في الثاني والعشرين من نيسان لهذا العام 2020 حلت الذكرى السنوية الخمسين بعد المائة لميلاد لينين. وفي الخامس من ايار حلت الذكرى الثانية بعد المائتين لميلاد ماركس. كارل ماركس الهولندي الاصل الالماني الولادة والتجنس والنشأة تخصص في دراسته الجامعية بعلم الفلسفة وكانت رسالته العلمية حول فلسفة ابيقور الذي كان ماديا وهذا ما ساعد على ان يكون كارل ماركس ماديا أصيلا. واستوعب الجدل من الجدل اليوناني.
في المانيا درس ديالكينك هيغل فوجده قاصرا ولقد كان هيغل مثاليا في تفكيره فتحول الى معسكر الفورباخية كما يذكر انجلز في مؤلفه (مادية فورباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الالمانية ). وفوجئ هنا بان مادية فورباخ قاصرة ايضا نصفها مادي والنصف الاخر مثالي كما ان فورباخ لم يكن جدليا في منهجه.
ولهذا لا يمكن القول بان ماركس جمع مادية فورباخ مع ديالكنيك هيغل جمعا ميكانيكيا فأعطانا (المادية الجدلية).
في حاشية كتبها انجلز لمؤلفه (مادية فورباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الالمانية) ورد النص التالي:
( انا لا استطيع ان انكر انني اشتركت بصورة مستقلة الى حد ما قبل واثناء تعاوني خلال اربعين سنة مع ماركس سواء في تثبيت النظرية التي نتكلم عنها ام في وضعها على الاخص ولكن الجزء الاكبر من الافكار الاساسية الموجهة وخاصة في الميدان الاقتصادي والتاريخي ولاسيما فيما يتعلق بصياغتها الواضحة النهائية انما هي جميعها ترجع الى ماركس وما اسهمت به انا كان بإمكان ماركس ان يفعله بكل سهولة بدوني – ربما باستثناء ميدانين او ثلاثة من الميادين الخاصة ولكن ما فعله ماركس ما كان في استطاعتي انا ان اقوم به ابدا ان ماركس كان اعلى منا جميعا وكان يرى ابعد واوسع واسرع منا جميعا ان ماركس كان عبقريا اما نحن فكنا على اكثر تقدير – موهوبين ولولاه لكانت نظريتنا بعيده جدا عما هي عليه اليوم ولهذا فأنها تحمل بجدارة اسمه). وأـذكر جيدا ان احد معارفه كتب عنه يقول ( كان ماركس يسبق عصره بمائة عام ).
لينين كتب عن ماركس في مؤلف له مترجم الى اللغة العربية عنوانه (ماركس , انجلز والماركسية) قائلا ما معناه ان ماركس اعتمد ثلاث مصادر اسماها بالمصادر الثلاث في مقالته المعنونة ( مصادر الماركسية الثلاث واقسامها المكونة الثلاثة) وكانت الفلسفة الكلاسيكية الالمانية , الاقتصاد السياسي الانكليزي, الاشتراكية الفرنسية.
وقد اضاف سلامة كيلة الى هذه المصادر الثلاث مصدرا رابعا وهو حسب رايه (تطور الفكر البرجوازي اللبرالي). يمكن بهذا الخصوص الرجوع الى مؤلف لينين المشار اليه ومؤلف سلامة كيلة المعنون (من هيغل الى ماركس- موضوعات حول الجدل المادي ).
في الذكرى المائتين لميلاد ماركس كانت لي مساهمة في الملف الذي اصدرته جريدة طريق الشعب واتذكر ان الملف الذي اصدرته بتلك المناسبة جريدة المدى, تضمن ما نشر لي في ملف طريق الشعب بالنص وبكامله.
لذا لا اريد العودة الى ما كتبته سابقا هنا اريد التركيز على تمييز ماركس بين الاماني والتصورات والرغبات و بين منطق الحياة الموضوعي المستقل عن البشر. عام 1848 كما معروف كانت هناك ثورات عمالية في المانيا وفرنسا وغيرها من بلدان اوروبا وقد اخذت طابع اقامة المتاريس في الشوارع في مواجهة القوات الحكومية التي تمكنت في نهاية المطاف من السيطرة على الاوضاع وافشال تلك الهبة الثورية .
