
الفصول الأربعة هي: ثقافة.. فن.. اقتصاد.. سياسة ، هذا هو التصنيف الذي كان يقصده ضيف المقهى د. علي العبيدي في حديثه عن مسارات السينما العراقية منذ بدايات عروضها الأولى إلى محاولاتها الإنتاجية المتباعدة زمنيا، المتعثرة تقنيا وابداعيا، للعديد من منجزها، أحيانا كثيرة ، المرتقية أحيانا قليلة إلى مصافات النجاح لكن بخطوات متوجسة خجولة ، إضافة إلى انتباه السلطات إلى إمكاناتها الدعائية والتوعوية مما دعا تلك السلطات الدكتاتورية المتعاقبة على حكم البلاد والعباد إلى استثمارها في كيل المديح لنظمها ورموزها وذلك بتشويه التاريخ ومجافاة الحقيقة في آن واحد وبإسلوب فج .. ووصول مساراتها إلى خواتيم بأن تتوقف عجلتها وتنقطع عن جمهورها، تجلى ذلك في ان تغلق وتُهجر دور العرض وتتحول إلى مخازن للبضائع.
كل هذه العناوين وغيرها طرحتها أمسية المقهى الثقافي على بساط البحث. وبذا يواصل المقهى الثقافي في لندن تقديم موضوعات تجدر اثارتها بما يؤكد وجوب مغادرة المسكوت عنه في عدة حقول ثقافية أجدبت في الساحة العراقية وابتعدت عن جمهورها وتحولت إلى ان تسوقها الإدارات الرسمية كبضاعة، بمهرجانات تأخذ منها إسمها وهي منها براء، ولم تك تلك الاعراس المفتعلة سوى فقاعات تمارسها نخبة بزهو فارغ، سرعان ما تختفي حالما تنفجر بالوناتها المملؤة بهواء فاسد يتبعثر في فضاءات ملبدة بغمامات سوداء ما تلبث حتى يلفها النسيان دون ان تضيف شيئا، بمعزل عن شعب لا يرى فيها الا قبض ريح.
الأمسية أقيمت مساء الجمعة ٢٨ تشرين الثاني / نوفمبر ٢٠٢٥ وابتدأها مديرها الممثل والمخرج السينمائي جمال أمين بعد تحيته للحضور قائلا:" سعداء جدا بهذا الحضور الجميل والكبير فقد عودنا المقهى على مثل هذا الجمهور الراقي في هذه الأمسية التي تكون آخر أمسية لموسم عام ٢٠٢٥ وستكون الأمسية التي بعدها في مطلع العام القادم.. وختامها مسك والسينما هي المسك لأنها الفن الجميل الكبير والمهم والملهم”. وأشار الفنان أمين بمفتتحه لعنوان الأمسية إلى ان السينما في العراق كانت قد بدأت بالإعتماد على القطاع الخاص بإمكانات متواضعة، وعلى الرغم من وجود مؤسسة حكومية تعني بشؤونها لكن انتاجها ضئيل جدا قياسا على ما ينبغي ان تأخذه على عاتقها بالبرمجة الجادة في ديمومة انتاجها لأفلام كثيرة تعمل وفق خطط واستراتيجيات مثمرة.
وبتعريفه للضيف استعرض السينمائي جمال أمين بإيجاز سيرة زميله د. العبيدي وذكر انه:" مخرج وسيناريست وممثل وكان لي الشرف ان أمثل معه في عام ١٩٧٧ في فيلم (بيوت في ذلك الزقاق) حينما كنت حينها شابا يافعا.. ضيف أمسيتنا مقيم بالسويد ولد في العام ١٩٤٦. خريج اكاديمية الفنون الجميلة قسم الفنون المسرحية عام ١٩٧٣وخريج دورة السينما الأولى في دائرة السينما والمسرح (عملي ونظري) عام ١٩٧٤.. عمل مساعدا للمخرج محمد شكري جميل في فيلمي: (ايام النضال) و(السلاح الأسود) الذي الغي إنتاجه. أخرج الأفلام الوثائقية: (الريف الجديد) و(منجزات ومغامرات) لنقابة الفنانين وفيلم (المرأة في الجيش) وفيلم (المغتربون العرب). خريج دورة السينما في تلفزيون وارشو ١٩٧٨ وعمل مساعدا للمخرج البولوني فايده في فيلمه المعروف (الرجل الحديدي). التحق بالبعثة الدراسية لنيل شهادتي الماجستير والدكتوراه من سنة١٩٨٠ إلى ١٩٨٨.. في فترة سبعينات وثمانينيات القرن الماضي عمل مساعدا للمخرج فيصل الياسري في فيلمي (الرأس) و(القناص) وممثلا مع المخرج قاسم حول في فيلم (بيوت في ذلك الزقاق). وفي عام ٢٠١٣ عمل ايضا مع المخرج قاسم حول في فيلم (بغداد خارج بغداد). عمل رئيسا لقسم التصوير في دائرة السينما والمسرح وعضوا في لجنة السينما في نقابة الفنانين وعضوا في لجنة السيناريو ورئيسا للجنة الرقابة على الأفلام المستوردة في وزارة الثقافة والاعلام ورئيسا لنادي السينما العراقي ورئيسا لمركز الشرق الأوسط للثقافة والفنون (السويد). أخرج في السويد فيلم (مهرجان مدينة وفو) وهذا فيلم سويدي من إنتاج مركز الشرق الأوسط.... أشرف على وناقش رسائل ماجستير. غادر العراق عام ١٩٩٣ إلى اوربا ثم سافر إلى ليبيا وعمل فيها أستاذا في كلية الفنون والاعلام ورئيسا لشعبة السينما من ١٩٩٤ حتى ٢٠٠٢.. وفي سنة٢٠٠٤ عمل أستاذا لمادة التصوير في فولك يونغرستة. بعد سقوط النظام عاد للعراق سنة٢٠٠٩ ورجع للخدمة كمفصول سياسي إلى سنة٢٠١٤ حيث تمت احالته على التقاعد".
وأضاف الفنان أمين إلى سيرة الضيف انه عمل سنة ١٩٧٨ كمساعد مخرج في فيلم (التجربة) للمخرج المصري فؤاد التهامي.. كما كتب سيناريو فيلم (ويقتلون الطيور) اخراج طالب جميل الذي عرض في مهرجان افلام وبرامج فلسطين في بغداد.. وقال انه دخل تلفزيون بغداد سنة ١٩٥٧ممثلا في برامج الاطفال بتمثيلية (معن بن زائدة) وكان بطلها أخرجها ناظم الصفار.
- " الحديث عن السينما في العراق قد يطول، بالواقع ليس لدينا سينما عراقية، بل عندنا أفلام عراقية جرى إنتاجها على فترات متباعدة.. اما عن العروض السينمائية فقد ابتدأت حين جرى العرض الأول عام ١٩٠٩لمجموعة أفلام وثائقية.. ولكن بعد مضي زمن طويل فكر البعض بعمل أفلام عراقية تشابه ما تنتجه السينما المصرية حيث كانت القاهرة آنذاك تعتبر هولييود الشرق وهؤلاء بالأساس كانوا من الهواة لكنها كانت مجرد محاولات بائسة، قسم من أفلام البدايات كان انتاجها مشتركا مع مصر.. اما الفيلم العراقي البحت كان بعنوان (فتنة وحسن) كان جميع من عمل فيه المؤلف والمخرج والمنتج والمونتير والممثلون جميعهم عراقيون وحقق هذا الفيلم نجاحا نسبيا شجع هواة غيرهم لدخول معترك انتاج أفلام أخرى لكنها لم ترق حتى إلى مستوى هذا الفيلم، وذلك بسبب غياب تخصصهم وعدم معرفتهم بتقنيات هذا الفن علاوة على افتقادهم لأجهزة التصوير الحديثة ومعدات الفيلم التقنية الجيدة الأخرى.. وبذا دخل الإنتاج السينمائي فترة ركود أخرى".
بهذا المدخل بدأ الضيف الفنان د. علي العبيدي حديثه عن السينما العراقية وأشار إلى انه بالرغم من إنشاء أول ستوديو سينمائي بالعراق (ستوديو بغداد للأفلام) حيث استطاع ان يوفر بعض المستلزمات الإنتاجية الأولية الا انه لم يستطع ان يساعد أولئك العاملين الذين تصدوا لعمل الأفلام. ولضعف درايتهم بتقنيات صناعة الفيلم وعناصره الفنية جاءت أفلامهم لا يعتد بها. وأضاف العبيدي:" ان تناولي لمسيرة الإنتاج السينمائي في العراق قسمتها إلى فصول لكي أبين ان تتابع تلك الفصول هي التي أثمرت بظهور بعض الأفلام وأود ان تشاهدون مشاهد من اول فيلم وثائقي عرض بالعراق ".
وهنا عرض في الأمسية مشاهد من فيلم (بغداد خارج بغداد) للمخرج قاسم حول كان المشهد الأول في مقهى بغدادي يدخل الشاعر معروف الرصافي لينضم إلى مجموعة من بينهم الشاعر جميل صدقي الزهاوي الذي يبادر الرصافي بالسؤال عما كتبته الصحف هذا اليوم من أخبار فيجيبه:
- " اليوم يوجد خبر عجيب.. إسمع (يقرأ) يبتدأ اول تمثيل بالسينماتوغراف في يوم الثلاثاء مساءً في البستان الملاحق للعباخانة ، وهذا التمثيل يكون بالأشكال اللطيفة التهذيبية المبهجة الآتية : (صيد الفهد) ( الرجل الصناعي ) ( بحر هائج) ( التفتيش عن اللؤلؤة السوداء ) (سباق مناطيد) ( طيور مفترسة في أوكارها) (خطوط حية متحركة) ( تشييع جنازة إدوارد السابع ملك إنكلترا)، وهو مشهد نفيس، هذه البرامج تغير كل يوم جمعة ورسم الدخول في الصفوف الأخيرة ٨ قروش اما الصفوف الأمامية فرسم الدخول اليها هو ٤ قروش ".ويأخذ موضوع أجور العرض النقاش بين الوالي التركي حسين ناظم باشا والشاعر الزهاوي كيف السعر الأقل لمن يجلس في الصفوف الامامية والذي في الصفوف الخلفية يدفع الأجر الأغلى ، وهم بهذا يقارنون العرض السينمائي بالمسرحي ، ونشاهد في المشهد الثاني كيف ترك علية القوم مقاعدهم في الصفوف الأمامية وينتقلون إلى الخلف بعد ان تؤلمهم رقبتهم ، ويشاهدون ، ونحن معهم ، لقطات حية من تشييع ادوارد السابع .
بعد ذلك طرح الضيف ما يلعبه العامل الاقتصادي في الفيلم حيث انه بالإضافة كونه فناً فهو في نفس الوقت صناعة وإقتصاد يتطلب أموالا طائلة توفر لإنتاجه كاميرات بنوعية جيدة وتسمح بأن يتم التعاقد مع كاتب جيد ومخرج مقتدر وممثلين وفنيين بمستوى عالٍ. وذكر ان كثير ممن صنع أفلاما عراقية توهموا بأنهم بميزانيات قليلة يستطيعون تحقيق احلامهم لكنهم علاوة على انهم أنتجوا سينما أدنى من المستوى الذي كانوا يطمحون اليه فانهم خسروا أموالهم الشحيحة ولم تأت افلامهم بمردود يعوضهم مما اضطر العديد منهم مغادرة هذا الحقل بعد التجربة الأولى. وهذا فصل آخر من حياتهم. لكنه ذكر ان البعض منهم صاروا يتجمعون تفاديا للخسارة الفردية فمثلا مجموعة منهم أسست شركة هي (سومر للإنتاج السينمائي) متشجعة بعدما عاد شاب تخرج من الولايات المتحدة وعنده تخصص اكاديمي بالإخراج السينمائي هو عبد الجبار ولي وكان متحمسا ليقدم شيئا للسينما العراقية تملؤه ثقة نجاحه خلال سني دراسته بالخارج حيث اخرج عدة أفلام دراسية نالت استحسان اساتذته