نستعرض هنا أجواء ومجريات أمسية المقهى الثقافي العراقي في لندن لشهر تموز والتي أقامها مساء الجمعة السادس والعشرين من تموز ٢٠٢٤ وكان ضيفا فيها الفنان التشكيلي والكاتب علي النجّار وأدارها الفنان التشكيلي والكاتب يوسف الناصر الذي ابتدأ الأمسية بالكلمات التالية:

 "اليوم لدينا أمسية مختلفة، لأننا في حضرة فنان سيغني هذه الأمسية بفنه وأفكاره وتجارب حياته الحافلة. معنا الصديق الفنان المتميز علي النجّار، وأقول المتميز ليس إعتباطا أو لأنها كلمة تقال في كل مناسبة، فعليّ يتميز بين أقرانه وبيننا جميعا، نحن من ممتهني الفن والمهتمين به، بصفة تبدو بسيطة جدا لكنها حقيقية وعميقة وهي أنه بقي في معظم رحلته مع الفن يرسم وعينه على الحياة.. طبعا سيأتي من يسأل: وهل هناك فنان يعمل وعينه ليست على الحياة؟  والجواب؛ نعم وهم الأكثرية بين فنانينا مع الأسف، يرسمون ويكتبون ويعزفون إمّا تقليدا لاخرين أو إعادة إنتاج لتجاربهم المحدودة، او باعتماد الصياغات الجاهزة، أو باجتراح تهويمات وأفكار لا علاقة لها بالدنيا، تورّطنا بكوارث دفعنا ولا زلنا ندفع ثمنها فادحاً، مثلما ورّطونا بالحروفية والعودة للماضي وغير ذلك.

هذا إذا لم نتحدث عن الرسم للتسلية وتمضية الوقت وهو أمر جميل ومقبول تماما ".

وواصل الفنان الناصر تعريفه بفن ونصوص النجّار، وبرؤيته النقدية الخاصة، قائلا:

 " في رأيي ان مشاريع علي (النجّار) مغروسة بتراب الحياة دائماً وهذا ينطبق على تجاربه في الرسم وفي الكتابة، لأن علي من الرسامين الكتاب ايضا، حيث له خمسة كتب مطبوعة من بينها كتابه الذي سيوقعه الفنان هذه الليلة (نريد وطننا). والرسامون الكتاب قليلون جدا في حركتنا الفنية.. انا هنا لا أتحدث عن كتّاب الخزعبلات وكتّاب الالغاز ونقاد الرطانات، حيث ينتشرهذا النمط الآن في كل مكان في الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي. هؤلاء ليس فناني وكتّاب زمن (ما بعد الحداثة) إنما فنانو وكتّاب (ما بعد الرثاثة)، ومن ضمن هؤلاء الكثيرون من (دكاترة الفن) الذين أصبحوا بالمئات، وصار على الحكومة أن توظّف طلّاب فن من أجلهم!

أستطرد هنا قليلا وأستميحكم العذر، طبعا تعرفون ان الرطانة والكلام غير المفهوم ليستا دليلا على ان الشخص يعرف الكثير، هذه النقود المحيرة، والنصوص الملغزة التي تكتب كمقدمات لمعارض لا تعني ان الاشخاص التي كتبوها لديهم دراية بالفن والكتابة، على العكس انها تدل على فراغ داخلي وعلى خواء، وان من كتبها ليس لديه ما يقوله.

علي النجّار يكتب بمسؤولية وأمانة وبحرص الشخص الذي يعرف مهنته جيدا وعنده الكثير ليقوله.

أنه يكتب ويرسم بضمير يقظ.

بإمكان من يشاء الاستزادة، العودة لمنشورات الفنان على الانترنت.

ولد علي في بغداد سنة 1940، وبدأ دراسته في معهد الفنون الجميلة سنة 1958 في قسم الرسم وتخرج سنة 1961.

