نبعد عن عراقنا الحبيب آلاف الأميال ونحن في مهاجرنا، لكننا نحمل وطننا معنا أين ما ارتحلنا، فهو الحاضر معنا على الدوام . وحين نشاهد اعلانا عن ندوة عنوانها :" من حكايات المدن العراقية – حفريات معرفية " فلابد لنا من ترقبها لاسيما وإن الإعلان الفيديوي الذي خاطبنا فيه الأستاذ صادق الطائي تناول بتشويق محاور محاضرته. ولتشاركنا أيها القارىء الكريم تغطيتنا هذه نضع لك هنا رابط ذلك الإعلان :
https://www.facebook.com/100063998972229/videos/780912104489847/
إذن ، في مساء الجمعة ٢٧حزيران ٢٠٢٥ توجهنا الى حيث يقيم المقهى الثقافي العراقي في لندن آماسيه وننقل لكم هنا مجريات ووقائع أمسيته الشهرية التي قام الكاتب والصحفي فيصل عبد الله بتقديمها مستهلا حديثه للحضور بالقول :
" أهلاً وسهلاً بكم في أمسية أخرى من أماسي المقهى الثقافي العراقي. معنا في هذه الأمسية الباحث والكاتب صادق الطائي وبصحبته كتابه الجديد "حكايات االمدن... حفريات في ذاكرة المدينة العراقية". وعن موضوع الأمسية تحدث قائلا:" لعل إرتباط مصطلح المدينة بالتحضر او المجتمع المديني هو ما يمنح المدينة سمتها دون غيرها في التاريخ الانساني. وكما يرى علماء الإجتماع: أن مصطلح المدينة يوناني الأصل ويعني مجتمع يتعايش فيه مجموعة او مجاميع من الناس ويتعاملون مع بعضهم بقيم عامة ووفق مصالح مشتركة وفي رقعة جغرافية محددة". وذكر في هذا السياق إن أحوال سكان المدن تنظم بقانون وأكد الأستاذ عبد الله على إنه بفعل التعايش تنشأ مصالح مشتركة. وأضاف ان المدن تنشأ :" لأسباب مختلفة عسكرية أو تجارية أو صناعية او دينية... بمعنى إن مجتمع المدينة يقترن بتنوع أساليب الحياة وبذلك يختلف عن مجتمع القرية" . ثم عاد بحديثه الى كتاب حكايات المدن لضيف الأمسية فنوه الأستاذ فيصل الى نقطة: " ترد ملاحظة مهمة مفادها إن أغلب المدن الحديثة في العراق أنشأت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وضمن خطة الولاة العثمانيين لتوطين القبائل المتنقلة. وقد تخير المؤلف ثلاثين مدينة عراقية وفي باله إن سرد سيرة المدن أمر واسع وصعب. لكنه كما يشي كتابه أجتهد بجمع مواد الكتاب، وعبر العودة الى مراجع هائلة، قديمة وحديثة، أستطاع أن يقدم هذه الخلاصات او التوصلات البحثية لتاريخ وجيز لكل مدينة. ولربما جَلّس هذه المدن على خارطة العراق ومنحها حضورها في تاريخ بلدنا العراق".
ثم شرع مدير الأمسية بتعريف الحضور بالضيف المحاضر مستعرضا بإيجاز سيرته الشخصية ومنجزه على النحو التالي:
" الأستاذ صادق الطائي كاتب وباحث في العلوم الأجتماعية. ولد في بغداد. وهو حاصل على بكالوريوس بكالوريوس الهندسة الميكانيكية من كلية الهندسة- جامعة بغداد عام (1987). كما حصل على بكالوريوس علم الاجتماع من كلية الاداب- جامعة بغداد عام(1998)، وحصل على الماجستير في الانثروبولوجيا من كلية الاداب- جامعة بغداد عام (2005)، وحصل على دبلوم في دراسة مجتمع المهاجرين من جامعة إيست لندن في بريطانيا عام (2018) .
