تتوالى الشهور ومشروع موازنة ٢٠٢١ يدور في غرف مجلس النواب ، ويجري تداوله في الاجتماعات واللقاءات الماراثونية في اللجنة المالية البرلمانية، في حين تتصاعد الاحتجاجات والمطالبات الشعبية جراء التدهور في الأحوال المعيشية لعموم المواطنين، وللفئات الشعبية الواسعة بشكل خاص، نتيجة لاشتداد الأزمة السياسية والاقتصادية والمالية والصحية المتفاقمة أصلا منذ خفض سعر صرف الدينار مقابل الدولار، وانعكاسات ذلك في ارتفاع أسعار المواد الأساسية والأدوية وانخفاض القدرة الشرائية، الأمر الذي يتطلب معالجات وحلولا سريعة، تمثل الموازنة العامة أداة رئيسة وضرورية لها.
ومثلما جرت العادة في الدورات البرلمانية السابقة، لا تمرر الموازنات إلاّ بعد حصول تفاهمات على أساس مواقف وأجندات سياسية وتوافقات بين الكتل البرلمانية، تراعى فيها المصالح السياسية الخاصة على نحو بيّن، رغم أن ذلك يغلف بغطاء مصالح "المكونات " و " التوازن". وغالبا ما تشكل التفاهمات المذكورة التفافا على الدستور. وتعكس التقاطعات الحادة في مواقف الكتل البرلمانية اليوم في جانب أساسي منها، الصراع على الحكم ومن اجل الاستحواذ على أكبر حصة من تخصيصات الموازنة، إلى جانب اعتبارات التوظيف الانتخابي وانعكاسات الصراع السياسي المحتدم في البلاد.
وتشير المعطيات إلى أن الخلافات لا تخص حصة الإقليم والمادة ١١ من مشروع الموازنة وحسب، وإنما تشمل قضايا أخرى يتصدرها الصراع على الحصص، وذلك ليس بمعزل عن المصالح السياسية والانتخابية للكتل، إضافة إلى سعر صرف الدينار المعتمد اليوم، والمواد المتعلقة بالتصرف في أصول الدولة، وآليات التعامل مع الأراضي الزراعية وتسهيل تخلي الدولة عن ملكيتها.
ومعلوم أن طريقة إعداد هذه الموازنة وآلياتها لم تختلف عن طريقة إعداد سابقاتها باعتبارها موازنة بنود، وهذا لا ينسجم مع توصيفها "إصلاحية" من قبل الحكومة، علما انه كان التوجه منذ موازنة 2019 أن يتم الانتقال تدريجيا إلى موازنة مشاريع وبرامج. ثم أنها لا تختلف عن سابقاتها من حيث التوجه وآليات البناء، ولا تخرج عن كونها آلية لتوزيع موارد النفط الخام المصدر بين مؤسسات الدولة، لتأمين نفقاتها التشغيلية والجارية.
في الوقت نفسه نجد مشروع الموازنة صادما في زيادته أعباء الأزمة على الشرائح الواسعة الفقيرة وذات الدخل المحدود والضعيف، وهذا ليس فقط لخلوّه من حزمة متكاملة من الإجراءات لصالح الفئات غير القادرة على تحمل أضرار خفض سعر صرف الدينار، وتداعيات جائحة كورونا، وإنما لأنه ينص على استقطاعات من رواتب العاملين في الدولة، وفرض ضرائب مباشرة وغير مباشرة عليهم، فضلا عن العجز الكبير غير المبرر في المشروع.
ومن المفارقات الأخرى المثيرة للاستغراب أن مشروع الموازنة ينطوي على ارتفاع غير مسبوق في النفقات العامة وفي العجز والمديونية، في الوقت الذي تشدد فيه الحكومة على الإصلاح وضغط الإنفاق ووقف الهدر في المال العام. وفي رأينا أن تضمين الموازنة فقرات تتعلق بتوجهات اقتصادية ذات أهمية إستراتيجية، تتعلق بالتصرف في أموال وأصول وممتلكات الدولة، أمر ينطوي على خطورة. فالأجدر والأجدى للحكومة ان تقدم في شأن ذلك مشاريع قوانين خاصة مستقلة تحظى بالنقاش الواسع، لا أن تدسها في فقرات مغمورة في ثنايا الموازنة. إن مشروع الموازنة بصيغته المقدمة من قبل الحكومة غير مقبول، وهو بحاجة إلى مراجعة وتدقيق وتعديل في العديد من مواده وبنوده، وبما يضمن تحقيق أعلى قدر ممكن من العدالة الاجتماعية، وتوجيه الموارد نحو الاستثمار الحكومي وتشجيع الاستثمار المنتج، الخاص والأجنبي، وتحفيز القطاعات الإنتاجية وخلق فرص العمل، لاسيما للشباب المفترش الأرصفة والطرقات منذ شهور، مطالبا بالعمل وتأمين العيش الكريم.
ويقتضي كل ذلك حل الإشكالية القائمة في حصة الإقليم على أساس الدستور نصا وروحا، وبما يضمن حقوق ومصالح الطرفين، ويعزز ويوطد أواصر التآخي بين مختلف أطياف الشعب العراقي. فمن اللازم إلا يقع شعب الإقليم ضحية للمواقف السياسية والممارسات الخاطئة، من أية جهة جاءت.
كما أن من الضروري أن يصار في الموازنة إلى زيادة الأموال المخصصة لحماية الفقراء والكادحين وذوي الدخل المحدود، وأن لا يقتصر الأمر على الحماية الاجتماعية التي يجب أن تشمل فئات وشرائح أخرى محدودة الدخل، كذلك الفئات في القطاع غير المنظم ، وان يصار إلى إلغاء الاستقطاعات من الرواتب وزيادة التخصيصات الاستثمارية، مقابل رفع سعر البرميل المعتمد وتقليص النفقات العامة بأعلى نسبة ممكنة، وإلغاء النفقات غير الضرورية، وتخفيض رواتب وتخصيصات الرئاسات والدرجات الخاصة، والعمل على تأمين فرص العمل، ودعوة الحكومة والبنك المركزي لإعادة النظر في مسألة سعر الصرف، والابتعاد عن القروض، خاصة الخارجية، حيثما كان ذلك ممكنا.
ومن الضروري أيضا زيادة التخصيصات لتنمية المحافظات، وتوزيعها بصورة عادلة بما يحفظ حقوق المحافظات المحررة من داعش والمحافظات المحرومة.
ويتوجب في الوقت نفسه عدم إثقال الموازنة بأمور وقضايا تتطلب بحد ذاتها معالجات تشريعية مستقلة. وقبل هذا وبعده عدم تحميل المواطن أعباء التكيف مع الأزمة الشاملة التي تثقل كاهل البلاد.
وأخيرا، فان مجلس النواب والكتل السياسية الممثلة فيه، مطالبة بالإسراع في إقرار الموازنة التي طال انتظارها كثيرا.. الأحزاب الموقعة:
1- تجمع البصمة الوطنية
2- التيار الاجتماعي الديمقراطي.
3-الحزب الشيوعي العراقي.
4-حزب الأمة العراقية.
5- الوفاء الوطني العراقي.
6-الجبهة الفيلية.
7-الحركة الديمقراطية الآشورية.
8-الحزب الوطني الآشوري.
9-حركة انتفاضيون.
10- حزب الإيثار العراقي.
11- حزب الحرية والديمقراطية الايزيدي.
12- التيار القاسمي.
13- تجمع العشائر العراقية.
14- حزب الوفاق الوطني العراقي.
15- الحزب الشيوعي الكردستاني.
16- تحالف العمل الوطني.
17- حركة نازل اخذ حقي الديمقراطية.
18- حزب الاتفاق الوطني.
19-حزب بيارق الخير.