نطلُ اليوم على الذكرى الثانية لانتفاضة شعبنا في تشرين من عام ٢٠١٩ التي كانت ولاتزال تعبيراً عن حراكٍ ثوريٍ لم يكتمل بعد، لكنه-قطعاً- لم ينتهِ. حراكٌ عبَّر عن وعيٍّ احتجاجي أشدُّ جذريةً وتمسكاً بالتغيير مما سبقه من احتجاجات انطلقت طيلة العقدين الماضيين. تفاعلت في هذا الحراك مشاعر الامتهان و الإحساس بالسيادة الوطنية المنقوصة" نريد وطن" وعلى نحوٍ شديد الوضوح يفوق سابقاته ، يتطلع فيها المنتفضون الى إسترداد الوطن، لا بوصفه كيانا لتحنيط الفساد والحرمان والعبودية والطائفية، بل بوصفه كيانا محفوظ السيادة بشروط المواطنة المتساوية والعدالة الإجتماعية والكرامة الفردية.

   ولتشرين دروس عديدة، أغنت تجربة الثوار الذين لم يبخلوا بعرقهم ودمائهم لتحقيق الأهداف النبيلة المشروعة.. دروس تمثل أولها بأن: السلوك السياسي لأنظمة الحكم، المغلقة بأقفال الإستبداد والفساد، لا يخضع للتعلم الجاد من التجارب الفاشلة والإخفاقات، مما دفع هذه الأنظمة الى إنكار التحديات الماثلةِ أو الإعتراف الصريح بفشلها، الذي قاد العراق وشعبه الى سلسلة من الكوارث السياسية والإقتصادية والإجتماعية، أضحت معلماً مأساويا في تاريخ البلاد المعاصر، وجعلها - لا تنفك - عن السعي الى قمع الإنتفاضة وتأثيم وشيطنة شبابها وشاباتها المنتفضين. ليصل حد: أن خيار "المواجهة" مع مافيات الفساد وجماعات ما قبل الدولة - الذي كان منتظراً من حكومة "الكاظمي" التي جرى تشكيلها بفعل الحدث التشريني الهائل، سرعان ما تم العزوف والتراجع عنه منذ الأيام الاولى، ليستبدل بسياسة الاحتواء الفاشلة. وإحلال الوعود اللفظية المجانية، محل الأفعال الملموسة المكلفة. بل كان لها مساع حثيثة طيلة العامين الماضيين لاحتواء الحراك الشبابي عبر أساليب ووسائل متنوعة من الاغراء والترغيب والتمويه إلى جانب أعمال الترهيب والترويع من اغتيال واختطاف واعتداء، اشتركت فيها او ساندتها الكتل السياسية الحاكمة التي تشكل منظومة المحاصصة والفساد، لاختراق هذا الحراك الشبابي واحتوائه وتفتيته. إن هذا الدرس المهم رسَّخَ لدى ثوار الانتفاضة اليقين بأن: تكلفة بقاء واستمرار النظام السياسي القائم، والذي سلبت منه الحركة الاحتجاجية شرعيته، أصبحت أكثر بكثير من تكلفة إزالته، رغم الدماء الزكية والتضحيات الجسيمة التي قدمتها الحركة الاحتجاجية الباسلة.

   أما درس الانتفاضة الثاني والأهم من دروسها العديدة هو: أن المدّ الثوري التشريني - وطوال العامين الماضيين- ظلَّ ناقصاً بحكم افتقاره لوحدة الرؤية والتنظيم فضلاً عن النزعة العدمية السياسية عند قطاعات - ليست بالصغيرة- من مجتمعنا التي أدمنت ثقافة تأثيم الضحية وعدم المبالاة بالجلاد، والتي حالت دون مشاركتها الفاعلة في الحراك الجماهيري، ناهيك عن المؤثرات السلبية لانتشار وباء كورونا. ولذا كان ظهور "المجلس التشاوري- ومعه كل الحراكات والتنظيمات التشرينية الأخرى - كشكل واقعي وملموس من التنظيم، هو ضرورة لتفادي الانتكاس المتوقع للحراك الاحتجاجي عن بلوغ أهدافه، والتي هي تعبير عن تطلعات وطموحات شعبنا في استعادة الهوية الوطنية الجامعة، وتحقيق قيم المواطنة الحقة والحرية والعدالة الاجتماعية.

    لقد أظهرت المسيرات الحاشدة التي انطلقت هذا اليوَم في العديد من محافظات بلدنا المنتفضة، عزم جماهير شعبنا على مواصلة النضال والكفاح حتى التحقيق الكامل للمطالب المشروعة للانتفاضة في التغيير المنشود.. فألف تحية لهذه الجموع التي عبرت براياتها وشعاراتها وهتافاتها عن وفائها لكل شهداء الحركة الاحتجاجية وجرحاها ومغيبيها، وحرصها على اللحمة الوطنية وسيادة العراق وكرامة شعبه.

 إن كل هذا الجديد الذي بشرت بهِ انتفاضتنا المجيدة، لن يتراجع أو يموت... وسيتكفل حتماً - ورغم كل الآلام التي رافقت الانتفاضة - بإيداع "القديم"، الفاقد لشرعية بقائه واستمراره، والذي لم يعد صالحاً لإدارة الدولة - الى متحف التاريخ.

 -عاشت انتفاضة تشرين المجيدة.

-المجد والخلود لشهدائنا الأبرار.

- الشفاء العاجل للجرحى والمصابين.

-الحرية للمعتقلين والمختطفين والمغيبين.

- الخزي والعار للقتلة والفاسدين أعداء الشعب.

   المجلس التشاوري للقوى والحراكات الوطنية

بغداد - الاول من تشرين الاول ٢٠٢١