عمل باحثا في عدد من مراكز الدراسات مثل منظمة حل الازمات الدولية – مكتب الشرق الاوسط . وعمل معدا ومنتجا لعدد من البرامج السياسية التلفزيونية في قناة الحرة/عراق، وفي قناة الحدث العراقية. كما عمل مديرا تنفيذيا لمؤسسة الحوار الانساني بلندن. يكتب مقال رأي اسبوعي في جريدة القدس العربي اللندنية منذ 2015 .
صدر له خمسة كتب:
- سحر الفضة... سر الماء دراسة انثروبولوجية لطائفة الصابئة المندائيين في العراق – وزارة الثقافة المصرية - المجلس الاعلى للثقافة – القاهرة 2011.
- الدين، الطائفة، القبيلة...حفريات انثروبولوجية عراقية، لندن، دار لندن، الطبعة الاولى 2021، الطبعة الثانية 2025.
- دونالد ترامب وملفات الشرق الاوسط... مقاربات الجنون والسياسة لندن ، دار لندن ،الطبعة الاولى 2022، الطبعة الثانية 2025.
- نوافذ معرفية كتاب مشترك، له فيه ورقة بحثية بعنوان (مفاهيم قوى الشر في الديانة المندائية) دار بدائل – القاهرة 2024.
- حكايات المدن... حفريات في ذاكرة المدينة العراقية: الجزء الاول. لندن ، دار لندن ، 2025.
وبعد هذا الإيجاز دعا عبدالله الضيف صادق الطائي فأبتدأ محاضرته بالحديث عن أهمية المدن للسكان ولعلاقتهم الاجتماعية ومكانتها في تاريخ الحضارة الإنسانية وأسباب نشؤها وخص بالذكر ما امتازت به بلادنا قائلا:" اشتهر أهل العراق منذ اقدم الازمنة باهتمامهم بالزراعة والعمل فيها ، وساعدهم على ذلك توفر مياه نهري دجلة والفرات، واستواء الارض وخصوبة التربة ، مما يسر لهم تنظيم الافادة من هذه المياه بفتحهم الترع، وانشائهم السدود لضبط الفيضانات، والخزانات لحفظ المياه، والمنشآت لتنظيم توزيعها"، وأضاف :" عرف العراق بوفرة ما ينتجه من المحاصيل كالحبوب والخضروات والفواكه والتمور، وقد أدت هذه الاحوال الملائمة الى اشتغال كثير من أهل العراق بالزراعة التي كانت تؤمن لهم قوتهم ومواد معيشتهم فضلا عن الارباح التي تدرها عليهم" .
ثم جاء على ذكر بدايات تأسيس المدن في العراق ( الالف الرابع ق.م)، ومصر ( أواخر الألف الرابع ق.م) ووادي السند (الألف الثالث ق.م) والصين (منتصف الألف الثاني ق.م). اما في اوربا فلم تظهر المدن في اليونان مثلا حتى ( العام ٨٠٠ ق.م) وفي شمال اوربا -اسكندنافيا لم تنشأ المدن إلا في عام ١٠٠٠ ميلادي.
ثم تطرق الطائي الى منهجه البحثي في كتابه المحتفى به قائلا:"في كتابي حكايات المدن .. انتهجت منهجا يمكن تسميته بتقشير طبقات التاريخ او ما اسميته (تقشير البصلة) وذلك عبر اجراء حفريات في تاريخ المدينة منذ اقدم العصور حتى العصر الحديث، وتناول مسمياتها وصفاتها والادوار التي لعبتها في كل طبقة من طبقات تاريخها الطويل."
