طريق الشعب

سجل العديد من البلدان العربية ارتفاعا كبيرا في أسعار السلع والخدمات في الآونة الأخيرة، حيث بلغ معدل التضخم 6 في المائة في تونس و30 في المائة في مصر و 35 في المائة في السودان، الأمر الذي أفضى إلى تدهور مستوى المعيشة.

وجاء هذا الارتفاع نتيجة قرارات رسمية تنفيذا لوصفات من صندوق النقد الدولي تتعلق بهبوط سعر صرف العملة الوطنية وارتفاع العبء الضريبي وتقليص حجم الدعم الحكومي.

ولجأت بعض البلدان العربية إلى تخفيض قيمة العملة وبعضها الآخر إلى زيادة العبء الضريبي، لكنها قامت جميعها بتقليص الدعم الحكومي الموجه لتعضيد أسعار السلع والخدمات.

ولا فرق في ذلك بين دولة غنية وأخرى فقيرة، وبين دولة منتجة وأخرى مستوردة للنفط. الفرق الوحيد في حجم التقليص وفي طبيعة السلع والخدمات المشمولة. هذا الوضع ساهم مساهمة فاعلة في التضخم وتردي مستوى معيشة عشرات الملايين من البشر.

ويعود تقليص الدعم إلى ثلاثة أسباب أساسية:

السبب الأول :العجز المالي يحتل الإنفاق العسكري والأمني في جميع الدول العربية المرتبة الأولى في المصروفات العامة. وبسبب تأزم الوضع السياسي يصعب الحد من هذا الإنفاق. وبالنظر إلى تراكم الديون الداخلية والخارجية وما يترتب عليها من هبوط التصنيف الائتماني، لم تجد السلطات المالية بدا من الضغط على نفقاتها غير العسكرية خاصة الدعم الحكومي.

السبب الثاني: رفع الحماية عن المنتجات الوطنية: يعد الدعم الموجه للصناعات المحلية -كتوريد الوقود بأسعار زهيدة- صورة من صور المنافسة التجارية، التي تعتبرها المنظمات والمؤسسات الرأسمالية غير المشروعة، وبالتالي تبنى الاتفاقات المتعددة الأطراف لمنظمة التجارة العالمية على الإدانة لهذه السياسات الوطنية. وتخضع الحكومات عادة لسياسات المراكز الاقتصادية العالمية، وتقوم بإلغاء هذه المساعدات أو تقديم التعويضات للدول المتضررة منها، التزاما منها بهذه السياسات الجائرة. وفي هذا السياق لا يوجد اتفاق عقدته دولة عربية مع الاتحاد الأوروبي بشأن إقامة منطقة تجارة حرة، إلا وركز على ضرورة حذف الدعم.

السبب الثالث: شروط صندوق النقد الدولي تتضمن جميع برامج الإصلاح الهيكلي المبرمة بين بعض الدول العربية والصندوق وكذلك مشاوراته معها ضرورة تقليص ثم إلغاء الدعم. بمعنى أن الحصول على قروض جديدة وكذلك إعادة جدولة الديون القديمة وتقديم المساعدات الفنية، امتيازات مرهونة بحذف التشوهات الاقتصادية بحسب توصيف الصندوق، أي حذف الدعم.

وهكذا التزمت مصر -على سبيل المثال- بإلغاء الدعم الموجه للمواد النفطية بصورة كاملة اعتبارا من حزيران من العام المقبل. وهذا أمر خطير في الظروف الحالية المتسمة بارتفاع أسعار الخام وتدهور سعر صرف الجنيه. كما قلصت الحكومة العراقية مخصصات البطاقة التموينية من 4916 مليار دينار في عام 2013 إلى 1500 مليار دينار في العام الحالي، علما بأن عدد المعوزين العراقيين تضاعف عدة مرات خلال هذه الفترة بسبب الحرب على الإرهاب والصراعات الداخلية المدمرة والمستمرة. وهكذا أصبح الاستهلاك في العراق يعتمد على أسعار السوق، ولا يقتصر على المواد الغذائية لهذه البطاقة بل شمل أيضا الوقود والكهرباء والماء والأدوية. وارتفعت الأسعار فتراجع مستوى المعيشة.

ارتفعت إذن أسعار السلع والخدمات الرئيسة في الدول العربية ارتفاعا كبيرا خلال فترة قصيرة، كما أن الإجراءات التي أدت إلى هذا الارتفاع -سواء كانت نقدية أم ضريبية أم مالية- ترتكز على قرارات حكومية، الأمر الذي يفسر توسع الاحتجاجات الشعبية ضدها والتي اتخذت في أغلب الأحيان بعدا سياسيا.