إنّ إحدى التحديات الكبرى التي نواجهها اليوم هي الحرب في أوكرانيا. هذه الحرب مُرعبة، ومُحزنة بسبب الخسارات التي لا معنى لها في الأرواح البشرية.

كَتبَ نوردال كريج (**) في عام 1936 "الحرب هي ازدراء بالحياة ، بينما السلام هو للخلق والإبداع". ولا يزال هذا القول سليماً اليوم كما كُتِبَ في حينه. لذلك فإن أمر الحرب يُشغل بال الحركة الشيوعية العالمية. وهنا يمكن وبطريقة رصينة تمامًا أن نرى اختلافات في كيفية تحليل المرء لأسباب اندلاع الحرب، وهذه المناقشة مهمة جداً لأنها توفر أرضية خصبة لفهم الوضع.

 ومن أجل منع الحروب ووقفها، يجب على المرء أيضًا معرفة أسباب حدوثها. لكن نقطة واحدة لا يمكن أن يكون خلاف حولها، وهي أن الحرب يجب أن تتوقف، فيجب استبدال البارود والرصاص بالدبلوماسية والتفاوض.

يجب على الشعبين الأوكراني والروسي، اللذين عاشا في السابق جنباً إلى جنب في صداقة وتضامن وثيقين أن لا يَهِبا دماءهما من أجل مصالح رأس المال.

  لقد نقل المسؤولون المُنتخبون وكذلك وسائل الإعلام "الحرة" لمواطنيهم صورة غير صحيحة عن الحقيقة الكامنة وراء الأزمة الأوكرانية الروسية. بوتين مُتهم من قِبل هؤلاء بكل شرور هذه الحرب دون أن يُخبرونا أن هناك حربًا في الواقع تدور حول ميزان القوى العالمي. بالنسبة للدنمارك فقد اختارت جانبين، الأول الإنحياز للناتو من خلال عضويتها فيه، والثاني في حِرصها على إعادة التسلح.  ما نشهده في الواقع هو حرب بين قوى عالمية تدور أحداثها في أوكرانيا. أمران يدفعان بهذه الحرب ، الأول تعرّض مكانة الدولار  للتحدي كعملة إحتياطية، والثاني ميزان القوى العالمي.  

هكذا تتصرّف الإمبريالية، لذلك ومن بين أمور أخرى بدأ الصينيون والروس منذ بداية الحرب في التجارة مع بعضهم البعض بعملاتهم المحلية الإيوان والروبل.

  كان مثل هذا الإجراء بلا شك بمثابة إعلان حرب ضد الولايات المتحدة والدولار.  الدولار ، الذي كان العملة المهيمنة بعد الحرب العالمية الثانية وكان العملة المحورية في التجارة الدولية، والذي على وشك أن يفقد قوته الآن. إن الولايات المتحدة لا تريد بالطبع خسارة عملتها.

أعلنت مجموعة البريكس (البرازيل ، وروسيا ، والهند ، والصين ، وجنوب إفريقيا) - أنها تهدف إلى أن تصبح قوة موازنة للنظام العالمي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، وإنّها تريد التخلص من هيمنة الدولار على الأسواق المالية الدولية وعلى دور أمريكا  كشرطي على العالم. لذلك ، فقد أنشأت بنك التنمية الجديد - المعروف باسم بنك بريكس - كبديل للبنك الدولي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة.  ومن المعروف أيضًا أن دول البريكس تعمل تحت ضغط شديد على إنشاء عملة لها.

  إلى جانب ذلك بدأ كل من البنك الصيني EximBank  والبنك الوطني السعودي بالتعاون في الحصول على قروض بالإيوان، وهذا يعني أنه سيتم تقديم القروض في المملكة العربية السعودية في المستقبل بالإيوان الصيني. كما نشهد أيضا أن دول (أوبك) قررت خفض إنتاجها النفطي بمقدار 1.16 مليون برميل يومياً.

 وخلافًا لذلك  ساعدت المملكة العربية السعودية في إنشاء نظام البترودولار جنباً إلى جنب مع الولايات المتحدة وعملتْ كحليف للأميركيين لعدة عقود. الآن لم تعد السعودية تدعم الأمريكان و تَضُر بهيمنة الدولار في العالم.

  حَدثٌ آخر يوضح أن الدولار بدأ يفقد قوته عندما باعت شركة TotalEnergies الفرنسية الغاز الطبيعي المُسال لشركة الصين النفطية الوطنية المملوكة للدولة أيضًا بالإيوان الصيني.  وهذا يعني أن الشركات الأوروبية أصبحت الآن أكثر إستعدادًا للتعامل بالإيوان، وهذا يسبب إنقساماً متبادلاً في الاتحاد الأوروبي وهذه ضربة أخرى قوية لهيمنة الدولار.

 الصين والبرازيل متفقتان على التجارة مع بعضهما البعض بعملاتهما المحلية ، الإيوان والريال.  وتُظهر هذه الأحداث بوضوح أن الدولار يفقد مكانته كعملة احتياطية عالمية وأن الهيمنة القوية للولايات المتحدة في تراجع.

  ماذا يعني هذا كلّه بالنسبة لي ولكَ؟  إنها تعني الحرب، حرب الأسواق والسلطة والوصول إلى المواد الخام.

ومن أين سيأتي المال؟

بالتأكيد سيتم دفع ثمنها من التخفيضات في الرعاية الإجتماعية ومن الضمان الاجتماعي.

  كانت هناك دول في الماضي حاولت الإضرار بهيمنة الدولار.  وعلى سبيل المثال  لا يُخفى على أحد أنه عام 2001  اقترح صدام حسين أن يبيع العراق نفطه باليورو بدلاً من الدولار ، وتحدث القذافي مُطولاً عن الدينار الذهبي ، والذي يمكن تداول النفط الليبي به بدلاً من الدولار. لقد شهدنا جميعًا مصيرهم المأساوي. لكن لا يمكن مقارنة العراق أو ليبيا بالصين أو بروسيا ، وبالتالي سنشهد هذه المرّة عملية مختلفة تماماً، سنشهد تحرّكاً كبيراً (أي المزيد والمزيد من الدول القوية) ، وكما أشرنا سيؤدي ذلك إلى فقدان الدولار لمكانته كعملة إحتياطية.

 ليس الضغط الدولي على مكانة الدولار هو ما يتعين على الولايات المتحدة أن تتعامل معه، لأن البلاد تُعاني من مشاكل داخلية كبيرة. السياسيون في واشنطن لم يصلوا لحد الآن إلى اتفاق  بشأن رفع سقف الديون.  وقد يؤدي ذلك إلى نفاد أموال الحكومة وعجزها عن دفع الفواتير ، وبالتالي يتوقف القطاع العام في البلاد عن العمل.  لذلك نحن نتحدث عن أزمة اقتصادية جديدة يمكن أن تهز الاقتصاد العالمي.

 إن ميزان القوى العالمي ينقلب من الغرب إلى الشرق.  وبالطبع لن يكون بدون صراع مع أقوى قوة عسكرية في العالم. لذلك يبدو أننا سنشهد المزيد من الحروب والأزمات في الأيام القادمة.  ولو نظرنا قليلاً إلى المستقبل فمن المرجح أن تكون الأزمة( الحرب) القادمة بين الصين وتايوان (الناتو).

  في غضون ذلك نرى تدفقات اللاجئين والتمردات والإضرابات، وليس أقلها مظاهرات السلام في جميع أنحاء العالم.

  باتَ اقتصاد الحرب يؤثر علينا جميعاً، ولا يَسعنا إلّا أن نحث سويةً مع العديد من الأحزاب الشيوعية الأخرى في العالم  على الإنتفاض ضد الإمبريالية ومحاولة خلق وضع ثوري يُمكننا من تحقيق السلام في العالم.  فكن متضامناً مع زملائك والطبقة العاملة في جميع البلدان، فالحرب لا تفيد أحدا سوى صُنّاع السلاح،   ويجب أن تكون السلطة بيد الشعب حتى تتوفر إمكانية حل مشاكل الفقر والبيئة والمناخ.

 إعمل على تغيير العالم - سِرْ مع الشيوعيين.

  رايكة كارلسون - سكرتيرة الحزب الشيوعي في الدنمارك

وَ مارتن مينكا ينسن - مسؤول العلاقات في الحزب الشيوعي الدنماركي

 (*) عن جريدة "الشيوعي" العدد الخامس - أيار 2023. يصدرها الحزب الشيوعي في الدنمارك. 

(**) نوردال كريج ‏ هو كاتب وفنان وصحفي وشاعر نرويجي، ولد في 1 نوفمبر 1902 في برغن في النرويج، وتوفي في 2 ديسمبر 1943 في المانيا

عرض مقالات: