في أعقاب عدوان الخامس من حزيران عام 1967 الذي جاء استكمالا للمشروع الصهيوني بدأ ًمن استقدام المستوطنين الى فلسطين بدعم مباشر من سلطات الانتداب البريطاني، والنكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني والأمة العربية عام 1948، هيمن على الفضاء العربي تياران متناقضان ومتعارضان: الأول تيار المقاومة الذي امتشق، ولا زال، سلاح البندقية والكلمة الجريئة والموقف المقاوم، رفض الهزيمة والاستسلام لمنطقها وذهنيتها، ويواصل اليوم رغم اختلال موازين القوى لصالح المعتدين الصهاينة وحماتهم الامبرياليين خوض معركة الصمود والمواجهة والتصدي لمساعي جبهة الأعداء تكريس الاحتلال، ومصادرة الحقوق وطمس الهوية الوطنية للشعب العربي الفلسطيني واحتلال أجزاء من الأرض العربية. أما الثاني، معسكر التطبيع الذي انزلق تدريجيا من خانة التخاذل المستتر، والتظاهر الكاذب بالموافقة على مقاومة العدوان وتصفية آثاره، مرورا بإبداء مزيد من الاستعداد اللفظي والعملي للتراجع عن الالتزام بشعار "لا صلح، ولا استسلام ولا مفاوضات"، والترويج لمفاهيم وطروحات اتخذت من الواقعية الانهزامية ستارا وذريعة مضللة لاشاعة العجز عن مواجهة العدوان، بالنظر الى ما يمتلكه المعتدون من قدرات عسكرية هائلة ودعم دولي كبير، ومرورا أيضا، بتدشين زعيم اكبر دولة عربية نهج المفاوضات المباشرة، والصفقات الانفرادية، وابرام معاهدات استسلام مذلة وتفريط بالحقوق الوطنية والقومية، هذا النهج الذي سرعان ما تبناه والتزم به جل النظام الرسمي العربي، الذي غدت أمرا مألوفا ومعتادا لقاءات قادة دوله والمسؤولين فيها مع مسؤولي الكيان الصهيوني التي تولد عنها معاهدات زعمت أنها تنشد الـ "سلام" واتفاقيات مهينة في مختلف جوانب الحياة سمتها الأساسية أنها جائرة، تخدم مصالح كيان الاحتلال وتعظم من قدراته للهيمنة السياسية، والاقتصادية والعسكرية- الأمنية على المنطقة العربية.
وبالرغم من استمرار توافر الكيان الصهيوني على قدرات وسبل ومقومات تكفل الديمومة لاحتلاله الأراضي الفلسطينية وأجزاء من الدول العربية، طيلة هذه العقود، ولفرض أجواء تتهدد بالطمس والتصفية حقوق الشعب الفلسطيني العادلة وغير القابلة للتصرف، بفعل ترسانته العسكرية الضخمة، وآلته القمعية الهمجية المنفلتة، والدعم الهائل متعدد الوجوه والاشكال، الذي يحظى به من جانب الغرب الامبريالي، بشقيه الأمريكي والاوروبي، وتخاذل بعض الأنظمة العربية، وانكفائه عن المواجهة، ونزوعه المتزايد للانضواء تحت مظلة التنسيق والحماية الأمنية الصهيوامبريالية، الا أن الهزيمة لم تستطع ان تفرض منطقها وثقافتها على الشعوب العربية، وعلى حركة تحررها الوطني والقومي والاجتماعي بجميع احزابها وقواها وشخصياتها.
إن هذه الحركة، رغم انسلاخ بعض القوى عنها وانتقالها الى معسكر الخصوم والاعداء، لا زالت عصية على التطويع، ولا زالت أحزاب وقوى وفصائل متقدمة منها تقف في خندق المواجهة والتصدي والمقاومة لمخططات واطماع اطراف هذا المعسكر المعادي، وتمتلك التصميم والقدرة على الصمود وعدم تمكين التحالف الصهيوني الامبريالي الرجعي من فرض ارادته وانتزاع استسلام غير مشروط. فلا التطبيع اصبح مستساغا ومقبولا من شعوبنا العربية، ولا "صفقة القرن" باتت الأبواب مشرعة لتطبيقها بسهولة كما توهم من صاغها وراهن عليها، ولم تتمكن آلة الحرب "الإسرائيلية" من العربدة في سماء غزة الصامدة دون تلقي رد مؤلم وقاس، ولم تفلح آلة القمع والبطش "الإسرائيلية" على وحشيتها وهمجيتها وتفلتها من أي ضوابط او حدود، ان تنال من صمود الشعب الفلسطيني على ارض وطنه، ومن تمسكه بحقوقه الوطنية الثابتة، ومن اضعاف مقاومته بصدور عارية الا من إرادة صلبة، لمخططات الصهاينة في تهويد القدس، العاصمة الأبدية للدولة الفلسطينية المنشودة، وتهجير سكان احيائها الأصليين للاستحواذ عليها وضمها لكيانهم الغاصب، كما انتصر هذا الشعب بوعيه على مخططات تمزيقه وتفتيت وحدته الوطنية، ونجح في سياق معركة "سيف القدس" من تجسيد وحدته الكفاحية على امتداد فلسطين التاريخية.
في ذكرى العدوان يجدد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية وسائر شعوب العالم وفي مقدمتهم أبناء شعبنا الأردني وبناته الذين جددوا في أيام العدوان على القدس وغزة بنماذج رائعة مؤازرتهم ودعمهم لصمود اشقائهم في فلسطين، رفع قبضاتهم في وجه الكيان الصهيوني الذي تتصاعد نزعاته العنصرية والفاشية، وجميع من يقدم له الدعم والاسناد في منطقتنا العربية والعالم لتكريس احتلاله بالعدوان والقوة الغاشمة والقمع الدموي والتمرد على الشرعية الدولية وقراراتها، ويعلنون بأعلى الصوت أن ليل الاحتلال سينجلي، وأن رايات الحرية ستخفق حتما فوق القدس، العاصمة الازلية لدولة الشعب الفلسطيني وسائر أراضيها المحتلة، وسيتمكن الشعب الفلسطيني بكل تأكيد من ممارسة حقوقه الوطنية والثابتة في العودة وتقرير المصير على ترابه الوطني.
عمان في 5 حزيران 2021
ائتلاف الأحزاب القومية واليسارية