وعند حديثه عن مدن العراق الحديث ذكر الأستاذ الطائي الانماط الرئيسية لمدن العراق حيث وزعها الى:
- مدن المراكز الادارية
- المدن الدينية
- المدن الاسواق
- المدن القلاع
ثم تناول بالتعريف لكل نسق من هذه الانساق ذاكرا مثالين من مدن العراق. فبالنسبة لمدن المراكز الإدارية أشار المحاضر الى نموذجين هما :(المدائن) و( السليمانية) ونوجز ما قاله:
حملت "المدائن" عدة أسماء على مرّ تاريخها الطويل الذي يقدر بحوالي 2500 سنة، عندما ورث سلوقس نيكاتور (أي المنتصر) إمبراطورية الإسكندر فاختار المكان الذي يتوسط مملكته قرب ميناء قديم عرفه اليونانيون هو ميناء أوبيس على نهر دجلة (جنوب مدينة بغداد قرب مدينة المحمودية اليوم)، فأسس مدينة سلوقية التي أطلق عليها هذا الاسم نسبة للإمبراطور سلوقس.
وعندما أطاح الفرثيون الفرس بالدولة السلوقية بعد حوالي 200 عام على تأسيسها، واحتلوا عاصمتهم الشرقية سلوقية عام (139ق.م) واستمروا باتّخاذها عاصمة لهم. وظلت كذلك حتّى الفتح الإسلامي عام 636م، الذي أسقط آخر ملوكهم يزدجرد الثالث".
عندما أطاح العرب بالإمبراطورية الساسانية واحتلوا عاصمتهم الشتوية طيسفون، أقاموا ما عرف بمدينة "المدائن" المكونة من مدينتين على ضفتي نهر دجلة هما سلوقية على الضفة الغربية وطيسفون على الضفة الشرقية".
أما النموذج الثاني ( السليمانية) فقد أورد المحاضر مصادر عديدة لمؤرخين جادين ارجعوا إنشاء المدينة لشعب يدعى لولو او (لولو بوم) ويستدل من بعض المشابهات والدلالات اللغوية أن بعضا من الحكام والملوك الآشوريين في القرنين التاسع عشر والثامن عشر قبل الميلاد كانوا من الشعب اللولوي وأكد أكتشاف حجر ذو رسوم كتابية في مضيق كاوور في جنوبي قره داغ يرجع تأريخه إلى زمن أحد ملوك لولو ، هذا وان جدار) دربند ـ بابيت ـ بازیان) يشاهد للآن بعض رسومه و بعض خرائب بالية، ترجع الى دور الملوك الساسانيين".
وأضاف ان :" تاريخ السليمانية في الحقبة الاسلامية يمر بتاريخ الامارات التي نشأت فيها وحكمت شهرزور و إن هذه المناطق النائية عن عواصم الخلافة كانت مؤئلا للعديد من الثورات. ومن الامارات التي حكمت شهرزور، الامارة البابانية. وقد توسع نفوذها مرة، وقصر أخرى . وهكذا استولوا مرة على بغداد سنة 1225هـ. واسم بابان يعني آل بابا. ويشير بعض المؤرخين الى إنه لم تكن هنالك قبيلة باسم بابان بل باسم بيشدر وأما بابان فانها اسم الإمارة التي كان مركز حكمها مدينة السليمانية.
