بالأمس كانت الذكرى الثالثة للانقلاب العسكري الذي نفذته اللجنة العليا للنظام البائد بقيادة البرهان ضد النظام الانتقالي والحكومة المدنية، وهو الانقلاب الذي تسبب بشكل مباشر فيما يشهده السودان اليوم من حرب طاحنة حصدت أرواح آلاف المدنيين وشردت الملايين، ارتكبت فيها جرائم مروعة وتهدد بالقضاء على تماسك الوطن المجتمعي.

الانقلاب كان هدفه الأساسي هو القضاء على الثورة، الا ان المقاومة الجماهيرية الجسورة ادت إلى افشال مسعاه، وادت إلى تعميق التناقضات الثانوية وأشعلت الحرب بتشجيع ودعم من المحاور الإقليمية والدولية، وكان الانقلاب هو الأداة التي يتوهمون أنها ستعيد الحركة الاسلامية وحزبها السياسي المؤتمر الوطني للسلطة. فحينما خلعتهم الثورة عن الحكم بالحراك الجماهيري والنضال السلمي، ارادوا العودة للحكم مرة أخرى بالدبابة والبندقية، ولهم تاريخ حافل في الانقلابات والحروب الدموية لأجل الوصول لكرسي الحكم.

وفشل الانقلاب في تحقيق ذاك الهدف بسبب اشتداد المقاومة الشعبية، وتصاعد العمل الجماهيري السلمي كالمواكب والاضرابات والاعتصامات التي لم تتوقف، وسقط شهداء كثيرون. وبرغم القمع والارهاب كان الانقلاب محاصرا من كل مكان، وساعة الانتصار عليه أوشكت.

بيد أن التدخل الأجنبي كان حاضرا لقطع الطريق أمام أي انتصار نهائي للثورة. وشهدنا اجتماعات الغرف المغلقة، في سفارات بعينها، وآليات تم تصميمها لتنفيذ الأجندة الخارجية ثلاثية ورباعية، ضمت بعثات الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة، وترتيب لوضع انتقالي يحمى المصالح الأجنبية تحت عنوان الاتفاق الاطاري.

ولم تخف هذه المؤامرات على الشعب وطلائعه الثورية، فاشتدت المقاومة، ثم اندلعت الحرب وهي حلقة من حلقات التآمر.

طرفا الانقلاب عدوا الثورة، هم الآن يشكلون قطبي الحرب، والهدف واحد، والحرب أصبحت حرب وكالة. وبعد أكثر من 18 شهرا على اندلاعها لا يوجد نصر وهزيمة نهائية، بل يريدونها حربا أهلية، بحشد القبائل وتجييش الأهالي، وإعلاء الصوت العنصري والجهوي، واعادة إنتاج سياسة الاستعمار ( فرق تسد ). وهي ذات سياسات نظام الانقاذ البائد.

ومنذ يومها الأول نادى حزبنا بوقف الحرب، وحقن دماء السودانيين، وإزاحة العسكر عن السلطة وحل المليشيات. وهو النداء الذي اتسع ليشمل قوى سياسية واجتماعية واسعة، ترفض الحرب وتدعو للسلام من أجل الحفاظ على الوطن، ومن أجل وقف سيل الدماء.

الكثير الآن من الجرائم ترتكب بإسم الحرب. استباحت المليشيات القرى والمدن وعملت فيها تقتيلا وترويعا، والبراميل المتفجرة والقصف العشوائي يقتل أيضا المدنيين الأبرياء. ولن يفلت أي مجرم من العقاب. والدعوات لتسليح المواطنين، في ظاهرها دفاع عن النفس لكنها في المستقبل خطر على الجميع. فالدول المستقرة واجب حمايتها على الجيوش القومية المهنية، والمواطن تحرسه الشرطة القومية المهنية. وهذه هي الحلقة المفقودة في بلادنا.

ستنتصر الثورة بارادة الشعب، وقضايا السودان المصيرية ستحل سلما وليس حربا، ولن نعود أبدا للوراء.

الميدان - الأحد 27 اكتوبر 2024