انطلقت يوم السبت المصادف ١٦ آيار ٢٠٢٠، تظاهرة للموظفين والتدريسيين في محافظة دهوك احتجاجا على تأخر صرف الرواتب. والملفت بدلا من إحترام حق التظاهر السلمي، لشريحة مهمة في المجتمع، حملت على أكتافها أعباء غير قليلة، وطالما تحملت الكثير، ولها تاريخها المشرف في الوقوف مع إقليم كردستان في كل المراحل التي مرت عليه، اذ لا يمكن للذاكرة ان تتناسى، تطوع معلمي كردستان وجميع المرتبطين بالعملية التربوية وقيامهم بواجبهم بعد ان قطعت حكومة البعث الصدامي المقبور الرواتب عن موظفي كوردستان وبضمنهم الكادر التربوي، وذلك بعد إنتفاضة اذار ١٩٩٠، والقرار الجائر بفرض الحصار الحكومي اللاإنساني آنذاك. حينذاك شمر التربويون عن سواعدهم، وافتتحوا مدارسهم، وقاموا بمهمتهم على خير وجه تطوعا، دون انتظار أي شكر. موقف املاه عليهم ضميرهم الإنساني وشعورهم والوطني، وتحملوا تبعاته بما في ذلك شظف العيش، وأنفقوا مدخراتهم، واقتصدوا في معيشتهم، هذا الموقف المشهود لهم، وغيره الكثير، يدعونا دوما للوقوف لهم بكل احترام.
لم يمارس معلمو كردستان غير الحق الشرعي الطبيعي المالوف في أي نظام ديمقراطي، تعددي، ولم يسلكوا سوى السلمية في الاحتجاج، المكفول دستوريا، لم يعتدوا على ممتلكات عامة، لم تقترب اياديهم من مال عام، حاشاهم من أي تصرف لا يليق بمن علم الأجيال رسم الحرف، والكملة الطيبة، وصياغة الجملة المهذبة، وحسن التعبير، والسلوك القويم.
التظاهرة الحضارية التي خرجوا بها، ورفعوا خلالها مطالب مشروعة، اساسها حقهم في الأجر الذي يستحقوه بعد ان صرفوا جهدهم النبيل، لتأمين حياة كريمة يستحقونها. التظاهرة السلمية هي قوة للنظام وليس اضعاف له، بل هي مطلوبة لتذكير الحكومة بواجبها، وحثها علي القيام به.
ما يؤسف له، بدلا من التصريحات التي يجب ان يطلقها أي مسؤول، التي يؤكد فيها شرعية هذه الاحتجاجات، واهمية الاستجابة لمطالبها، والتعامل معها، وقبل ذلك حمايتها، اطل علينا السيد فرهاد اتروشي محافظ دهوك، ليحمل الأحزاب الكردستانية، مسؤولية إطلاق التظاهرات، وهنا لا نريد ان نأتي ببديهة غابت عن السيد المحافظ، انه من أولى واجبات الأحزاب التي تكافح من اجل الديمقراطية والحرية والكرامة، هو الوقوف مع الجماهير ومطالبها. فالنقد يوجه الى الأحزاب ان تخلفت عن ذلك، ويعاب على الحزب الذي يقف ضد إرادة الجماهير، ولا يمكن لمن يمثل حزبا ما ان يقف بوجه اللذين يطالبون بحقوقهم المشروعة.
ليس هذا الموضوع وحده الذي غاب عن بال السيد المحافظ، بل غاب عنه ايضا، ان وظيفته الإدارية هي خدمة المواطنين، بكل تنوعهم، دون النظر لإتجاهاتهم السياسية وانتمائاتهم الحزبية، ومتبنياتهم الفكرية. غابت عنه هذه البديهية، ففي لحظة وجد نفسه رجل دين متطرف، يفتي بالتكفير.. غاب عن باله ان شعب كردستان، مع الشعب العراقي، وكل شعوب العالم الحرة، عانت من التكفير، فتجربة داعش ليست بعيدة، وجرائمها الفاحشة في كردستان، وفي الموصل القريبة المحاذية لدهوك، حيث لغة القتل والدم والسبي، ما زالت لم تندمل بعد.
غاب عن بال المحافظ، حين يوجه لحزبنا الشيوعي الكردستاني، تهمة التكفير، هو بهذا يحرض على القتل ويحلل الدم. هل غابت عن بال المحافظ آثام جرائم التكفير؟، ام انه لا يفقه، ولا يعلم بإحترام الشيوعيين للدين والمتدينين. اما الذين عادوا الحزب، وفق هذا المنطق الأيديو لوجي الرجعي المشين ، والمواقف المسبقة ، فقد لفظهمم التاريخ، وفضحهم، وعرى مقاصدهم، التي بالتأكيد لم تكن إلا لمصالح شخصية وانانية.
غاب عن بال السيد المحافظ، اننا حزب سياسي مساحته الكفاح من اجل الحريات، وبضمنها حرية التعبير، والحقوق وفي مقدمتها الحق في العيش الكريم، وتحسين الحياة والاستقرار والبناء والتعمير والجمال، لا نتدخل في شأن السماء، ولا نتجادل حول جنس الملائكة، ولا أنهر الجنة وكمية الخمر فيها، ولا مذاق العسل هناك وطعمه. فنحن نحترم الناس وخياراتهم ومعتقداتهم.
نذكر السيد المحافظ ان الذين كالوا تهم التكفير بحق الشيوعيين، احتلوا مكانا في التاريخ، نتعفف من تحديد اسمه، احتراما لمن يقرأ هذه الكلمات، ورأفة بالمنصب الذي يليق فقط بمن يحترم حق الانسان في ان يعيش بكرامة.
فهل ترك المحافظ ياترى مهمته الإدارية لينازع مفتي داعش الإرهابي على فتاويه السقيمة التي يحلل فيها سفك الدم؟