رشيد غويلب
في يومي 5 و6 ايار استضافت قاعة اجتماعات البرلمان الأوروبي، مؤتمرا لكتلة اليسار فيه حول اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الاوربي ومجموعة بلدان "ميركوسور" التي تضم البرازيل والأرجنتين وباراغواي وأوروغواي.
وقد شكل المؤتمر فرصة هامة للتضامن مع الرئيس البرازيلي الاسبق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي علت صورته لافتة تصدرت واجهة القاعة: "ديمقراطية مستهدفة بالرصاص". ويعتبر "لولا" المرشح الأوفر حظا للفوز في الانتخابات الرئاسية التي تشهدها البرازيل في تشرين الأول المقبل، على الرغم من وجوده في السجن على اثر الحكم عليه في قضية فساد، بلا ادلة، لابعاده عن خوض السباق الانتخابي.
ويدعم هذا الراي المشاركون في المؤتمر من أوروبا وأمريكا اللاتينية. وقال سيلسو اموريم، وزير الخارجية في حكومة "لولا" ورئيس لجنة التضامن العالمية معه: "لولا لم يسجن بتهمة فساد، بل حوكم بسبب اصراره على مشروع العدالة الاجتماعية". وبدون "لولا" سيكون الطريق سالكا لحكومة ليبرالية جديدة متطرفة، تكون اتفاقية التجارة الحرة ضمن اجندتها.
ورى هلموت شولز المعني في كتلة اليسار بشئون التجارة"فيما يتعلق باتفاقيات التجارة الحرة، لا يمكن للمرء أن ينظر فقط إلى الوضع الاقتصادي في البلدان المعنية، بل يجب على المرء أيضا أن يأخذ في الاعتبار الوضع الاجتماعي والسياسي". وتعتبر الأرجنتين والبرازيل اهم اعضاء "ميركوسور"، وشهدت مؤخراً تحولاً جذرياً نحو اليمين. فبالإضافة إلى ايداع "لولا" السجن، تم اغتيال عضوة برلمان العاصمة، ورئيسة لجنة "المخابرات العسكرية" والمناضلة اليسارية المعروفة مارييل فرانكو، والتي انتقدت بشدة وبوضوح الرئيس البرازيلي ميشيل تامير. وأثار مقتلها موجة احتجاجات في جميع أنحاء البلاد.
وتقول تاليريا بيترون من حزب الاشتراكية والحرية، حزب الشهيدة المغدورة: "البرازيل ليست بطلة العالم في كرة القدم فقط، بل في قتل المدافعين عن حقوق الإنسان"، وان القتل لاسباب سياسية وعنصرية موضوع على جدول العمل. وشملت عمليات التصفية عشرات الآلاف من الشبيبة الأفرو برازيلية، وتصاعدت نسبة الضحايا في صفوف السكان السود في العشر سنوات الأخيرة لتصل الى 18 في المائة تقريبا، في حين تبلغ في صفوف البيض 12 في المائة، وهي نسبة كبيرة ايضا، وتاتي البرازيل في الموقع الخامس في جرائم قتل النساء.
وفي الأرجنتين، ايضا تواجه دولة المؤسسات اخطارا جدية، هذا ما اكده غييرمو كارمونا، عضو البرلمان عن "جبهة النصر". ويتفاوض الاتحاد الأوروبي مع الحكومات التي تنتهك حقوق الإنسان بشكل منهجي وتنتهك الدستور. و على الرغم من الصورة القاتمة لدى كارمونا وزملائه من الوضع السياسي في أمريكا اللاتينية، فإنهم يرون أن اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي هي فرصة لتوحيد القوى اليسارية التقدمية في الحرب ضد الليبرالية الجديدة:"لدينا امل ا،فهناك الكثير من الناس في أمريكا اللاتينية يناضلون ضد الليبرالية الجديدة ".
وعلى اساس المعلومات المحدودة المتوفرة عن اتفاقية التجارة الحرة، التي يجرى التفاوض بشأنها بسرية تامة، يرى المشاركون في المؤتمر، ان الاتفاقية تمثل مشروعا ليبراليا جديدا بامتياز. وتعد عدم الشفافية في نقل وتوفير المعطيات مشكلة كبيرة لكتلة اليسار في البرلمان الاوربي. والمفاوضات التي تجري بين الطرفين منذ 1999 حققت في الأشهر الأخيرة تقدما، ولكنها لا تزال بعيدة عن الاتفاق، فكل طرف لديه قطاعات يحرص على حمايتها: الاتحاد الأوربي يريد حماية قطاعه الزراعي، فيما يحاول الأمريكيون اللاتينيون حماية قطاعات الصناعة، والخدمات.
وبالنسبة لكارلوس بيانكو من اتحاد النقابات الأرجنتينيةCTA ، فإن ذلك يمثل السخرية العارية . ويرى ان التقييمات التالية ستبين: انخفاض اتفاقية التجارة من صادرات الارجنتين وتزيد الواردات، واقتصاديا يمثل ذلك تطورا مدمرا. ووفقا للدراسات ستفقد مئات الآلاف من فرص العمل ، وسيؤدي تشديد الاتحاد الأوروبي لحقوق براءات اختراع الأدوية إلى زيادة الأسعار بنسبة تصل إلى 25 في المائة للأدوية الخاصة بفيروس نقص المناعة والتهاب الكبد (الأيدز). ولهذا فان اتفاقية التجارة الحرة بالنسبة لمواطني امريكا اللاتينية كارثية. ولذلك تطالب النقابات باعادة النظر في االاتفاقات، للحد من زيادة عمق الفجوة بين البلدان المعنية بها.
وتدعم حكومة اليسار في اوروغواي موقف النقابات الارجنتينية، وتؤكد انها سوف لن تصوت لصالح الاتفاقية، لانها تحول بلدان مجموعة "ميركوسور" الى مجرد مصدرين للمواد الخام. وترى في الاتفاقية شكلا من اشكال الاستعمار الجديد، ولا تضم عناصر سياسية اجتماعية او بيئية. وتسعى الاتفاقية الى انشاء نظام عالمي ليبرلي جديد، يحل فيه السوق محل الدولة، في حين ان بلدان المجموعة، كما ترى حكومة اليسار، تسعى الى بناء مجتمعات اكثر عدلا وتضامنا.