طريق الشعب

أقامت المختصة الفكرية بمنظمة الحزب الشيوعي العراقي في بريطانيا، حلقة نقاشية فكرية بعنوان:

(موضوعات في إعادة قراءة ماركس)، قدمها الباحث رضا الظاهر عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، يوم الجمعة 12 /7/ 2019، على قاعة: (Rivercourt Methodist Church)، في منطقة همرسمث – لندن / بريطانيا.

رحب د. ماجد إلىاسري، بالحضور، وقدم مداخلة قيمة عن أبعاد الماركسية، وعن الأهمية الراهنة للماركسية، مؤكداً بأن 

الحديث عن الماركسية ذو شجون لأنها قلبت موازيين الأيديولوجيا وتربعت على راس حركة فكرية وسياسية منذ أواخر القرن التاسع عشر، ومازال الحديث والجدل حولها قائماً إلى يومنا. وتطرق إلى المراحل التي مرت بها الماركسية، بدءاً من الماركسية الكلاسيكية،  وهي افكار ماركس المعتمدة على موقف مادي بالنظر للطبيعة والمجتمع والأفكار، موضحاً بأن ماركس رسم ملامح وعلاقات ومنظومة المجتمع الرأسمإلى  التي لابد من انهيارها بسبب التناقضات التي تكتنفه وتؤدي إلى بناء مجتمع جديد، من خلال مفاهيم  فائض القيمة والصراع الطبقي والاغتراب وغيرها. 

والمرحلة الثانية الماركسية الأرثوذكسية، تشمل الماركسية بعد وفاة ماركس،  كالماركسية التي تبنتها الأممية الثانية 1889-1916  خاصة في أعمال بليخانوف وكاوتسكي ومن ثم ماركسية الأممية الثالثة 1919-1943، التي اغتنت بالفكر اللينيني حول التنظيم والعملية الثورية والحزب الطليعي،  فاطلق عليها الماركسية اللينينية، والستالينية التي سادت في مرحلة 1943-1965، وعمليا تشمل  المدرسة السوفيتية بشكل عام التي عملت على تبسيط وتقنين الماركسية،  وحذف منها كل مايثير الغموض والجدل.

والمرحلة الثالثة  الماركسية النقدية، التي مثلت انطلاقتها ما عرف بمدرسة فرانكفورت  التي رفضت ماسبقها خاصة اللينينية، والستالينية، واعادت قراءة ما كتبه ماركس، خاصة أفكاره الأصيلة كالاغتراب. وقد بدا الاتجاه في العشرينيات للبحث عن ماركسية اكثر تعقيدا وعمقا واهتمت بموضوعات مثل الثقافة والهوية والاغتراب والجمال والأخلاق والحرية الفردية.

وهذا يقود إلى السؤال في القرن الحادي والعشرين حيث سادت العولمة الليبرالية الجديدة التي ركزت على ثلاثة مقومات اساسية 

الليبرالية والخصخصة وتقليص التشريعات المقيدة للاقتصاد  والفرد،  هل لأفكار ماركس أهمية ؟.

وبعد ذلك استهل الباحث رضا الظاهر حديثه عن موضوعات في إعادة قراءة ماركس، مذكراً بالإحتفالات الكبيرة التي جرت في الخامس من أيارالعام الماضي، بمناسبة الذكرى الـ (200) لميلاد ماركس، حيث كانت مناسبة فريدة تواصل الاحتفال بها في سائر أنحاء العالم، وعلى نحو يليق بهذا المفكر العبقري والقائد الثوري اللامع، الذي أعادته أزمات الرأسمإلىة العميقة إلى الواجهة، وجعلت استفتاء (بي بي سي) يمنحه لقب (فيلسوف الألفية الثانية).

وذكر بأن خصوم ماركس الذين يتحدثون عن "عودته" .. مجلة (النيويوركر) التي وصفت ماركس في أكتوبر 1997 بأنه "المفكر الأعظم المقبل"، و(الفايننشيال تايمز) التي ذكّرت بتحليل ماركس العميق للرأسمإلىة ورسمه طريق الخروج من أزماتها، مشيرة إلى أنه وصف الاقتصاد العالمي في (البيان الشيوعي)، على نحو أكثر شبهاً باقتصاد عصرنا منه باقتصاد عام 1848. وأكد الباحث بأن الماركسية، في الجوهر، نظرية لنقد الرأسمإلىة، ومنهجية ضد تأبيد الواقع والثقافة السائدة، وهو التأبيد الذي يستخدمه الخصوم للحفاظ على امتيازاتهم، ومن هنا تأتي الأهمية الفائقة لموضوعة ماركس حول أن الفلاسفة فسروا العالم بينما المهمة تكمن في تغييره. والماركسية، النظرية العلمية التي توفر أداة لتحليل الواقع الإجتماعي والصراع الطبقي وترسم آفاق التغيير، وهي سلاح نظري بيد الطبقة العاملة وسائر المستغَلّين، ودليل عمل يدعو إلى الكفاح الثوري من أجل الإطاحة بعالم رأس المال، عالم الظلم والإضطهاد.

وعلى الرغم من التباينات في تقييم الماركسية والتجارب التي اعتمدتها، ومآل هذه التجارب، فان الباحثين الماركسيين يتفقون على أنها ظلت التحليل الأشمل للتاريخ والواقع ومصائر الرأسمإلىة ونتائج الصراع الطبقي. وأوضح الباحث رضا الظاهر بأنه في التحليل علينا أن نتمسك بمنهج ماركس نفسه، أي النظر إلى الظواهر في حركتها لا في سكونها، ويتعين أن نتذكر هنا حديث انجلز، عميق الدلالة، عن الأشياء التي تشيخ في الحياة، وضرورة التجديد ومواكبة التطور. ويتعين علينا أن نقرأ ماركس، ونعيد قراءته بتأمل في راهنية الماركسية، وأن نجيب على سؤال: لمإذا كان ماركس على حق ؟، الماركسية لم تمت .. إنها تولد من جديد .. وسيظل ماركس معاصراً !.

وذكر بأن أزمات الرأسمإلىة، الإقتصادية والإجتماعية العميقة، هي التي أسهمت، من بين أسباب أخرى، في إعادة ماركس إلى الواجهة، وجعلت استفتاء الـ (بي بي سي ) يمنحه لقب (فيلسوف الألفية الثانية)، ومجلة (النيويوركر) تصفه بـ (المفكر الأعظم المقبل)، مثلما جعلت صحف العالم الرأسمإلى تضيء انبعاث الإهتمام المتسع بالماركسية.

وتساءل الباحث بأنه لمإذا نقرأ ماركس ؟ ولمإذا نعيد قراءته ؟ ولمإذا هذا الموضوع ؟، بايجاز لأنه  قائم في الواقع .. لأن التاريخ العالمي تبدل .. ولأن "الإشتراكية الفعلية" كانت تشويهاً للماركسية .. ولأننا بحاجة إلى مرشد في النظرية والعمل .. ولهذا ينبغي أن نعود إلى جوهر منهجيتنا الماركسية .. إلى إلىنابيع بعد أن اكتشفنا أننا ابتعدنا عن المياه الصافية .. وفي التحليل علينا أن نتمسك بمنهج ماركس نفسه، الذي يحلل وينتقد ويقيم الظواهر وينظر إليها في حركتها لا في سكونها. علينا أن نتذكر دائماً حديث انجلز عن الأشياء التي تشيخ في الحياة وضرورة اتخاذ موقف التجديد لمواكبة الجديد في الحياة.

