تنطلق الحركة التقدمية الكويتية في تحليلها للأزمة الأوكرانية وموقفنا تجاه التطورات الخطرة الجارية من الاعتبارات والمعطيات والاستنتاجات التالية:

أولاً: نحن بشكل عام ضد الحروب كوسيلة لحل الخلافات الدولية والأقليمية وبين الدول، وذلك لما تنطوي عليه من مخاطر وخسائر ودمار وتهديدات للسلم العالمي، خصوصاً في عالم اليوم وفي ظل الأسلحة النووية ذات الدمار الشامل... ولكن الحروب لا تخضع لقاعدة جامدة من حيث الأسباب والدوافع والأبعاد والتداعيات، وهي مسائل لا يحددها في الجوهر ما يسمى "مبادئ القانون الدولي" ونصوصه الجامدة، وإنما يحددها الواقع وصراعاته وتناقضاته من حيث الطبيعة الطبقية للأنظمة السياسية المشاركة في الحروب وتوجهاتها وتحالفاتها وأهدافها، بالإضافة إلى أسباب النزاع والعوامل التي أشعلت الحرب وخلفياتها التاريخية، التي لا ترتبط فقط بقاعدة "مّنْ أطلق الرصاصة الأولى" في لحظة معينة.

ثانياً: إننا ندرك جيداً أنّ روسيا الاتحادية ليست هي الاتحاد السوفياتي، ولسنا هنا في موقع الدفاع عن روسيا أو الوقوف معها أو ضدها في شأن تداعيات الأزمة الأوكرانية، ولا ينطلق موقفنا من ثنائية (إما/ أو)، وإنما نحن نأخذ بعين الاعتبار جميع العوامل والتناقضات والاصطفافات والتحالفات الدولية والإقليمية، ونحرص على تجنب الوقوع في فخ المخططات الإمبريالية والصورة التي رسمتها الدعايات الإعلامية الغربية... مع تأكيدنا على صداقتنا للشعبين الروسي والأوكراني، وتضامننا مع الطبقة العاملة والأحزاب الشيوعية والعمالية في البلدين.

ثالثاً: ونحن نتوجه إلى الرأي العام الشعبي الكويتي في تقديم هذه الإضاءة حول تحليلنا وموقفنا تجاه الأزمة الأوكرانية، لا يمكننا أن نتجاهل ادعاءات يحاول البعض ترويجها إما عن جهل أو عن عمد لتشبيه ما يحدث في أوكرانيا بالغزو الذي شنه النظام العراقي في عهد صدام على بلادنا واحتلالها وضمّها، ذلك أنه ليس هناك على أرض الواقع من وجه للشبه بين الأمرين سواء من حيث الدوافع والأسباب، أو من حيث المعطيات التاريخية والجغرافية السياسية والظروف والملابسات، أو من حيث الوقائع والأحداث، فقد كان الشعبان الروسي والأوكراني شعبين متآخيين في إطار دولة اتحادية واحدة هي اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية لمدة سبعين عاماً، ولاحقاً عندما تمكنت قوى الثورة المضادة في بداية تسعينات القرن العشرين من تفكيك الاتحاد السوفياتي وإعادة الرأسمالية فقد تم إبرام اتفاقيات بين روسيا الاتحادية وأوكرانيا بشأن الأمن المشترك وتفكيك السلاح النووي وعدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، ثم جرى عقد اتفاقيتي مينسك الأولى والثانية بين البلدين، اللتين خرقهما النظام الأوكراني بتحريض غربي... ناهيك عن الحرب المتواصلة منذ ثماني سنوات التي شنها هذا النظام ضد المواطنين الأوكرانيين الناطقين بالروسية في أقليم الدونباس... كما أن هناك أقساماً من أراضي أوكرانيا، مثل شبه جزيرة القرم كانت جزءاً من روسيا حتى 1957 قبل إلحاقها باوكرانيا في العهد السوفياتي اثناء تولي خرتشوف القيادة... وهناك استفزازات إمبريالية غربية موجهة ضد روسيا قامت بها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو استهدفت تهديد أمن روسيا واستنزافها وإضعافها، عبر محاولة ضم اوكرانيا إلى حلف الناتو.