وإذا كنت أقسم الفن العراقي الى أجيال فعليّ من جيل الستينيات، لكنه كان أقل أبناء ذلك الجيل ظهوراً وضجيجاً. كان مكتفياً بالرسم عن صخب حياة الرسامين، وأظن أن هذه الصفة لازالت هي صورة علي اليوم. يقول عن نفسه (لازمت الصفة اليسارية حياتي كلها، لكن هذا لا يعني كوني يسارياً متشدداً، بل أنا أيضا لي حياتي الخاصة المتقلبة الأهواء بمصادرها الثقافية المتنوعة والتي أثرت على مسيرة إنتاجي الفني، لكني اكتشفت بالتدريج بأن لا الدين ينقذني ولا السياسة).

هرب علي الى إيران بعد انقلاب البعثيين سنة 1963، واعتقله الايرانيون وأعادوه الى بغداد ليسجن لمدة سنتين قاسيتين تعرض فيهما الى كل ما تفتقت عنه عبقرية المجرمين البعثيين في التعذيب والاهانات والاذى.

أقام معرضه الاول في بغداد سنة 1966 في المركز الثقافي السوفيتي، وتبعه بـ 15 معرضاً حتى مغادرته العراق سنة 1997.

آخر سلاسل أعماله كانت مجموعة العزلة اثناء وباء الكورونا والتي انجز عنها كتابا نثريا، وقبلها انجز مشروعه الكبير عن انتفاضة تشرين في العراق والتي اسماها (نريد وطننا) ونتج عنها كتاب مطبوع أيضا. في هذه الأمسية سيتحدث الينا ضيفنا الفنان علي النجّار باستفاضة عما ذكرته باختصار عن بعض محطات حياته وفنّه، يعقب ذلك فسحة لاسئلة الحاضرين ثم توقيع كتاب تشرين، وستُعرض صور للوحات الفنان مترافقة مع حديثه.

 علي النجّار يتكلم عن حياته ومنجزه الفني

 المفارقة أن بداية دخولي لعالم الفن لأول مرة، لم تكن بدافع هذا الولع لملاحقة خيالاتي المجسمة لتجسيدات المخلوقات، بل من عالم الكرافيت (الخط العربي) ومحاولة إتقان أساليبه الفنية.

  وكان معهد الفنون الذي ابتدأت الدراسة فيه ١٩٥٨ في ذلك الوقت يحسب على اليساريين. لذلك كانت الكثير من أنشطتنا الثقافية الطلابية ماركسية الطابع. ولقد لازمت الصفة اليسارية حياتي كلها. لكن هذا لا يعني كوني يساريا متشددا أو تقليديا.. لكنهم مع ذلك اعتقلوني بعد انقلاب شباط ١٩٦٣ لمدة سنتين.

 حينما كنت وحيدا او منقطعا عن العالم في السجن، كنت اقضي معظم أوقاتي في مراجعة لسلوكي الثقافي الاجتماعي للأيام السابقة. وهل أنا مجرد كائن سياسي، أم فنان، أم كلاهما في نفس الوقت. وهل بإمكاني أن اسلك نفس السلوك أم سوف أكون إنسانا آخر. مجرد فنان مؤدي لا أكثر ولا اقل. واخترت أن أكون فنانا أكثر من كوني كائنا سياسيا.

 لم يستمر بحثي الفني ضمن تأثيراتي بالمنطقة الأثرية لأكثر من عامين. فمنطقة التعبير الفني هذه كانت مشاعة في الفن العراقي الحديث. وسبق لعدة فنانين ان اشتغلوا أعمالهم بمؤثراتها. وبما أنني كنت ابحث عن التفرد (بوهم فرادة الأسلوب، الذي كان، وكمفهوم، سائد في ثقافة الوسط الفني العراقي). لكن، وبما أن سطوة الجسد فرضت سيطرتها عليًّ مجددا بعد ان استعدت الجسد الأنثوي. لذلك فضلت ان تكون أعمالي حقل تجارب لخطوط ملامحه الخارجية. وبموازاة معرفتي بان لكل عضو من جسد المرأة استداراته الخاصة، لعدم احتوائه على أي سطح مستوي. فقد تحولت أعمالي كلها الى مساحة تجريبية تجريدية لتنويعات من الخطوط المنحنية الجسدية. لم أفقد كل ملامح الجسد في هذه الأعمال، فهو حاضر فيها كلها، لكنه مختف خلف تفاصيلها خطوط منحنية ومساحات تحولت لاحقا الى لون المياه. لقد أصبحت فنانا تجريديا لمعظم سنوات فترة السبعينيات. وكان للتجريد في العراق فنانوه القلائل في تلك الفترة. وكنت احسب نفسي فنانا عراقيا متقدما. ربما صح ذلك، أو ربما هو وهم. لكنه وهم كنت أستسيغه.