بعد عامين تجددت الثورات في اوروبا وقد تحدث ماركس عن ثورات 1850 بالتفصيل وطرح وبطهارة ثورية نقدا ذاتيا لأنفسهم معطيا بذلك درسا بليغا لكل الثوريين في العالم.
كتب ماركس يقول عن ثورات 1850 على ما اتذكر لقد اعطتنا الحياة درسا بليغا، وصفعتنا صفعة قوية واثبتت لنا (كم كنا واهمين عندما تصورنا ان ثورات 1850 ستكون نسخة طبق الاصل من ثورات 1848) فبدلا من الشارع ونصب المتاريس , كانت الثورات ثورات قصور استهدفت رفع العقبات بوجه تطور الرأسمالية وازدهارها وتوسعها افقيا بحيث وصلت الى حدود روسيا).
كان ماركس ديالكنيكيا, يؤمن بعكس الميتافيزيك انه لا سكون في الحياة , بل هناك الحركة ولا سرمدي في الوجود غير الحركة . وطبيعي ان الحركة في استمراريتها تطرح جانبا ما شاخ من ظواهر حياتية وتفرز الجديد بعد الجديد. وهذا ما حدا به وبأنجلز ان يؤكد ان البيان الشيوعي الاول – المانيفسيت ( قد شاخ في بعض مواقعه) واوضحا في المقدمة التي كتباها ووقعاها سوية للطبعة الالمانية للبيان الصادر عام 1872 والمنشورة في الكتاب الاول للمختارات ( رغم ان الظروف تبدلت كثيرا خلال السنوات العشرين الاخيرة فالمبادئ العامة في هذا البيان لا تزال بلا جدال محافظة حتى اليوم على كل صحتها وان كان يجب ادخال بعض التعديل على عدد من الفقرات. ان البيان نفسه يوضح ان تطبيق هذه المبادئ يتعلق دائما وفي كل مكان بالظروف والاوضاع التاريخية في وقت معين فلا تعلق اهمية قائمة بذاتها على التدابير الثورية المذكورة في نهاية الفصل الثاني. ونحن لو عمدنا الى انشاء هذا المقطع اليوم لاختلف في اكثر من نقطة عن الاصل. وقد شاخ هذا البرنامج اليوم في بعض نقاطه نظرا للرقي العظيم في الصناعة الكبرى خلال السنوات الخمس والعشرين الاخيرة وما رافق هذا الرقي من تقدم الطبقة العاملة في تنظيمها الحزبي, ونظرا للتجارب الواقعية التي تركتها ثورة شباط اولا, ثم على الخصوص كومونة باريس حين كامت السلطة السياسية لأول مرة بين ايدي اليروليتاريا لمدة شهرين ).
ومعلوم ان لينين في استعراضه لتجربة كومونة باريس ذكر ان ماركس (سار الى جنبها يقترح عليها ويتعلم منها).
لقد كانت تجربة ثورات 1848وثورات1850 وفيما بعد كومونة باريس فرصة ثمينة لماركس كي يرى الفكر في التطبيق في الممارسة، للتوثق من صحة التعاليم وكيف تشذب فيخرج منها ماشاخ وتخطته الحياة ويضاف اليه ما استجد من وقائع ودروس.
ماركس كما معلوم طرح في المانيفيست عن رفع ايرولتياريا الى طبقة سائدة ولكن كيف؟ هذا ما تركه للحياة لتوضح كيف؟ اما في مؤلفه الثامن عشر من برومير لويس يونابرت) وعلى ضوء تجارب ثورات 1848 و1850 كتب عن ان اليرولتياريا في ثورتها (تقوم بتحطيم جهاز الدولة الذي بنته البرجوازية لنفسها) وكما ورد في المقدمة المشار اليها للمانيفيست ( ان الطبقة العاملة لا يمكن ان تكتفي بالاستيلاء على جهاز الدولة القائم واستخدامه في غاياتها الخاصة). وبذلك احرز تقدما هاما على ما طرح في المانيفيست . ولكن ما هو البديل ؟ لم يطرح شيئا عن البديل . ان البديل طرحته الجياة في الفترة التي استلمت اليرولتياريا فيها السلطة ولمدة شهرين هي ايام كومونة باريس.