وأشار إلى حقائق العودة إلى الماركسية، حيث قالت (بي بي سي) في 26 تشرين الثاني 2008 إنه: "عاد المفكر الاقتصادي وأحد آباء الشيوعية كارل ماركس إلى الواجهة حسب إحدى أكبر دور النشر اليىسارية في ألمانيا". وأفادت دار "ديتز" للنشر بأن الطلب ازداد بقوة على الكتب الرئيسية لماركس منذ أن بدأت الأزمة الإقتصادية العالمية الحالية.  وكانت صحيفة (التايمز) اللندنية قد تطرقت للأزمة الإقتصادية بنبرة تهكمية عندما استعارت صيغة عبارة "يا عمال العالم اتحدوا" التي افتتح بها ماركس كتابه "البيان الشيوعي"، وحولتها إلى "يا مصرفيي العالم اتحدوا"  . وتابعت الصحيفة متوجهة إلى المصرفيين: "لم يعد لديكم اليوم ما تخسرونه سوى مكافآتكم المالية الكبيرة ومنازلكم الشاسعة واجازاتكم على الشواطئ الكاريبية، والآن وبينما سرح الكثيرون من بينكم من وظائفهم، أصبح لديكم الوقت لقراءة تحذيرات ماركس البالغة الجدية من الرأسمإلية"  .

لقد كرس ماركس قدراً كبيراً من طاقته السجالية لتسفيه آراء أقرانه الاشتراكيين الذين تخيلوا أن الانتقال إلى الاشتراكية سيكون قصيراً ويسيراً. والواقع إن تحليله الإجتماعي ينزع إلى تبيان أنه ما من شيء أكثر حماقة من السعي إلى خلق مجتمع اشتراكي بقرار إرادة سياسية. ان الحركات السياسية الماركسية (خلافا لتراث ماركس النظري الخالص) انطلقت دوما من تفاؤل معرفي وتاريخي، مفترضة أن الأشياء كفيلة بأن تتغير نحو الأفضل بعد فترة وجيزة، وذلك بفضل النشاط السياسي الذكي والبارع، ولكن اتضح أن السياسة ليست هي الأساس في إحداث التغيير في حياة البشر. وبسبب الاعتقاد بأن السياسة، لا الأسس المادية الإجتماعية، هي التي تغير الواقع، تمزقت بنية الأمل السياسي المعاصر إلى حد أن الماركسي الحقيقي يجد نفسه أمام مهمة تشييع هذا الأمل الخادع المضلِّل إلى مثواه، والعودة، ثانية، من مملكة الوهم إلى مملكة الواقع.

وأكد الباحث بأنه إذا اردنا لماركس أن يبقى حياً، أي أن نعيده من الصقيع الجامد إلى دفء الحياة، فعلينا أن نفعل، كما فعل هو مع ديالكتيك هيغل، أي أن نوقف ماركس على قدميه بعد أن أوقفناه طويلاً على رأسه. وأشار الباحث إلى راهنية ماركس، موضحاً بأنه وسط كل الضجة التي يثيرها خصوم ماركس تتجلى فكرة رئيسية واحدة: أيّاً كان رأينا به، يظل ماركس راهناً وفاعلاً. فمجلة (الايكونوميست) البريطانية، التي أنفقت عقوداً من الزمن في مناهضة الماركسية، نشرت موضوعاً مطولاً بمناسبة الذكرى الـ (200) لميلاده جادلت فيه بـ "أن قادة العالم لابد أن يواصلوا قراءة ماركس، وأن النهاية السياسية للاتحاد السوفييتي لم تفعل شيئاً للتقليل من قيمة فهم ماركس لقوى الرأسمإلىة. والحق أن الأمر يبدو أكثر راهنية طالما أن بلداناً كثيرة في عالمنا تصارع من أجل توسيع الجور الإجتماعي. ان اعتقاد ماركس بالمجتمع اللاطبقي ربما يكون قد جعل منه البعبع الملتحي لمناهضي الشيوعية، غير أن تحليله الإقتصادي يبقى مسألة لا جدال فيها".

وتحدث الباحث عن صواب التحليل الماركسي ، مشيراً إلى أنه في عصرنا الراهن، عصر تطور الرأسمإلىة وتقدمها، نجد الكثير من الشروط والاتجاهات التي حددها ماركس في نقده للاقتصاد السياسي. وهذا يتجلى، الآن، أكثر مما كان عليه الحال في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. وإذا ما نظرنا إلى راهنية ماركس ارتباطا بالتناقضات البنيوية المتأصلة في الراسمإلىة، بوسعنا أن نرى، في ضوء هذه الحقائق، الاضطرابات واسعة الانتشار في سائر أنحاء عالمنا. ويتعين علينا أن نعتبر أن الواقع الإقتصادي، اليوم، في ظل الرأسمإلىة، تفسره النظرية الماركسية على نحو جلي.   

وتطرق الباحث إلى ما كتبه ماركس وانجلز قبل حوإلى 170 عاماً في (البيان الشيوعي): "ان ما تخلقه البرجوازية، قبل كل شيء، هم حفارو قبرها. ان سقوطها وانتصار البروليتاريا أمران حتميان"، غير أن ما هو معروف اليوم: أن الرأسمإلىة سائدة، وبصيغة المفارقة التاريخية التي سماها الفيلسوف هيغل مكر العقل، فان الرأسمإلىة عوّمت حفاري قبرها لكي تبقى حية. 

فهل انتهى ماركس ؟ كلا، على الاطلاق. ان ما يجعل ماركس جديراً بالقراءة في أيامنا هو ليس تنبؤاته "المتفائلة"، وانما تشخيصاته التي تتردد أصداؤها. فعلى سبيل المثال تنبأ هو وانجلز بالكيفية التي تعمل بها العولمة. وقد كتبا: "بدلاً من الحاجات القديمة التي يشبعها انتاج البلد، نجد حاجات جديدة تتطلب لاشباعها منتجات وأماكن ومناخات أخرى بعيدة". 

وقد يجد المرء صعوبة في قراءة الصفحات القليلة الأولى من (البيان الشيوعي) بدون التفكير بأنه يعيش في العالم الذي وصفه ماركس وانجلز: "التثوير المتواصل للانتاج، والاضطراب المتواصل للظروف الإجتماعية، والقلق والاثارة الدائمة، التي تميز العصر البرجوازي عن العصور السابقة". فنحن نعيش في عالم مثل هذا، ولكن أكثر كثافة مما تجرأ ماركس وانجلز على تخيله

ان ماركس لم يتنبأ بالفيسبوك، ولكنه أدرك المباديء الضرورية لنموذج مارك زوكربيرغ في البزنس، بالتأكيد على نحو أفضل مما فعله أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي في جلسات الاستماع الأخيرة. وكتب ماركس وانجلز على نحو جذاب أن "البرجوازية لم تترك أية صلة بين الانسان والانسان غير المصلحة الذاتية المجردة، و"الدفع النقدي" القاسي القلب. وقد اغرقت النشوة الالهية للاتقاد الديني، والحيوية الشهمة، والنزعة العاطفية البسيطة، في المياه الجليدية للحسابات الأنانية". 

ان الفيسبوك، ناهيكم عن أمازون وغوغل، جعل من الناس موجودات قابلة للاستغلال. وهو ما يشير إلى نوع من "العبقرية".

أمازال ماركس راهناً ؟ عاش في القرن التاسع عشر، وهو عصر يختلف عن عصرنا، على الرغم من أنه بدأت تتشكل فيه الكثير من ملامح مجتمعنا الراهن. وربما تبدأ النظرة إلى راهنية أفكار ماركس في بدايات القرن الحادي والعشرين عبر الفصل بين عناصرها التي عفا عليها الزمن، وتلك القادرة على التطور في الوقت الحاضر. 

في مقابلة مع (بي بي سي) عام 2011 سُئل الناقد الفني البريطاني الكبير جون بيرغر، بلهجة آسرة، لكنها تنطوي على الشك، حول الماركسية وما إذا كانت "ماتزال نافعة اليوم". 

أجاب: "إذا ما نظرنا إلى ما يحدث للعالم، والقرارات التي تتخذ كل يوم، وهي قرارات تتخذ باسم أولوية واحدة، هي الربح المتعاظم أبداً .. فان ماركس لا يبدو، عندئذ، مهجوراً أو عفا عليه الزمن".

وقد كانت مثل هذه المقابلات شائعة. ففي عام 2002 سُئل المؤرخ البريطاني الكبير إريك هوبسباوم، مرة تلو أخرى، من جانب الصحفي البريطاني البارز جيريمي باكسمان عما إذا كان التزامه بالشيوعية وهماً. أجاب، معتداً بكرامته أمام جحود باكسمان المتغطرس: "لم يكن التزامي البؤساء والمضطهَدين وهماً" !  

وأكد بأن ماركس يبقى الناقد الأعظم للرأسمإلىة، فقد رآها نظاماً يستغل الشغيلة، ولا يمكنه تجنب معضلاته المتأصلة المتكررة، وهي سر سقوطه حين ينهض الشغيلة لتحرير أنفسهم من الاستغلال والطغيان. وكانت تحليلات وتوقعات ماركس ثورية، اذ أظهرت أن عالماً بدون رأسمإلىة أمر ممكن، وأن البشر لن يكونوا أحراراً ما لم يتحقق مثل هذا العالم. وربما لهذا السبب ما من مفكر آخر، منذ ولادته قبل 200 عاماً، كان ينبوعاً للالهام، واستحق الاعجاب والشغف والغضب والشك، كما فعل ماركس. وتساءل: مإذا يعني نقد الرأسمإلىة ؟ ، موضحاً بأنه يظل نقد ماركس للرأسمإلىة هاماً في تطور الاقتصادات المعولمة. وينطلق نقد ماركس للرأسمإلىة من نظرته إلى أن الرأسمإلىة تجديد مدهش، لكنها استغلإلىة على نحو لاأخلاقي. ولهذا فان نقد ماركس للرأسمإلىة يهدف إلى تبرير هذه المسألة وتقديم شكل بديل لنظام سياسي واقتصادي. ويتساءل بعض الباحثين الماركسيين عن حق: هل أفلح ماركس في تقديم نقد فعال للرأسمإلىة ؟ أم أن انهيار الاتحاد السوفييتي وتعاظم الرأسمإلىة المعولمة خلقا نهاية الخطاب الرسمي حول الماركسية ؟ أم هل أن أزمة الركود المإلى في السنوات الأخيرة جددت شباب النقد الماركسي للرأسمإلىة ؟ هذه الأسئلة الملحة، وسواها، تتطلب اجابات لكي نتوصل إلى استنتاج حول ما إذا كان النقد الماركسي دقيقاً، ومايزال ينطبق على الرأسمإلىة.

ان نقد ماركس للرأسمإلىة لم يكن فقط ذا تأثير على الفلسفة والاقتصاد، وانما، أيضاً، على العالم المعولم. لقد كان ماركس شخصية تأثرت بالكتاب البارزين في عصره، وخصوصاً فريدريك هيغل. فقد بدأ ماركس كتاباته الأكاديمية بنقد نظرية هيغل في الروح، وواصل نقد فكرة هيغل القاضية بأن الدولة فوق المجتمع المدني. وفي عام 1884 بدأ تطبيق فلسفته على تحليل الحياة الإقتصادية. وكتب ماركس في (مخطوطات باريس) ان "الدين لا يظهر الا في مملكة الوعي، بينما اغتراب الاقتصاد هو اغتراب الحياة الواقعية".

ان سقوط جدار برلين عام 1989 وانهيار الاتحاد السوفييتي في أعقاب ذلك جرى تصويره باعتباره انتصاراً لرأسمالية السوق الحرة. وقد غيّر صعود السياسات الإقتصادية الليبرالية الجديدة في سبعينات القرن الماضي المشهد الإقتصادي والإجتماعي والسياسي الدولي. فالسياسات الإقتصادية النيوليبرالية قد ميزت الوحدة النقدية في أوروبا، والنمو المتواصل لليابان، وبروز كوريا الجنوبية وسنغافورة كقوى اقتصادية. وهذه العوامل أدت بأكاديميين إلى القول بأن "الماركسية ماتت، ولم تعد نظرية قابلة للتطبيق، أو نظرية سياسية تصلح لعصرنا الراهن". فقد جادل فرنسيس فوكوياما في (نهاية التاريخ) بأن "الماركسية أخفقت ... وهي تعزز، على نحو متطرف، شكلاً من أشكال المساواة الإجتماعية على حساب الحرية". وبالنسبة لفوكوياما فان رأسمالية السوق الحرة توفر نقطة التوازن المثالية بين الحرية والمساواة. 

 وأكد الباحث بأن البيان الشيوعي ..  هو ملاذ الثوريين الروحي، حيث يبدو الحال اليوم وكأننا في غمرة مرحلة جديدة من التاريخ، فقد تعاظمت المظالم، وأفلحت أزمة 2007 – 2008 المالية في ايقاظ جديد لمقاربة أكثر انتقادية للاقتصاد، وللمجتمع أيضاً. وتذكرنا الحركات الشعبوية في الولايات المتحدة وبريطانيا وسواهما بأن النخب الإقتصادية الفاعلة، أي البرجوازية، غالباً ما تحتاج إلى استثمار الخوف، والعثور على أكباش فداء، وزيادة الانقسام والكراهية. ان افتراضات ما بعد الحرب العالمية الثانية من أن الأمور ستتحسن، وأن كل ما نحتاجه هو المزيد والمزيد من النمو، وأنه يمكن الثقة بأن دولة الرفاه الحديثة ستعيد توزيع الموارد على نحو عادل، وأننا نستطيع الاعتماد على الأقوياء ليعتنوا بالآخرين، كل هذه الافتراضات تثبت، اليوم، أنها خاطئة.

ومن هنا، فانه من الضروري، في غمرة كل هذه المخاوف، والمعاناة، والقلق، والأمل، أن نعيد قراءة (البيان الشيوعي)، ورؤية ما يمكن أن يمنحنا من بصائر، ويعلمنا من درو، باعتباره وسيلة راهنة لتحليل سمات الرأسمالية، فبعد 170 عاماً على نشر (البيان الشيوعي)، الذي عرف أصلاً باسم (بيان الحزب الشيوعي)، ما يزال كثير من الباحثين والمكافحين يرونه وسيلة راهنة لتحليل سمات الرأسمالية وتحديد طريق تطور الإنسانية، ومنذ نشره ظل (البيان الشيوعي) حتى الآن الوثيقة السياسية الأوسع انتشاراً، وفي الوقت نفسه جرى وصفه منذ زمن بعيد باعتباره "الفجر البهي في التاريخ الروحي للانسانية" و"الملاذ الروحي للشيوعيين".

عندما ينظر المؤرخون إلى التأثير الذي مارسه (رأس المال) على أحداث العالم فانهم يميلون إلى وضعه في سياق يبدأ بـ (نقد فلسفة الحق عند هيغل – 1843) ويتواصل مع (مخطوطات 1848 الإقتصادية والفلسفية)، (الآيديولوجيا الألمانية – 1846)، (البيان الشيوعي – 1848)، (الغروندريسه – 1857)، (موضوعات عن فويرباخ – 1886)، و(رأس المال - الجزء الأول 1867، والجزئين الثاني والثالث – 1893 – 1894). وما تشترك به هذه المؤلفات هو الاعتقاد بأن التاريخ ظاهرة تتحرك إلى أمام، حيث تؤدي كل مرحلة، كما هو متوقع، إلى الأخرى.

وقد ظهرت، في العقود الأخيرة خصوصاً، كتب وأبحاث تدرس انجاز ماركس الأعظم، كتاب (رأس المال)، ولعل من بين أهم هذه الكتب (دليل "رأسمال" ماركس) الذي ألفه ديفيد هارفي، أستاذ الأنثروبولوجيا والجغرافيا في جامعة السيتي بنيويورك، والذي قام بتدريس موضوع (رأس المال) لما يزيد على أربعة عقود. وهذه التجربة شكلت كتابه المهم الصادر عام 2010، وفيه يعالج الجزئين الأول والثاني من (رأس المال). أما كتابه الهام الأخير الموسوم (ماركس، رأس المال، جنون العقل الإقتصادي) فهو دليل موجز للأجزاء الثلاثة من (رأس المال)، وفيه يعالج اللاعقلانية الجوهرية للنظام الرأسمإلى.