ويذكر آخرون إن الامارة البابانية قامت في شمالي العراق في اواخر القرن الحادي عشر للهجرة، واتخذت قلعة جوالان مركزاً لها . وفي عام 1778م تقلد شؤونها محمود باشا بابان واعتزم توطيد نفوذه وتقوية مركزه فأنشأ قلعة حصينة في قرية ملكندي احدى المحلات المعروفة في مدينة السليمانية الحالية عام 1781، فكانت قلعته أول عمارة رسمية تشاد هناك، فلما آلت الامارة الى ابراهيم باشا بابان ابن احمد باشا بابان بعد عامين، طمح الى تعزيز شؤون ملكه والسير على نهج سلفه، لأنه عاش في بغداد مدة طويلة تذوق خلالها طعم المدنية، فأنشأ حول القلعة المذكورة عام 1784 م دورا عديدة، وحوانيت كثيرة، ومسجدا جامعاً تقام فيه الجمعة ، وحماماً يغتسل فيه المعارف والخاصة، ثم نقل اليها مركز الحكم من قلعة جوالان فتحول معه الاغنياء والتجار، والعلماء والاشراف، وكتب الى صديقه سليمان باشا الكبير، والي بغداد يومئذ، يخبره بذلك، وانه أسمى المدينة الجديدة بـ (السليمانية) تيمناً باسمه- على رواية دائرة المعارف ـ
ثم استمرت المدينة في تقدمها وتوسعها حتى غدت مدينة كبيرة، ولكنها عادت بعد سنوات فانحطت بسبب الثورات والحروب التي توالت عليها، ولم تجد فرصة للتجدد والنهوض من كبوتها الا بعد أن آل امرها الى الحكومة العراقية سنة 1924م.
أما عن النمط الثاني من المدن وهو ( المدن الدينية) فقد اختار الأستاذ الطائي مدينة ( الشيخان) والتي أطلق عليها مدينة التعايش المتنازع عليها وقال :"إن أصلها هو مدينة (عين سفني)، وهي قرية في شمال شرقي الموصل، على بعد ٥٠ كيلومترا منها. وهي مركز قضاء الشيخان أحد أقضية لواء الموصل. يسكنها 1800 نسمة أكثرهم من اليزيدية ". ثم جاء الأستاذ المحاضر على ذكر ما دونه عن هذه المدينة ،مؤرخون اوربيون ومحليون يؤكدون في دراساتهم على تمسك الايزيديون بديانتهم القديمة في منطقتهم حيث مركز ديانتهم ومعبدهم المقدس في لالش. ويقولون إن عمر معبد لالش يزيد على ستة آلاف عام، ويضم المعبد الكثير من أسرار ديانتهم، إذ يمارسون الطقوس التي يقومون بها حيث توجد الآثار التي يحتفظون بها، والتي يعتقدون أنها تعود لبداية الحياة على الأرض. ويحتوي المعبد الذي يحج إليه الأيزيديون على قبور وأماكن مقدسة، كما ينبع منه ماء العين البيضاء (كاني سبي) التي يؤمنون أن ماءها يعود للطوفان الذي حمل سفينة النبي نوح، وهنالك نبع آخر يسمونه زمزم، وصخرة يقولون إنها جزء من القالب الذي صنع فيه آدم أبو البشر". وأشار الطائي الى ما ذكره الاستاذ زهير كاظم عبود في كتابه (الأيزيدية حقائق وخفايا وأساطير) قائلا؛" لقد اعتبر كثير من الباحثين أن قدسية لالش تأتي من وجود ضريح الشيخ عدي بن مسافر فيه، لكن الثابت أن للمكان علاقة رمزية ودينية بالايزيديين، فالمكان مقدس قبل حلول الشيخ فيه وإن أضاف وجوده إلى المكان قدسية أكبر، فالمكان له علاقة بقصة الطوفان الايزيدية ذات العلاقة بقصة الطوفان السومرية أو الرافدينية التي نقلت إلى جميع الأديان"
ثم انتقل المحاضر الى نموذج أخر لنمط المدينة الدينية فكان (قلعة صالح)... ووصفه انه سوق القبائل على هامش مرقد النبي.. وعن منهجه في دراسة هذا النموذج قال: "وفقًا لنظرية تقشير البصلة، التي اشرت لها، يمكننا القول إن مدينة قلعة صالح متعددة الطبقات، إذ نجد في طبقاتها السفلى مدينة رافدينية قديمة بدليل وجود قبر ومقام أحد أهم أنبياء اليهود في حقبة السبي البابلي، وهو نبي الله العزير الذي يقع على مسافة 33 كم جنوب قلعة صالح، وعلى الحدود بين العمارة البصرة نشاهد قرية كبيرة على الضفة اليمنى من دجلة يقال لها العزير، فيها مشهد يقال أنه قبر النبي عزير الكاتب. كاتب شريعة بني إسرائيل ورائدهم في رجوعهم إلى قدس أسرارهم". ثم نجد في الطبقات الأعلى آثار وبقايا مدينة المذار التاريخية العربية، وصولاً إلى أوّل أشارة للمدينة فيما كتبه الرحالة الأوربيين في القرن السابع عشر باسم شطرة العمارة، لتظهر بعد ذلك المدينة الحالية في ستينيات القرن التاسع عشر والموجودة حتّى الآن". وأضاف: "يبدو أن هنالك اجماع في العديد من الروايات التاريخية على إن صالح الذي ارتبطت المدينة باسمه هو صالح النجدي، وهو رجل نجدي الأصل، عراقي المسكن، نال رتبة (دللي باشا) في عسكر الهايتة الذي أنشأت الحكومة العثمانية فرقته سنة 1853م، وتولى رئاسة الجند النظامي الذي أرسلته السلطة لتأديب قبيلة ألبو محمّد التي تمردت فامتنعت عن أداء الرسوم الأميرية، فاندفع بمن كان معه الى نهر المجرية الذي يتشعب من الضفة اليسرى من دجلة، ويشق مدينة المذار التاريخية وعسكر عليه، فتسلط على الأهوار التي كان المتمردون يعتصمون بها، وقطع عنهم المؤن والأرزاق حتّى اضطرهم إلى الاستسلام، فقبض على رؤوسهم وفرق جموعهم، ورأت الحكومة أنَّ تولي صالحًا المذكور حكم هذه المقاطعة فأنشأ فيها قلعة سنة 1866م، ونسبت إليه فسميت قلعة صالح".
أما عن المدن الأسواق فعدَّ الطائي مدينة سوق الشيوخ من أهم مدن الأسواق في تاريخ العراق الحديث وأشار الى إن تاريخها يعود بحسب الآثاريين الى عصور موغلة في القدم ، حيث عرفت باسم (سوك مارو) أي سوق الحكيم التي كانت سوقا يتوسط منطقة الاهوار. وأضاف الطائي واصفا المدينة الحديثة بقوله:" أقيمت مدينة سوق الشيوخ بناءً على أوامر الأمير ثويني بن عبد الله السعدون عام 1761م لتكون عاصمة لأمارته". وبقيت المدينة الاهم بعد البصرة في جنوب العراق، حتى قيام ناصر باشا السعدون بتأسيس مدينة الناصرية فتحولت امارة المنتفك الى المدينة الجديدة فأفل زمن عاصمة الامارة القديمة في سوق الشيوخ.
كما تحدث أيضا عن مدينة الزبير كواحدة من أهم المدن الاسواق في العرق ، والتي تؤكد الإشارات التاريخية ارتباطها بالمربد : " لما قدم العرب بقيادة عتبة بن غزوان أناخوا بذلك الموضع . وجاء في قول الأصمعي المربد كل شئ حبست فيه الابل ، ويسمى هذا المربد مربد البصرة. كان المربد في أول الامر محطاً ومناخاً للقوافل التي ترد البصرة أو تصدر منها، وهكذا كان شأنه في عهد الخلفاء الراشدين سوقاً عاماً تباع فيه اللوازم من التمور والابل وغيرها وقد سكن المربد قسم من القبائل التي أرسلها سيدنا عمر (رض) لسكنى البصرة".
ومن نمط المــــدن القــلاع تطرق صادق الطائي الى عدة مدن من بينها الحيرة وهي اليوم ناحية تابعة لقضاء المناذرة (مدينة ابو صخير) ومدينة العمادية .وسرد تاريخهما بالتفصيل .
أشار الأستاذ صادق الطائي في نهاية محاضرته الى ان كتابه (حكايات المدن) تناول فيه ثلاثين مدينة. وتمنى أن تكون قراءته مفيدة وممتعة للمتلقي.
عقب مدير الأمسية الأستاذ فيصل عبد الله بالقول: إن الكتاب فعلا يتضمن معلومات مستفيضة عن المدن العراقية وذكر أن هناك جزءاً ثانيا مكملا لهذا المشروع حيث سيصدر قريبا وسيضم ثلاثين مدينة أخرى . ثم دعا الحضور الى طرح اسئلتهم ومداخلاتهم .. ونوجز لكم بعضها فيما يلي:
د. نجم الدين غلام قال هناك سؤالين ، الأول ما هي أقدم مدينة بالعراق ؟، ثانيا : قبل سنوات قرأت كتابا صادرا بمصر يؤرخ لأول تجمع لليهود بالشرق الأوسط، ويذكر أن عشرة آلاف يهودي كانوا يسكنون مدينة أربيل قبل عشرة الآف سنة ، ترى هل صحيح هذا ؟! وكم هو عمر مدينة أربيل؟
اما الكاتب زهير الجزائري فقال: اعتبر كتاب الأستاذ صادق الطائي مرجعا للطلاب في معرفة مدنهم .. وهو كتاب مهم . وهو كتاب يختلف عن الكتب التي تتحدث عن المدن بطريقة أدب الرحلات مثلا.. ولدي ملاحظتان عن الكتاب الأولى تعقيبا عن وصف المحاضر لبعض المدن انها أسواق زراعية، برأيي إن المدن تتأسس بذاتها، بطبيعتها، ولا تؤسس بأمر من فوق. القلاع تبنى فيها بعد وجودها .. الأنبياء والرموز الدينية يأتون الى المدن بعد تأسيسها .. والعراق يعتبر من الحضارات النهرية وهذه الخاصية تلعب دورا في ان تكون السلطة فيه قوية لأنها تسيطر على الري ..
اما المخرج علي كامل فتسائل: ماعنوان الأمسية؟
صادق الطائي : من حكايات المدن .
فعلق كامل قائلا: جوهر المدينة يكمن في ناسها .. انا لم أسمع عن الناس في هذه الأمسية .. انما سمعت عن مدن خالية من البشر، هذا هو إحساسي ، في الوقت الذي تكون فيه للمدينة حكايات وخرافات وشخصيات، هذه بتقديري روح المدينة، وهذا ما يؤسس المدينة.. وهكذا عرفت مدينتي الصغيرة (الصويرة).. المدن هجينة ..رحلات وهجرات وهروب .. المدينة مركبة لا تتكون لها هوية إلا بعد فترة طويلة ، فتصير لها شخصية .. عذرا هذا رأيي .
وهنا يمكننا أن نوجز أجابات الطائي كالتالي: اقدم مدينة هي بالتأكيد بجنوب العراق .. ويمكننا الاشارة الى دويلات المدن .. فأول امبراطورية في التاريخ الإنساني هي امبراطورة سرجون الأكدي .. لا أحد يعرف اين هي أكد لحد الآن ؟! وممكن ان تكون (الاكدية) إشارة للغة او إشارة لمدينة . أما عن الوجود اليهودي قبل عشرة الآف سنة، بالتأكيد لا .. فالذي آتى بهم الى العراق هو السبي الآشوري والبابلي ..
وفي اجابته للاستاذ زهير الجزائري أشار الطائي : بصدد تأسيس المدن أنا أؤكد لك أن هناك العديد من المدن تأسست بأمر وهناك نماذج عديدة منها الناصرية التي وجدت بأمر من ناصر باشا السعدون ، مدينة الحي التي كانت عاصمة وهي مدينة واسط التاريخية اختارها الحجاج لأن مكانها وسط العراق، كذلك حال سامراء التي بنيت بأمر الخليفة العباسي المعتصم بالله ولم تكن قبل ذلك سوى دير في وسط أرض خالية. ومثلها السليمانية وهكذا .