 اعتقد بان أعمالي الجديدة شكلت سابقة في الفن العراقي. وذلك لغموض مصادر تشخيصيتها، مما دعا الفنان والناقد (شاكر حسن آل سعيد) لان ينسبها الى الرؤية الميتافيزيقية. واعتقد أن الناقد أصاب في نقطتين لا غيرهما من معاني المفهوم الميتافيزيقي. النقطة الأولى: هي (وحدة الوجود) في مفهومها الصوفي، حيث تعوم مخلوقاتي الغرائبية وسط فضاء واحد. والثانية: اشتغالي ضمن منطقة الذاكرة الجمعية اللا واعية والتي لا تخلو من غموض مصادرها الإيحائية. فأعمالي هذه اشتغلتها من الذاكرة الأثرية، لكن بتفاصيل من أحلام ومشاهدات لمخلوقات في دور التشكل. مما أغنى مخلوقاتي المرسومة بتفاصيل غرائبية بعض الشيء. فقد كانت هوية معظم هذه المخلوقات غير واضحة. فهي خليط من كائنات مائية وطيور غريبة وحيوانات وبشر. لكنني لم اصنع منها رؤى صادمة أو غير مألوفة إطلاقا. لقد صنعت عالمي بموازاة شروط خلق العالم الواقعي. كعالم مواز وأكثر اطمئنانا. ولا يهمني التسميات. واستطعت أيضا أن احصل على عزلتي النسبية الخاصة.

(عالم بريء)، هو العنوان الذي اخترته لكل أعمالي الفنية التي أنتجتها منذ بداية الثمانينيات أو التسعينيات وحتى عام (2002).

    في (1 سبتمبر 2001) أقمت معرضي الشخصي الأول في إحدى قاعات العرض الفنية لمدينة (مالمو) السويدية حيث أقيم. كتبت عن العرض صحيفتين محليتين معرفة بي كفنان عراقي حديث الإقامة وألوان أعمالي حادة او (بيور- نقية أو صافية وصريحة) كشمس بغداد. واستلمت الشفرة النقدية. فالمزاج الشمالي لا يحتمل الملونة الشرقية، حيث البيئة هنا تغمرها الثلوج الأحادية اللون ومقاربات درجتها.

 أنا الآن تجاوزت سن الثمانين من عمري. وأشعر باني مواطن عالمي، ما دمت أمارس عملي الفني الذي هو بالأساس عابر للحدود. كما لا أنكر بأنه جزء من علاج إمراضي الجسدية المتكررة. وهو أيضا فضائي الأنقى الذي أتنفس منه هواء حريتي.

لكتابي.. يوميات الوباء، كوفيد 19.. والذي يحتوي على مائة يومية تناولت فيها الحجز، جغرافيا المكان، تداعيات المعلومة الواقعية والافتراضية وتداعيات المحيط، مع استرجاع بعض الذكريات التي لها علاقة سرية ما.

  وعن كتابه (WE WANT A HOMELAND” نريد وطننا”.. رسوم على الحدث) قال الفنان النجّار ضيف الأمسية:

 " في السابع والعشرين من أكتوبر مباشرة بدأ مشروع رسومي هذه، فأنا بطبعي لم اتعود على التغافل عما يحصل لأبنائنا، شبابنا، وهم يتساقطون أمام غدر السلطة الغاشمة و (طرفها الثالث) الخرافي وقلبي ينزف دما من بعيد”.  ويضيف:" استمرت سلسلة الرسوم كل يوم أحاول فيها متابعة انطباعاتي عما يحدث في ساحات تحرير العراق، لم تكن رسومي هذه، رسوما توضيحية ولا بوسترات تحريضية ولا رسوما سياسية. فانا وفي كل نتاجي الفني أحاول ان ابتعد عن المباشرة لصالح الإيحاء".

وفي مقالة للأديب محمد خضير أشار الى رسوم النجّار في هذا الكتاب:

" متخفيا وراء الظهور، بعيدا عن العيون، مثل برق خاطف للأبصار.. يجرب الفنان التظاهر مع جموع سائرة لمجهول مثله ومثل رسومه التخليقية، وقد يكفيه هذا التماهي لسد الفجوات في وجدانه المجروح منذ افاقته على غربته وعزلته الجليدية. اما اليوم، فان اللوحات المنفذة بالحبر الأسود تعود الى موطن القهر و" الأمل المرتجى" لاستمداد ضوء النهارات البغدادية ".

 الحوارات.. المداخلات.. الأسئلة من الحضور

 جمال أمين (سينمائي): ليس لديّ أي تعقيب على ما طرحه الأستاذ علي.. إن أغلب أعضاء المقهى هم فنانون ويعملون في الميديا، للأسف الشديد هذه اللوحات الجميلة والمهمة التي هي إنتاج فنان مهم، كان المفروض ان نشاهدها بجودة أعلى.. يعني، كان علينا ان نعمل (بروفة)، نأتي قبل يوم وننظم طريقة عرض اللوحات حتى الناس عندما تأتي لا تسمع الحديث فقط انما تتأمل اللوحة. اذ ما تفضل به الأستاذ علي شيء جميل جدا، توثيق حلو، لكن للأسف الشديد لم نرًّ منها شيئا سوى أشباح، فاللوحة تعتمد على اللون.. ولم نر لونا على الشاشة.. فقط أحببت التعقيب على هذا الموضوع لأننا ندعي ان لدينا فنانين في هذا المقهى والمفروض ان نعمل شيئا أفضل من هذا وشكرا جزيلا.

يوسف: صحيح .

النجّار: هذا ما نوهت عنه من البداية.. نحن فنانون نشتغل على الصورة، اذ ان الكلام لا ينفع لوحده.. اليوم الصورة هي التي تتكلم لكن المشكلة هنا الإنارة.

يوسف: نعم المشكلة الآن نهار وضوء الشمس فيه قوي، ويتسرب الضوء من الشبابيك الواسعة والكثيرة في قاعة الكنيسة هذه.. وليس بيدنا ان نعالج الموضوع.. سوى ان نعمل أماسينا التي تتضمن عرضا ما في الشتاء حيث ممكن ضمان التعتيم.

علي رفيق (من شغيلة المقهى): للتوضيح.. إننا قبل البدء بأمسية اليوم اكتشفنا هذا الضوء الساطع لشعاع الشمس القوية في مثل هذا الوقت الذي يستحيل معه عرض واضح. حاولنا تدارك الأمر دون ان نفلح.. نعم نحن ملامون اذ كان علينا ان لا نقيم أمسية تعتمد على عرض صوري في مثل هذا الوقت.. من المعروف ان إمكانية المقهى فقيرة جدا لذا نعتذر لضيفنا وللفنان جمال وضيوفنا الأكارم لذلك.

يوسف: واضح هو هذا الموجود.. هل هناك ما يضيفه الأستاذ علي.. ويا حبذا تحدثنا عن لقائك بالفنان الرائد جواد سليم.

تحدث الضيف بأنه كان طالبا في معهد الفنون القسم النهاري.. وللاستزادة من المعارف كان يزور صف الفنان جواد سليم في القسم المسائي وكان يخشى من اعتراضه لحضوره لكن جواد على العكس رحب به واخذ يعطيه ملاحظاته على رسومه وحين منعت إدارة المعهد حضوره نصحه جواد عدم الاكتراث وعبور السياج ومواصلة الحضور وهذا موقف اعتبره النجّار نبلا ورعاية له من فنان رائد. وتحدث الضيف عن اساتذته الذين استفاد منهم وهم لازسكي أستاذ الجداريات اليوغسلافي الذي كان يعطي النظرية لكنه يحولها الى تجربة عملية في انشاء وتكوين اللوحة وكذلك الأستاذ فالينتينوس القبرصي واختصاصه السيراميك والذي جاء بعد فنان إنكليزي أسس القسم بفرن بسيط لكنه طوره وتحدث يوسف عن إقامته مع النّجار معرضا مشتركا في مدينة ليستر البريطانية ساهم فيه الضيف بعشرين لوحة تحت عنوان "مطر أسود" عن الحرب واحتلال العراق في ٢٠٠٣ وتجول في أكثر من مدينة.