وزملاؤه الطلاب فأختار قصة للكاتب العراقي أدمون صبري وباشر بالعمل على فيلم (من المسؤول) واسند بطولته لممثلين متمكنين منهم كاظم المبارك ، ناهدة الرماح ، سامي عبد الحميد ، خليل شوقي وغيرهم اما المصور فكان هنديا وهو مستر ديفشا رشحته للشركة نقابة السينمائيين في بومبي لخبرته الجيدة من خلال تصويره لخمسة وأربعين فيلما هنديا ولهذه الإمكانيات التي توفرت لهذا الفيلم جعلته ان يظهر بشكل شبه متكامل فنجح الفيلم مما حدا بشركة عراقية أخرى ان تبادر لإنتاج فيلم آخر هو (سعيد أفندي) الذي اصبح علامة مميزة بالسينما العراقية حيث أخرجه كاميران حسني الذي هو الآخر انهى دراسته للسينما في أمريكا واختار قصة قصيرة بعنوان ( شجار) لأدمون صبري أيضا وكتب السيناريو الحوار له يوسف العاني ومثل أيضا بطولته إلى جانب الفنانة الرائعة زينب وعبدالواحد طه وجعفر السعدي وسوسن حسني وعمد مخرجه كاميران إلى تصوير مشاهده خارج الاستوديو في ازقة واحياء وبيوت بغداد القديمة (محلة الحيدرخانة) مستفيدا من تجربة الواقعية الإيطالية الجديدة وكان ذلك في العام ١٩٥٧.. واعتبر د. العبيدي هذا الفيلم من أفضل الأفلام السينمائية العراقية في تلك الفترة ولاقى صدى إيجابي واسع من الجمهور او من أوساط المثقفين وهنا أضاف الفنان جمال أمين ان هذا الفيلم: " أجرت عليه أخيرا احدى المؤسسات الفرنسية المتخصصة إعادة ترميم على نسخة النيغاتيف وطبعه بنسخة محسنة وتم عرضه في مهرجان كان الأخير ضمن تظاهرة (أفلام كلاسيكية) وكانت مشاركة متميزة للعراق عالميا وبعدها عرض في مهرجان القاهرة ومهرجان بغداد وسيعرض فيما بعد في مهرجان مراكش".
ثم تطرق الضيف إلى تأسيس مصلحة السينما والمسرح بعد ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ والتي اخذت على عاتقها انتاج أفلام وثائقية عمل فيها السينمائيون الذين كانوا يعملون في شركة نفط العراق البريطانية من بينهم المخرج محمد شكري جميل وبعد سنوات من تأسيسها انتجت هذه المؤسسة فيلم روائي قصير (الجابي) من اخراج جعفر علي ورغم نجاحه لكنه هو الآخر كان انتاجه بميزانية متواضعة.. لكن الفنان العبيدي أكد ان هذه المؤسسة بعد السبعينيات انتبهت إلى تخصيص ميزانيات مناسبة لتنتج أفلاما.. وهنا اكد على انتباه الحكومة إلى الجانب الاقتصادي لهذا الفن فدمجت بهذه المؤسسة التلفزيون والإذاعة وارادت بهذا التمهيد لأن تستخدم السينما وتسخرها لنشر أيدولوجيتها لكن بشكل تدريجي .واشار إلى ان اول نتاجات هذه الحقبة اختيار رواية للكاتب عبد الجبار المطلبي ( الظامئون) تحكي قصة فلاحين يعانون من شح المياه أسندت إخراجها لمحمد شكري وتمثيلها لمجموعة من ابرز الممثلين العراقيين وادى نجاح هذا الفيلم إلى ان تتجه السلطة لئن تزيد من ميزانيات السينما فقد وجدت فيها مجالا خصبا في تسويق أفكارها واغراقها بالدعاية (البروباغاندا) لرموزها ففي عام ١٩٧٦حيث عاد المخرج فيصل الياسري للعراق واستطاع ان يستخرج من ملفات الأمن قصة سرقة رأس تمثال أثري للملك سنطروق ، وقال الفنان العبيدي انه كان احد مساعديه في فيلم (الرأس) ونجح هذا الفيلم جماهيريا وهو لم تكن لقصته علاقة مباشرة بالسياسة انما مجرد حكاية بوليسية لملاحقة لصوص القطع الآثارية .. وذكر انه في نفس الوقت كتب جاسم المطير روايته ( العمل الرأسمالي في البيوت) حولها إلى السينما وكتب لها السيناريو المخرج قاسم حول واطلق على فيلمه عنوان (بيوت في ذلك الزقاق) وحصل على إجازة فحص النصوص ونفذ السيناريو بحذافيره لكن اثناء العمل كانت هناك وشايات تنقل للمؤسسة الحكومية المنتجة مفادها ان الفيلم يطرح نضالات الحزب الشيوعي العراقي ولأن الإنتاج بلغ مراحله النهائية فكان القرار الرسمي التدخل بإحداث الفيلم وحتى بإختيار الممثلين وطرحوا على المخرج سحب أدوار الممثلين الشيوعيين وابدالهم بممثلين بعثيين واسند لهم الشخصيات الإيجابية اما الآخرون فليلعبوا الأدوار السلبية .. أوضح المخرج انه وزع الأدوار على الممثلين كل حسب صلاحيته لاداء الشخصية وليس على أساس معتقداتهم وأصر على الاستمرار بالعمل كما مرسوم له لكنه عمل وسط ضغط وحصار فأنجز الفيلم بظروف بالغة الصعوبة وغادر العراق هربا.. لكنهم عمدوا إلى اسناد تصوير بعض المشاهد إلى مخرج آخر بعد تغيير فكرة الفيلم وتشويهها. وبعد ان انتهى د. العبيدي من تقديم شهادته عن تلك الممارسة الفظة من شرطة الثقافة آنذاك كونه كان ممثلا في ذلك الفيلم دعا زميله الفنان جمال أمين ليتكلم بالتفصيل لأنه هو الآخر كان ممثلا في نفس الفيلم والذي تحدث بما يلي:" طبعا فيلم (ذلك الزقاق) فتح امامي آفاقا واسعة.. كنت في السابعة عشر من عمري وبعد سلسلة اختبارات اجراها معي المخرج أختارني من بين حوالي ١١٠ من طلاب الاكاديمية والمعهد وأسند لي الدور وقال لي :" انت بطل الفيلم " وللتوضيح فالمعلومة عما جرى انه بعد انتهاء مونتاج الفيلم يقال شاهده طارق عزيز وقرر حذف مجموعة من المشاهد ومن مشاهدي فقط تم حذف ١٣ مشهدا لأني كنت العب الشخصية المحورية فيجب تعديل مسارها لتتلائم مع التغييرات التي يريدونها واهم مشهد حذفوه هو مشهد اغتيال شخصية الصحفي (لعبها نزار السامرائي) وكان الحدث انه بعد نكسة ٦٧ يلتقي شباب في بار بالصالحية ويتكلمون عن أسباب النكسة .. آسف دكتور لابد من التوضيح لأن هذا الفيلم تكلموا عنه كثيرا.. يخرج هؤلاء الشباب من البار ويسيرون في ازقة بغداد إلى ان يصلون إلى نصب الحرية حيث يرفع الصحفي رأسه ويصرخ بأعلى صوته مناديا:" جواد سليم.. أين انت ؟!" في هذا التوقيت يهرع رجل الأمن بعد أن يترجل من سيارة (فولكس واغن – وهي معروفة ان رجال الآمن كانوا يستخدمونها في مطاردات واعتقالات واغتيالات المعارضين وقتذاك) ويخرج مسدسه مصوبا إياه لصدر الصحفي فيرديه قتيلا ويستدير راجعا إلى السيارة تاركا ضحيته مضرجا بدمه تحت نصب الحرية.. كان هذا أجمل مشاهد الفيلم وأكثرها تعبيرا ويدين النظام وعلى هذا الأساس قرروا الغاءه وكلفوا محمد شكري جميل ليخرج مشهدا بديلا، لأن قاسم حول غادر العراق، فغيرَّ المخرج البديل مكان المشهد من ساحة التحرير (لتجريده من رمزيته) إلى منطقة القشلة وصوروا مشهد القتل وكان تنفيذا باهتا جدا ".
هنا انتبهت المؤسسة إلى أهمية السينما فوفرت لها الميزانيات الطائلة وكان أي سيناريو يتلاءم مع توجهات النظام ويروج له يوافقون على انتاجه. وطرح الضيف في حديثه عن تفاصيل الفصلين الاقتصادي والسياسي في السينما العراقية فقال انه كان يجري في السنة الواحدة تصوير أربعة أيام في آن واحد، مثلا عملوا فيلما عن رأس النظام (الأيام الطويلة) وعند الحرب انتجت أفلام كثيرة تمجدها، وفي هذا السياق سخروا إمكانات هائلة لفيلم (القادسية) وعنه ذكر الفنان العبيدي:" كنا في مرحلة التصوير في الحبانية حيث بنيت ديكورات الفيلم.. جاء نائب رئيس النظام عزت الدوري لساحة التصوير سأل عن مضمون المشهد الذي يصور في ذلك اليوم فقدموا له شرحا فغضب معترضا وقال كيف تقدمون شخصية امرأة فارسية تتعاطف مع العراق ومخلصة للحرب وأمر بتغيير المشهد واحاطوه علما ان الشخصية تمثلها سعاد حسني وهي تدربت على هذا المشهد وأي تغيير يتطلب صرف أجور أخرى لها ولبقية الطاقم وهذا مكلف قال لهم ان الصرف مفتوح.. وهذا التدخل السافر كان وراءه صاحب الرأسمال إضافة للسلطة وهي المفسدة بعينها ".واضاف في هذا المجال :" بعد الانتهاء من فيلم (القادسية) بدأ النظام يفكر بإنتاج فيلم عن ثورة العشرين التي ليس هناك عراقيا لا يعرف انها اندلعت في الرميثة ومعروف من قادها وقالوا اننا نريد ان نركز على مشاركة الشيخ ضاري ومحاكمته فقدم الراحل خليل شوقي سيناريو بعنوان (المحاكمة)حاول من خلاله ان يستعرض وقائع الثورة لكن وضعوا عراقيل امامه بل أوقفوا العمل به واستعاضوا عنه بسيناريو جديد عنوانه ( السلاح الأسود) وهو أيضا يتناول ثورة العشرين والسلاح الأسود هو (المكوار – سلاح الفلاح المتكون من عصا وبرأسها كرة من القار الأسود) كنت اعمل به مساعدا لمخرجه محمد شكري وانجزنا احدى عشر مشهدا واستلمنا أمرا بوقف التصوير مما آثار هذا القرار استغرابنا فالسيناريو اجازوه ورصدوا ميزانية الفيلم ثم ألغوا انتاج الفيلم . وبجهد شخصي حاولت معرفة سبب اتخاذ مثل هذا القرار وبصعوبة عرفت انهم اعتبروا السيناريو يمجد ناس شيوعيين والغريب في وقت ثورة العشرين لم يتأسس بعد الحزب الشيوعي.. شيء غريب حقا.. وهذه كانت مقدمات انتاج فيلم (المسألة الكبرى) ومعروف المسار الذي طرحه وما وفروا له من الإمكانات الكبيرة فاستقدموا ممثلين أجانب وحققوا الجانب الذي أرادوا تناوله عن تلك الثورة خلافا لحقيقتها المعروفة للجميع ".
استطاعت هذه الأمسية ان تنقل فعلا الفصول المتعددة في سياقات الإنتاج السينمائي العراقي وماهي الظروف التي حالت دون وجود سينما عراقية منشودة كان يمكن ان تكون سينما متقدمة لبلد فيه اختصاصين وكادر بشري كبير في كل مجالاتها إضافة إلى ان هناك الإمكانات المادية الكبيرة لبلد يسبح على بحيرة من النفط.. وتقترح هذه التغطية على قرائنا الكرام مشاهدة التوثيق التلفزيوني للأمسية على اليوتيوب لاحتوائها على مشاهد من العديد من تلك الأفلام التي جاءت على ذكرها واليكم الرابط التالي متمنين مشاهدة ممتعة ومفيدة:
![]() |
![]() |
![]() |










