتمام العابر والطفيف ودون اتخاذ خطوات عملية للضغط على طرفي الحرب لتنفيذ ما اتفق عليه في مفاوضات جدة واحد واثنين، والتي أشارت على ضرورة فتح الممرات آمنة لإدخال المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين، مؤكدة أن ذلك الهدف لن يتم إلا بعد الوصول إلى هدنة وإيقاف نيران الحرب الكارثية. منذ بداية المفاوضات في مايو 2023 إلى آخر محاولة في الشهر الماضي بالقاهرة جرت مياه كثيرة تحت الجسر.
تشير تقارير المنظمات العالمية والإقليمية إلى ازدياد حاد في عدد القتلى من المدنيين - غالبيتهم ن النساء والأطفال - ليرتفع العدد الكلي 20 ألف إلى 35 ألف وربما أكثر من ذلك. بينما تصل أعداد الجرحى والمصابين إلى عشرات الآلاف. ويعيش ما يزيد عن 25 مليون مواطن سوداني تحت سقف المجاعات. نزح ما يزيد عن 13 مليون داخليا و 2 مليون فروا الى البلدان المجاورة. هذا الوضع الكارثي والذي لم يسبق ان شهده العالم لا يحظى بما يستحق من اهتمام من المجتمعين الدولي والاقليمي إلا في حدود المحافظة على مصالح القوى الاقليمية والعالمية التي تتعارض مصالحها مع بعضها البعض وبالتالي يستمر الدعم لطرفي الحرب.
ويدفع الثمن الباهظ المواطن السوداني. كل هذا يؤكد ان الوصول الى هدنة ووقف إطلاق النار وتقديم المساعدات وحماية المدنيين، ومن ثم انهاء الحرب الكارثية، ليس من اولويات القوى العالمية والاقليمية. فالقانون الدولي الانساني، والذي يخرق يوميا في السودان، أصبح ورقة ليست ذات قيمة بالنسبة لتلك القوى بل مجرد اضافة تستعمل عند الطلب عندما تطرح قضية السودانية في المحافل الدولية.
وتشير التقارير من المنظمات الأجنبية والسودانية التي تعنى بحقوق الانسان في الحياة إلى حالات مروعة من الخروقات والانفلات والقتل والنهب والاعتقال والتعذيب والاغتصاب. فتقرير منظمة "هيومان رايتس ووتش" يفضح بشاعة الجرائم التي ترتكبها مليشيا الدعم السريع وتسجل سلسلة انتهاكات مروعة استهدفت فيها النساء بوحشية وانحطاط، خاصة في همجياتها وجرائمها في الجزيرة.
كما تتحدث تنسيقية معسكر زمزم للنازحين وتحذر من التحركات المشبوهة القوات المشتركة التي دخلت معسكرات النازحين، حيث يمكن استدراج قوات الدعم السريع لاقتحام المعسكر وتحويله إلى ساحة معركة عسكرية محتملة.
وتعلن الجبهة الديمقراطية للمحامين أن عشرات القتلى والجرحى جراء قصف الجيش لمدينة نيالا بينما تؤكد اللجنة التمهيدية لنقابة الأطباء وغرفة الطوارئ جنوب الحزام في تقاريرها عن تفشي وباء الكوليرا وحمى الضنك ونتيجة ذلك عشرات الوفيات بسبب ذلك التفشي.
وكل هذا يقودنا للتأكيد مرة أخرى على أهمية أن تمسك الجماهير وأدواتها النضالية بقضاياها وأن تنهض وتعمل لدرء الكارثة التي تحيط بالبلاد ويبدأ ذلك في الانخراط في كل منظمات ولجان الطوارئ وسد الثغرات في عمل المتطوعين ليس فقط في تقديم المساعدات بما تحتاجه الجماهير بل بتسجيل لكل الجرائم التي تتعرض لها جماهيرنا في الداخل. والتواصل مع المنظمات العالمية والاقليمية ذات الصلة. والدور المتوقع من قوى الثورة السودانية بالخارج يحتل أهمية كبرى لوقف كارثة الحرب ولغل يد المجرمين وتقديمهم إلى المحاكمة.
* الميدان - الخميس 14 نوفمبر 2024