
رواية (وليدة القبر)للروائي زكي الديراوي
تَنطلقُ الروايةُ ببنيةٍ سرديةٍ مدروسةٍ لا تُعطي صوتاً واحداً سلطة السرد المطلقة. يبدأ النص بصوت أم مسلم، التي تُؤدي دور الوصي على الذاكرة الجماعية والناقل الأول للحكايات. من الصفحة الأولى وحتى الصفحة الثامنة والعشرين، تُوجه الأم ولدها مسلم لنسيان مآسي الحرب، وفي الوقت ذاته تُمهد لزيارة (الكطعة) ،أرض الأجداد في قضاء أبي الخصيب . وتُلقي بذور القصة الغامضة التي ستُسيطر على العمل: حكاية الفتاة زعفران التي ماتت ثم عادت للحياة. هذا الصوت الأمومي يضع إطاراً زمنياً وعاطفياً للرحلة.
بعد ذلك، يتحول السرد إلى صوت مسلم الابن، السارد المراقب، الذي يصف الواقع المحسوس عبر وعيه الحديث. من خلال عينيه، نتعرف بدقة على الطريق المعقدة باتجاه القرية، ووصفه الدقيق (لشارع الثعبان الأسود الملتوي، والباص الخشبي الوحيد بقيادة أبي عدنان) يمزج بين الحاضر والذكريات المستعادة على لسان أمه، مما يُنشئ تداخلاً زمنياً بديعاً يُعزز العلاقة بين الجيلين.
يبلغ تعدد الأصوات ذروته بوصول زعفران الابنة )السارد الثالث) إلى المشهد في الصفحة الثلاثين. إن دخولها نقطة تحول بنيوية في الرواية؛ إذ تتسلم زعفران دفة السرد عبر
قراءة (مخطوطة والدها المتوفي).هنا، يتحول السرد من ذاكرة الشخوص إلى سرد مكتوب ومُوثق، مما يُضفي على قصة العشق المأساوية بين مرجان وزعفران الأم مصداقية (الوثيقة)، ويمنح الأحداث التاريخية للرواية (العلاقة المحرمة، القتل، نبش القبر وسر الولادة الغريبة) عمقاً درامياً يستمر حتى نهاية الرواية.
الوصف في رواية (وليدة القبر) عنصر فاعل يُشارك في بناء الجو العام والشحنة العاطفية للعمل. لقد وظف الديراوي الوصف بدقة متناهية، خاصةً في رسم جغرافية المنطقة.
فالروايةُ تصطحبُ القارئ في جولةٍ سياحيةٍ تُحولُ السارِد.. إلى دليلٍ سياحي مُتمكنٍ.. ينبشُ ذاكرةَ الأنهارِ والأماكنِ، مستحضراً الحكاياتِ التي انبثقت منها أسماءُ تلك المعالم.. هذا الوصف الدقيق يهدف لتحقيق هدفين رئيسيين:
1- تأصيل الحدث، عبر ترسيخ القصة ضمن بيئة عراقية جنوبية محددة ونابضة بالحياة (قضاء أبي الخصيب)، تتحول المأساة الفردية (قصة زعفران الأم) إلى جزء من تاريخ المكان وذاكرته الجماعية.
2- خلق التناقض الدرامي، يُمثل الجمال الطبيعي الهادئ الموصوف بدقة (النخيل، الأنهار، الاشجار، البيوت) خلفية.. للتناقض مع فظاعة الجريمة التي حدثت (القتل والدفن ثم النبش المروع).
تُوجِزُ الروايةُ براعةَ البناءِ بتلك النهاية المُدهشة التي تُحقق اجتماع زعفران الابنة بأهل أمها بعد طول غياب وغربة. هذا الاجتماع، الذي يأتي بعد رحلة سردية معقدة عبر تعدد الأصوات وثراء الوصف.
إن رواية (وليدة القبر) بتبادل أصوات ساردها وتفوقها الوصفي، تُثبت أن زكي الديراوي روائي يُجيد تحويل المادة الحكائية الشعبية إلى بناء فني مُحكم.
................
مشاركتي في أمسية الاحتفاء بالروائي زكي الديراوي وروايته ( وليدة القبر) التي أقامتها مؤسسة أقلام الريادة الثقافية بالتعاون مع اتحاد الأدباء والكتّاب في البصرة، السبت/ 22/ تشرين الثاني/ 2025
أدار الجلسة، الدكتور محمد جواد البدران، مقدماً كوكبة من الأديبات والنقاد الذين تناولوا الرواية بتحليلٍ وافٍ:
1- بلقيس خالد
2- الناقد مقداد مسعود
3- القاصة ازهار عيسى محسن
4- الناقد عبد الكريم حمزة
5- الشاعرة باسمة الحسن
6- الشيخ محمد الحسان
7- الروائية الدكتورة شيماء ثائر
8- القاص كاظم صابر
9- القاصة مروة محمد
10- الفنان طارق الياسري/ محافظة كربلاء.
وفي الختام تم تقديم الهدايا والشهادات التقديرية من مجموعة من المؤسسات الثقافية، تأكيداً على التكاتف الثقافي في البصرة،
1- مؤسسة أقلام الريادة الثقافية
2- مؤسسة النهضة الثقافية
3- المجلس الثقافي الكسنزائي في البصرة
4- مؤسسة ثغر الفيحاء الثقافية
5- مكتبة الأسرة والطفل
وهدية خاصة من الفنانة التشكيلية باسمة الحسن.
كما شارك بالحضور ملتقى جيكور الثقافي.
وحضور لافت من الإعلاميين والفضائيات التلفزيونية
كانت أمسية بحجم مهرجان .. اكتظت فيه القاعة بالحضور الكريم من الرواد الأديبات والأدباء والمثقفين، في مشهد جسّد التفاهم الثقافي في بصرة الأبداع.