ويتعين علينا قراءة كتاب المفكر الماركسي البريطاني المعاصر تيري ايغلتون، الموسوم (لماذا كان ماركس على حق؟)،

يتوسع ايغلتون في ما أورده في كتابه (ماركس والحرية) ــــــ 1997 ليطرح مقدمة هامة للماركسية عبر تفنيد عشر من الملاحظات الإنتقادية الأكثر شيوعاً حول ماركس، وهذه الملاحظات هي:

لم تعد الماركسية ذات صلة بالمجتمعات الغربية الراهنة ما بعد الصناعية والمتحركة اجتماعياً.

الماركسية، عند وضعها موضع التطبيق، تقود إلى الإرهاب والطغيان والقتل الجماعي.

الماركسية جبرية تنكر الفردية والإرادة الحرة للناس.

تقوم الماركسية على طوباوية ساذجة تجعل الطبيعة الإنسانية مثالية. 

الماركسية تختزل كل شيء إلى اقتصاد.

الماركسية مادية مطلقة ورؤية للانسانية مملة وخالية من الروح.

تحمل الماركسية مفاهيم عفا عليها الزمن حول الطبقة في عالم اجتماعي تفقد فيه الطبقة أهميتها شيئاً فشيئاً.

الماركسية تدافع عن الفعل السياسي العنفي على الرغم من دمويته، لأنها ترى في الأخلاقية مجرد آيديولوجيا وأن الغاية تبرر الوسيلة. 

الماركسية تؤمن بالدولة كلية القدرة الاستبدادية والوحشية.

وأخيراً الماركسية لا ترتبط بجميع الحركات الراديكإلىة الأكثر أهمية في العقود الأربعة الماضية. 

وأشار الباحث رضا الظاهر بأن أهم ما أحدثته المئوية الثانية لميلاد ماركس هو إعادة الاعتبار لـ "السيرة". وهذا لا يعني، بالطبع، تجاهل ما صدر من كتب كثيرة حول فكر ماركس ومؤلفاته وتأثيراته ... لكن سيرة حياة ماركس تبقى علامة مميزة ارتباطاً بهذه الذكرى، التي كانت، أيضاً، حافزاً لاعادة اصدار سير قديمة.

ووذكر بأنه تكفينا الإشارة، في هذا السياق، إلى عناوين أبرز السير عن حياة كارل ماركس في العقد الأخير، وقد ألفها باحثون وأخصائيون في الماركسية:

  • (ماركس) للبريطاني تيريل كارفر – 2018
  • (ماركس والماركسية) للبريطاني غريغوري كليز – 2018
  • (عالم نكسبه: حياة وأعمال ماركس) للسويدي سفين- إريك ليدمان – 2018
  • (كارل ماركس: العظمة والوهم) للبريطاني غاريث ستيدمان جونز – 2016
  • (كارل ماركس: حياة في القرن التاسع عشر) للأميركي جوناثان سبيربر – 2013
  • (كارل ماركس: سيرة حياة فكرية) للألماني رولف هوسفيلد – 2012
  • (كارل ماركس: سيرة حياة) للبريطاني ديفيد ماكليلان – 1995، وكان قد أصدر (كارل ماركس: حياته وفكره) عام 1975
  • (ماركس: مقدمة وجيزة جداً) للأسترالي بيتر سنغر – 1980
  • (كارل ماركس: قصة حياته)، وقد أهداها إلى رفيقته، القائدة البارزة في الحركة النسائية العالمية، كلارا زيتكين.

وبعد أن أنهى الباحث محاضرته، تم فتح النقاش لمشاركة الحضور بمداخلات أغنت الموضوع بكثير من الملاحظات الهامة عن حالة الماركسية اليوم، والتحديات التي تواجهها.

وفي ختام الندوة شكر د. ماجد الياسري الحضور على تفاعلهم مع موضوع الندوة، وأشار إلى أن الحلقة الفكرية الرابعة ستكون عن كتاب: (عن الإشتراكية، مسودات لن تكتمل)، سيقدمها مؤلف الكتاب: د. حازم الرفاعي من اليسار المصري.