وفي جواب الطائي للاستاذ علي كامل قال: حكاية المدن التي لم تسمعها اليوم موجودة بالتأكيد في الكتاب، وفي هذه الأمسية حاولت أن أتناول جانب منها. وكما تعرف إن الحكاية هي غير الخرافة وغير الميثولوجيا ..الحكايات هنا هي أقرب الى التفاصيل او (السوالف) .. انا شبه متأكد حين يقرأ الأستاذ علي كامل الكتاب سيجد حكايات .. وهنا من المناسب أن احدثك قليلا عن مدينتك التي ذكرتها وهي الصويرة ( وانت ابن ولايتي فكلانا صويري).. الصويرة في القرن التاسع عشر لم تك موجودة ، كانت مكانا زراعيا ولتجميع عرق السوس ، وبأمر من السلطان العثماني تأسست كقضاء يحمل اسم قضاء الجزيرة وليس الصيرة او الصويرة ثم نمت وكبرت واصبحت لاحقا تعرف بمدينة الزعيم نسبة الى الزعيم عبد الكريم قاسم الذي تبرع بقطع اراضي كان يملكها في المدينة لبناء ثانوية الزعيم للبنات في المدينة، وفي كل تفصيلة من هذه التفاصيل هنالك حكاية.
المهندس كريم السبع أشار بقوله: ملاحظة صغيرة ،تتعلق بتاريخ المدن، عندي نسخة من كتاب (من الواح سومر) لصموئيل نوح كريمر ترجمة طه باقر، يورد فيه صورة لخارطة مدينة (نفر) بمقياس رسم معقول توضح سورها وابوابها ودار حاكمها واحيائها السكنية ، والذي استرعى انتباهي ، والأهم ما فيها ، وجود حديقة عامة بمساحة اكبر من المعبد ، هذا يعكس المستوى الحضاري لهذه المدينة التي يرجح أن تاريخها يعود للألف الثاني قبل الميلاد ( ١٧٠٠-١٨٠٠ ق.م) .
فأضاف صادق الطائي معلقا : أضيف الى ما ذكره الأستاذ كريم إن مدينة (نفر) وهي اليوم مدينة (عفك) والتي تناولتها في الكتاب وأسميتها (أولمب السومريين ) لأن مجمع الآلهة كان فيها وهي مدينة دينية ١٠٠٪ وكان فيها المعابد والمدارس الدينية، وان اي ملك لم يكن يعترف به اذا لم يحصل على مباركة كهنة نفر .
حارث المبارك سأل قائلا: لم يجر التطرق الى أربيل وقلعة أربيل فهي قديمة جدا؟ فأجاب صادق الطائي: نعم أربيل قديمة وهي واحدة من المدن التي إستمر فيها السكن على مدى الاف السنين.. هي فعلاعريقة جدا وفيها الكثير من آثار حقب التاريخ المتتابعة، وتحديدا قلعتها هي عبارة عن متحف مفتوح فهي قلعة آشورية دفاعية متقدمة تشبه الى حد كبير قلعتي الشرقاط وتكريت .
اختتم الاستاذ فيصل عبد الله الامسية شاكراً الحضور الكريم وشاكراً المقهى الثقافي ، لجهوده الكبيرة في تقديم هذه الأصوات وهذه المنوعات الثقافية المميزة. ونوه أن هناك حفل توقيع نسخ من كتاب (حكايات المدن .. حفريات في ذاكرة المدينة العراقية) حيث وقع الاستاذ صادق الطائي كتابه الاخير.
ونحن نختتم تغطيتنا هذه بنشر رابط التوثيق التلفزيوني (التسجيل الكامل بالفيديو لوقائع الأمسية) للإستزادة في متابعتها . متمنين لكم مشاهدة مفيدة وممتعة :
https://www.facebook.com/100063998972229/videos/700529512958956
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |