الشخصية الرئيسة في رواية "جبل الزمرد" هي الخاتم فهو الوعاء أما محتوى الوعاء فهو: فص الزمرد، وثمة وحدات سردية صغرى تؤكد أهمية الخاتم مثبّتة في الصفحات التالية "35- 36 –83- 141- 174- 176-" وظيفة هذه الوحدات استقطاب فطنة القارئ النوعي نحو جهوية واحدة هي : الخاتم. "خاتم زمرد ضائع ".
"*"
أربعة رجال استوقفوا قراءاتي
* الرجل الأخضر العينين
* الرجل الواقف خلف النافذة الصارخ بكلمات حولها الضجيج الى مجرد فحيح
* رجل بجرم هائل اسمه أيليا يعاني انشطارا ذهنيا فيتصور خطوات رجلا آخر يهدده
*الناجي من حجر الضحك
"*"
سيادة تأنيث النص تتوزع بين
* بستان البحر وهي امرأة ذات مهام تاريخية كبرى
* هدير: من خلال قراءتي النص مرتين، أقول هي شابة ذات بعد واحد، لم تنشد قراءتي لها بخلاف شخصية عمتها"شيروت"
* نورسين : والدة زمردة، هي نص مهمل بقصدية أخلاقية" همش أسلافي سيرة نورسين زوجة ملك قاف كأنها وصمة عليهم التخلص منها" ونورسين أجمل مخلوق صادفه ملك جبل قاف/ جبل الزمرد وهي أيضا أثقف امرأة فوالدها العلاّمة أتاح لها مكتبة عامرة بالكتب
* زمردة: شخصية متمردة على نسق الفحولة وهي محور الرواية
* مروج : امرأة ذات وظيفة مزدوجة : تدميرية/ انبعاثيه : فهي التي تسببت في قتل زمردة وهي تدعو الى بعثها من خلال تكرار سرد سيرتها..
"*"
تأفقت حياة بستان البحر بسواد يطاردها "طوال عمري تقريبا عشت مطاردة بأفق أسود يتراءى لي، يهجرني لفترات، ليعود أشد عزما على ملاحقتي! وبستان البحر بشهادتها "أتعامل مع نفسي كأني في مهمة لإنقاذ البشرية / 196" والبشرية بالنسبة لبستان البحر "جماعتي على الأقل " و بستان ليس ذات بطولة مطلقة، في تشغيل السرد، لكن السرد لا يتقدم بلا فاعلية بستان: كما جاء في الصفحة الأولى من الفصل الاول "غبار الطريق".. إذن الأساس هو بستان أما الرئيس في الحدث فهو هدير "أنت مغناطيسنا ياهدير اللي بيشوفك من المنحدرين من قاف هينجذب لك زي حديد بينجذب الى مغناطيس..هيحس إنك مرتبطة بشكل ما بماضيه".. كما أن وجود هدير شرط أساس لاستعادة النسخة الام للمدونة الحكائية، بعدها ستنهض الاميرة من رمادها مثل العنقاء ويعود قاف الى سابق عهده، وهنا سيطوق قاف نفسه بأفعى من مجاز اللغة، بعد أن كانت تطوقه أفعى عمياء لتمنع أهل قاف عن مغادرة عبودية الزمرد
"*"
بستان البحر بشهادتها هي أنها تحمل حملا ثقيلا "يجعل روحها رهينة له" في حين ارتهنت حياة "هدير" بالمشتهى البريء في طفولتها وهو خاتم الزمرد، وحيلة السرد هي تلفيق ضياع الخاتم، وضياع الخاتم هو التالي أما الأول فهو اختلاس هدير خاتم أمها.. أما الثاني فهو الخروج به من البيت الى حديقة بيت جدها، وهذا التلفيق السردي هو الذي يمهد لما هو أهم، لأن اختلاس الخاتم والاحتفاظ به لفترة معينة، في إصبع هدير لا يتسبب بضياعه في حالة تملص الخاتم من أصبعها وتدحرجه إذا بقيت هدير داخل البيت، أما تواجد هدير في حديقة البيت وبتوقيت الليل وبوجود ما هو أكثر متاهة من الليل ومن الغابة والذي أصبح مضرب الأمثال للمستحيل أعني بذلك : القش ومسرح الحدث الأهم: إذ يسقط الخاتم من أصبعها ويغوص في كومة القش! أكرر أن الشخصية الرئيسة هي خاتم الزمرد أما هدير فهي بمثابة ظل بشري للخاتم، ومسارها ومسيرتها الحياتي مطوقة بالجبر التاريخي وبشهادة باغ دريا/ بستان البحر : "ولدِت هدير وهي تعرف ما عليها فعله في الحياة بل وكيف تفعله أيضا"! هذه الشفرة تنتسب الى اللا منطق الحكائي، الذي يرفع هديرا، الى عصر السرديات الكبرى والحتميات التاريخية - بحسب فرانسوا ليوتار –
وكذلك ما سيجري في تلك الليلة وهي في المكسيك مع كريم خان وليس هدير وحدها التي تسأل بل أنا كقارئ أسأل أيضا "ما حكاية بستان البحر؟ وكيف عرفت كل هذا؟" وتزداد حيرتي كقارئ من منتصف الصفحة ذاتها الى الصفحة 151 حيث تتقمص باغ دريا/ بستان البحر شخصية هدير وتكون ضميرها المتكلم "سافرت أمي أمس..." حتى الثلث الثاني من ص150 وبشهادة بستان البحر "هذا الجزء تحديدا صعق هدير، شعرت كأني تسللت الى لاوعيها وقبضت على مشاعر لا تجرؤ على الاعتراف بها حتى لنفسها وصغتها بأسلوب لا تقدر هي عليه، خافت مني وشعرت أنها عارية أمامي. خطر لها أني أقرأ أفكارها وأسخر منها.." وقبل هذا وذاك علينا التوقف عند ما تسرده علينا: بستان البحر، عن هدير "خطر ببالها ما عايشته في مطعم الجبل، تمنّت لو أن حياتها تمضي هكذا لو أنها تسبح في فضاء من تلال زمردية، وسحب بيضاء، وعوالم عجائبية، شملتها سكينة انتشلتها من محيطها. قررت لحظتها، البحث عني" هذا السرد لا يتوقف عند السطح أو السرد السياحي، هذا سرد ينتسب للسارد العليم.. ويمكننا معالجة هذا الإشكال حين أستعين بقراءتي الثانية للرواية. وأتوقف عميقا عند الفصل المعنون" وحدها في مدينة صاخبة".. في هذا الفصل تكون بستان البحر، بوظيفة سارد عليم وتخبرنا كيف "أضاعت هدير زمردة في طفولتها"، ثم تنتقل الى هدير في الجامعة وهي" في الحادية والعشرين من عمرها سارت وحيدة، تسحب حقيبة مكتظة بملابسها" للسكن عند جدتها، لوالدها. وتدخل بستان البحر مكتبة الجدة ليس ميدانيا بل كساردة عليمة فتخبرنا "تمتلك جدتها مكتبة عامرة بكتب تتناول حقولا معرفية شتى".
ثم تختصر الساردة راهنية هدير اجتماعيا "شعرت أنها مهجورة من الآن فصاعدا: والدها في دبي مع زوجته الثانية، وأمها في تورنتو مع زوجها الجديد".
وحدها شيروت قنديل جدتها لأبيها تراها قوية وجميلة وما عليها إلا رؤية هذا الجمال، والتصالح مع هذه القوة وعدم التنكر لها وحدها الجدة تراها "صلبة كالماس، جميلة كالوردة، وناعمة كالطيف"، وهدير كيف ستقوم بإيقاظ فاعلية تسميتها و"الشرود سمة أساسية عندها" بشهادة كريم خان!
"*"
ترى قراءتي المنتجة أن القش ضرب من مجاز البلاغة أكثر مما هو ملموس ميداني ريفي، ومن باب إساءة التأويل أن القش هو متاهة السرد المتضافر بين الواقعي والسحري في نسيج الزمرد الروائي.. من كل هذه الموتيفات المتعاضدة سينهض الزمرد مسرودا روائيا.
"*"
من خطين متوازيين سرديا، يكون حراك الرواية
* خط أفقي يشتغل في قاهرة 2011
* خط عمودي يشتغل على ذاكرة الأسطورة والتاريخ
وبشهادة كاهنة الأبيض والأسود التي اسمها "بستان البحر"، "في العام الحادي عشر من الألفية الثالثة، وفي شقتي المطلة على نيل الزمالك أنكفئ على التدوين بلا كلل عالم قديم ينهار في الخارج، وأنا مشدودة الى كلمات مراوغة، تمر بذهني مشاهد من أزمان مختلفة، أقتنص بعضها ويتملص مني البعض الآخر. أراني طفلة فوق جبال الديلم في ستينات القرن العشرين" وسيقوم الأب بشحن ابنته بمسرودات ورقوق ومدونات "من دهاليز التاريخ الغابر" وعند بلوغها الثامنة عشر، ستبدأ رحلتها المعرفية وحدها، تبدأ رحلتها بغابة الرأسمال المعولم نيويورك وتنتهي في قاهرة المعز لدين الله .."بستان البحر" وبشهادتها" لن يتمكن أحد من اكتناه ما أخبئه ولا ما أقدر عليه، كما لن يكون على علم بخفايا الوقائع التي جرت قبل قرون، ولها نذرت حياتي، لذا عليّ أن أكون الكاتبة، أو بالأحرى الحكّاءة المنوط بها ملء ثغرات الحكاية وضم أجزائها معا" وشهادة بستان البحر تكشف عن أفق التاريخي في الراهن، وتظهر وظيفتها كمنتجة النص داخل نص الرواية.. نعم هي جامعة للنص والموثقة لها والموفقة بين أجزائه وبشهادتها أيضا "حكاية لستُ بطلتها، لكنها لن تكون من دوني" وهكذا تكون مسؤولية بستان البحر: هي الخارج الذي يصون الداخل النصي ويحصنّه. وجبل الزمرد/ جبل قاف: هو نص الذات/ العالم وهو "الحكمة المؤدية إلى فهم الذات ومن ثم فهم العالم" نلاحظ أن مشروطية الفهم تبدأ بقراءة الذات لذاتيتها فهذا القراءة هي مشروطية قراءة العالم "فأنغمس أكثر في ذاتي وأجاهد حتى لا أنفصل عمّا حولي" وفهم الفهم لا يتم بلا شطب ومحو وتدوين وتدوير التدوين نفسه بصياغات عديدة وهكذا تتكشف للذات قدراتها البريئة مثل طفل "يشيّد قلاعا ً ثم يهدمها احتفاءً بقدرته على الخلق والتبديد معا".
"*"
النص الملعون مثل الباب الملعون/ المحرّم فتحه في القصر، كلاهما المغلق الشهي الذي يستفز النفس على المغامرة لاكتشاف المضنون به على غير أهله. القارئ سيكتشف أن جبل الزمرد هو الاسم التالي أو العنوان الجمالي، أما الاسم الأول فهو جبل قاف. و "ق" من النجوم الزاهرة في مجرة القرآن الكريم وحروفيا "قاف هو الحرف القابض على سر وجودنا والمُلم به كمحارة تحتضن لؤلؤة.." وبشهادة نورسين في إصغائها لأبيها، لا ينتسب قاف للأمكنة، قدر انتسابه للجوهر الفرد البعيد المنال "ليس مكانا حقيقيا، إنما جوهر الحقيقة صعبة المنال ".
وهذا التعريف يتسق مع منظومة المعارف التي تنضّدها سرديات باغ دريا/ بستان البحر فكل المفقودات يجري من أجلها: حراثة المفاهيم والتعاليم والتواريخ لاستعادتها فلما خطف الملك ياقوت نورسين. بدأ العلاّمة والدها بالميداني" لم يترك والدها مكانا في جولستان وما جاورها إلاّ وبحث عنها فيه" ثم انتقلت الى البحث المعرفي "عكف على الغوص بين مجلدات مكتبته، عله يجد فيها تفسيراً يقبله عقله.."
الزمرد هنا يتحول من ملكوت الى منفى شرس بالنسبة للعامة، فهو يبعد عن كوكب الأرض بعدة سنوات بشهادة الملك ياقوت وهو سجن انفرادي مفخخ، بشهادة الوصيفات "ملكة الحيات تلتف حول هيكله كأنما تعتصره؟ حية لامثيل لها تحميه من تطفل أي مخلوق، كما تمنع سكانه من مغادرته وتبقيهم أسرى سجن من زمرد ثمين" وكبير الحكماء تفزعه رغبة نورسين بالتخلص من الحيّة فهو يرى أن الحية:
* تحميه
* تحفظه
* تلتف كأم حنون
ويرى كبير الحكماء" أن عزلة قاف قدرية ولا دخل لمخلوق فيها" إذن هي جبر لا فكاك منه حتى قيام الساعة!

عرض مقالات: