النص الومضي شكل من اشكال الحداثة التي تحالفت والتحولات الفكرية والفنية والمؤثرات الخارجية لخلق عالمها المساير للعصر الذي وسم بعصر السرعة معبرة عن احساس شعوري او مشهد وامض بلحظته البارقة.. المتجاوزة لمحطات الذاكرة.. والشاعرة بلقيس خالد في نصوصها (مزاج المفاتيح) التي أسهمت دار المكتبة الاهلية في نشرها وانتشارها2022ا..كونها نصوص تزدحم فيها المشاعر والاحاسيس بالإيقاع.. والوجع بالألم.. كي تحقق في المخيلة وجودها المستفز للفكر المنتج لنصه المقتصد بألفاظه والموجز بجمله.. المتسم بخصوصيته التركيبية ووحدته العضوية مع ايحاء وتفرد في الايقاع والصورة التي(تنقل موقفا شعوريا بعاطفة موحدة وتناغم موسيقي تركيبي دلالي..)..واللغة الرامزة والفكرة المنبثقة من بين مقطعياته الشعرية..
فالمنتجة الشاعرة بومضها الشعري تحاول استنطاق اللحظات الشعورية عبر نسق لغوي قادر على توليد المعاني من اجل توسيع الفضاء الدلالي للجملة الشعرية.. مع اعتماد الرمز النصي المكثف.. الموجز لخلق ومضتها الشعرية بذهنية متفتحة ورؤية باصرة لوعي الفكرة وتحقيق اضاءتها.. باعتمادها اللفظة المركزة.. المكتنزة بالإيحاء والمتميزة بالانسيابية والتدفق.. فضلا عن انها تحاول ان تشكل حالة من التوازن لذاتها المأزومة من خلال تركيز الجملة داخل عوالم البناء المتدفق شعوريا بوحدة موضوعية وفكرة مركزية يحلق ويحوم حولها المعنى.. ابتداء من الايقونة العنوانية والنص الموازي بفونيميها المشكلان لجملة اسمية مؤنسنة مضافة.. حذف أحد اركانها.. وقد تلاها نص يكشف عن ذات مأزومة (مخاوف كثيرة تتوارى خلف الباب) ص7.. وخاتمة تقترن به (تبقينا على تواصل معهم.. /هل الكتب من الابواب..) ص101..
استتر بستر الله
من اغلق عليه باب داره
حدثتني جدتي / ص13
لا أحد يعرف من انا..
في البصرة كل طارق باب
اسمه أنا / ص15
قال: لن يستفزني قرع الباب
............؟
لا باب لدي الان / ص16
فالنص بمجمل تحركاته الرامزة ودلالاته اللفظية المعبرة عن الحالة الشعورية والنفسية بأسلوب دينامي حالم وعمق دلالي يتداخل والسياق الجمعي بقدرته التعبيرية المختزلة لتراكيبه الجملية والمتجاوزة للقوالب الجاهزة.. فكان تشكله وفق تصميم ينم عن اشتغال عميق يعتمد الجزئيات وينسجها نسجا رؤيويا يرقى من المحسوس الى الذهني.. اضافة الى توظيف المنتجة(الشاعرة)لتقنيات فنية واسلوبية وهي تساير الحداثة الشعرية التي تفردت بميزات استثنائية على المستويين الشكلي والمضموني كالتكرار الدال على التوكيد والاهتمام من جهة.. وبصفته ظاهرة ايقاعية لإشباع المعنى واضفاء موسقة مضافة على جسد النص من جهة اخرى.. اضافة الى تحقيق بواعثه المتمثلة في الباعث النفسي والايحائي... وهناك التنقيط (النص الصامت) الدال على الحذف الذي يستدعي المستهلك لملء فراغاته والمشاركة في بنائه النصي..
طرق على الباب.. ظهيرة محمومة ترتفع شمس أغمق زرقة من النار.
تتعرق وتتذاوب تحتها اجساد الكادحين..
بين سعفات نخلة محملة بالرطب..
فر عصفور وانا احاول النهوض.. انكفأ فنجان القهوة راسما على الصينية لوحة غرائبية../ ص48
فالنص يطرح افقا متجاوزا بتفجيراته الدرامية المرتكزة على تقنيات فنية امتدت على امتداد الجسد النصي السابح في عوالم متصارعة مؤطرة بأكثر من زاوية رؤية فكرية بحكم حركة التحول والانفعالات المشهدية التي تقوم على شبكة من العلاقات (الحدثية والشخصية والصورة الشعرية..) التي تؤطرها وحدة عضوية نابضة بالحياة.. وكاشفة عن مكنونات الذات الانسانية ومناطقه الفنية وصوره المستفزة للذات الاخر(المستهلك) من اجل استنطاق ما خلفها والكشف عن عوالمه..
ولانني لا املك الا وزري
طرقت بابك
مطمئنة
يشنقني حيل المسافة
كلما علقت في السماء دعائي / ص93
فالمنتجة(الشاعرة) تترجم احاسيسها وانفعالاتها بنسج شعري يحقق وظيفته من خلال الفكرة والعمل داخل اللغة عن طريق خلق علاقات بين المفردات بوحدة عضوية متميزة بعالمها المتناسق جماليا مع دقة تعبيرية بألفاظ موحية ودلالة مكثفة بتوظيف تقانات فنية محركة للنص كالرمز السمة الاسلوبية التي تسهم في الارتقاء بشعريته واتساع مساحة دلالته التي تجرنا الى قول النفري الصوفي (كلما ضاقت العبارة اتسع المعنى)..
وبذلك قدمت المنتجة(الشاعرة) مقاطع نصية اعتمدت التكثيف بصمت ايحائي مقروء.. مستفز للذاكرة المتأملة لما خلف الالفاظ من اجل استنطاقها لتحقيق ذروة المتعة الشعرية..