لقد جاء مؤلف ماركس ( الحرب الاهلية في فرنسا) ليوضح تجربة كومونة باريس عام 1871. في هذا المؤلف استعرض ماركس الاجراءات التي اتخذتها الكومونة وفي النهاية جاء وبالنص (يسألونك عن دكتاتورية اليرولتياريا... انها هي دكتاتورية اليرولتياريا). ومعلوم ان ماركس في رسالة بعث بها عام 1852 الى يوسف فايديمير فهمه لدكتاتورية اليرولتياريا)( ليست غير ممر الى القضاء على كل الطبقات والى المجتمع الخالي من الطبقات ). وقد استعرض لينين في مؤلفه ( الدولة والثورة) هذا التطور في فكر ماركس وطرحه لهذه المسالة الحيوية وهي تتعلق بمسالة السلطة ن خلال رصده الدقيق لحركة الواقع الموضوعي وتطوراته المستقرة ومن المفيد لدى الرجوع الى ( الدولة والثورة ) الرجوع ايضا الى مقالة لينين المعنونة (مصائر مذهب كارل ماركس التاريخية) والمنشورة في الكتاب الاول من مختارات لينين.
اجل ماركس اعتبر كومونة باريس سلطة دكتاتورية البرولتياريا بعد عرضه لما انجزتهه الكومونة في مؤلفه (الحرب الاهلية في فرنسا) وبالإمكان العودة اليه هنا اتذكر ان ابرزها كان الغاء الجيش والاستعاضة عنه بالشعب المسلح , تخفيض الرواتب للموظفين الى مستوى رواتب العمال والانتخاب المباشر للموظفين... الخ.
وللزيادة في الوضوح اختتم انجلز المقدمة التي وضعها المؤلف ماركس (الحرب الاهلية في فرنسا) بالفقرة التالية:
( في الآونة الاخيرة شرع رعب ناجم من كلمتي دكتاتورية اليرولتياريا يستبد من جديد بالتافهين الضيقي الافق الاشتراكيين الديمقراطيين . هل تريدون ان تعرفوا ايها السادة المحترمون كيف تبدو هذه الدكتاتورية , انظروا الى كومونة باريس . فقد كانت دكتاتورية اليرولتياريا وفي نفس المقدمة التي كتبها انجلز عام 1891 ورد ( لقد كان على الكومونة ان تعترف منذ بداية الامر بانه على الطبقة العاملة – وقد جاءت الى الحكم انها لا تستطيع ان تستمر في تصريف الامور بواسطة جهاز الدولة القديم وانه ينبغي على الطبقة العاملة لكي لا تفقد ثانية الحكم الذي ظفرت به آنفا ان تطيح بجهاز الاضطهاد القديم جميعه الذي كان يستخدم سابقا ضدها).
هذا ما طرحه ماركس بخصوصها. لقد ارد منها بناء المجتمع الخالي من الطبقات, المجتمع الشيوعي الذي وصفه بنفسه بانه ( مجتمع الاناس الاحرار المتساوين , المجتمع الذي تتدفق منه الخيرات المادية كالمسيل).
ومن الضروري الاشارة هنا الى توصية ماركس وانجلز عن ضرورة التعامل مع الماركسية على انها مرشدا للعمل وليست رافعا هيكليا).
ماركس غادر الحياة في 14اذار 1883 وقد ارخ لينين لهذه الوفاة في مؤلفه (ماركس انجلز والماركسية) بالقول:
(في الثاني من كانون الاول سنة 1881 ماتت زوجته . وفي14اذار 1883 رقد ماركس في كرسيه رقادا اخيرا هادئا ودفن مع زوجته وخادمتهما الامينة هيلين ديموت التي اصبحت كانها احد اعضاء العائلة وذلك في مقبرة هايفات في لندن)