 وبالتالي فمن الواضح تماماً أنّ هذه الوقائع والمعطيات التاريخية والجغرافية السياسية والعسكرية والسكانية المتصلة بالأزمة الأوكرانية تدحض بشكل كامل التشبيه المخادع بين ما تعرضت له الكويت من غزو واحتلال وما يحدث في أوكرانيا، مثلما يحاول البعض ترويجه بهدف تضليل الرأي العام الشعبي في بلادنا.

رابعاً: هناك مَنْ يحاول تصوير الأمر على أنه عدوان قامت به دولة ديكتاتورية ضد دولة ديمقراطية مسالمة، ونحن هنا لسنا بصدد القول بديمقراطية النظام الروسي، ولكننا لا يمكن أن نكون سذجاً لنتجاهل حقيقة أنّ النظام الأوكراني القائم، وتحديداً منذ 2014، ليس نظاماً ديمقراطياً ولا نظاماً مسالماً، وإنما هو نظام ذو ميول فاشية تقوده عناصر يمينية متطرفة يدعمها الكيان الصهيوني والولايات المتحدة، حيث يضطهد هذا النظام المواطنين الأوكرانيين من أصول روسية ويحظر نشاط الحزب الشيوعي، وهو نظام ضالع تماماً في الاستفزازات والمخططات الموجهة ضد روسيا.

خامساً: المهم بالنسبة لنا كشعوب عربية تعاني الأَمرين من الاحتلال الصهيوني والهيمنة الإمبريالية، خصوصاً في ظل عصر سطوة نظام القطب العالمي الواحد بعد تفكيك الاتحاد السوفياتي في بداية التسعينات، فإننا بالأساس في حالة تناقض رئيسي مع القوى الإمبريالية والصهيونية المهيمنة...وبالتالي فمن مصلحة شعوبنا العربية أن تطوى صفحة هذا النظام العالمي القائم على سطوة القطب الواحد وتشكيل نظام عالمي جديد متعدد وإن لم يكن عادلاً تماماً ولا يضع نهاية حاسمة للسطوة الإمبريالية، ولعل ما يجري في أوكرانيا هي نهاية ذلك النظام وبداية تشكيل نظام عالمي بديل، ما سيؤدي إلى إضعاف سطوة الإمبريالية الأميركية المهيمنة وحليفها الصهيوني... وهذا ما سينعكس بالضرورة على الأنظمة التابعة في العالم، وفي منطقتنا... وهنا فلنتذكر على سبيل المثال أنّ النظام الاستعماري "الكولونيالي" العالمي بصيغته البالية القديمة قد انهار في أعقاب هزيمة النازية والفاشية وانتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية.

سادساً: لقد كشفت الأزمة الأوكرانية حقيقة ازدواجية معايير الغرب الإمبريالي وعنصريته المفضوحة، سواء في العقوبات المتخذة ضد روسيا، التي كانت ولا تزال جديرة بأن تتخذ ضد الكيان الصهيوني العدواني العنصري التوسعي، ناهيك عما تمثله هذه العقوبات عملياً من تصعيد باتجاه إشعال الحرب العالمية الثالثة، التي لن تبقى ولن تذر.

سابعاً: إننا نرى أنه من المصلحة الوطنية الكويتية أن تتم إعادة النظر جذرياً في السياسة القائمة على ما يسمى الضمانات الغربية لأمن الكويت واستقلالها، بعد أن فَقَدَت الضمانات الغربية صدقيتها، ما يتطلب الاعتماد بالأساس على الجبهة الداخلية المتماسكة، وتعزيز القدرات الدفاعية الوطنية، والتركيز على العلاقات الإقليمية والدولية المتوازنة.

 الكويت في السادس من مارس/آذار 2022