وسأل يوسف الفنان الضيف عن مشاركته في معرض في بغداد وعن انطباعه عن الفنانين والحركة الفنية هناك الآن..

النّجار قال إنه ذهب الى بغداد وحدث ان التقى مع مجموعة من الفنانين بوزير الثقافة وانه طرح عليه ان الحكومة العراقية في الاربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي أرسلت مجموعة صغيرة من الفنانين الى الخارج للدراسة وعادوا وخلقوا حركة فنية في البلد، لكن العراق منذ الثمانينيات لحد الآن يعيش العزلة عن العالم والفنانون فيه لا يعرفون ما يجري  من تطور واكد على ان هناك تدنيا في تناول الموضوعات وفي نفس الوقت تدن في التلقي على صعيد تقدير المشاهدين للأعمال الفنية، ليس في العراق انما في الكثير من البلدان العربية المجاورة وهذا متأت من غياب الثقافة الفنية، وهنا جاء سؤال من الحاضرين :

ثامر خاجي (ناشط مدني): هل هذا التدني بالذائقة الفنية هو انعكاس او نتيجة لما يسمى هيمنة الصحوة الإسلامية؟!

النجّار: هو جزء منها لكن هذا يعود بالأساس الى منظومة المناهج في الدولة فمثلا ما رأيته بالسويد حتى الطفل بالروضة يشاهد لوحات لفنانين عالميين، ويعرفهم، فهذا الطفل تتشبع عينه، فالتربية تحكم والبيئة أيضا فتشكل ذائقة فنية راقية.

د. حليم مرتضى (أكاديمي): لي رأيي لا أعرف ان كنت على صواب ام لا؟ أقول لا داعي لأن نجلد نفسنا.. الاحداث التي مرت بالعراق بعد انقلاب ٨ شباط ١٩٦٣ قد عرقلت وأوقفت كل تطور في كل مناحي الحياة وعلى الخصوص الفنون.. كان عندنا مبدعون لو اتيحت لهم الفرصة لخلقوا أجيالا من الفنانين.. التدخل الأجنبي هو الذي ساهم في التخلف الذي نحن فيه.. لكني رايت خلال زياراتي للعراق في السنوات الأخيرة وخاصة الى مدينتي الحلة وجدت شبابا فنانين يعملون على نهضة فنية.. اقترح على المقهى وعلى حضرة الأستاذ النجّار ومبدعينا الآخرين الى مد يد العون لهؤلاء الشباب. وفي الحلة هناك مجموعة تطلق على نفسها دار الود.. ادعو المقهى التواصل مع هذه الدار.

النجاّر: نتمنى ان يحدث تطور لكني أتكلم عن متابعتي للحركة الفنية والنتاجات التي شاهدتها للأسف لم أجد فيها عملا يطرح قضية العراق او موضوعة عن الوطن.. حضرت معرض الواسطي.. وذهبت الى الجمعية.. يشتغلون على موضوعات الطبيعة.. هل نحن بحاجة الى مثل هذه الموضوعات.. مهما كانت الصعوبات يجب ان يعكس الفنان ما يمر به وطنه.. بيكاسو عمل الغورنيكا تحت الاحتلال النازي. الآن ظاهرة كثرة الدكاترة بالفن.. هؤلاء لا يقدمون فنا انما أطاريح نظرية.. لم يك جواد سليم او فائق وغيرهما من الرواد دكاترة لكنهم عباقرة بنتاجهم الإبداعي.

 سمير طبلة (إداري وإعلامي): شكرا للأستاذ على وتمنياتي بالمزيد من عطائه.. يمكنني القول، بلا مبالغة، ان الأستاذ النجّار من الفنانين العراقيين المبدعين القلة الذين وثقوا ثورة تشرين العظيمة، وكان يشتغل بسرعة ليواكب حدث ثوري كبير جدا لا يتوجب الالتزام بالمواصفات التقنية المتأنية.. لدي سؤالان: شهدت ساحات التحرير بعموم العراق ابداعات فنانات وفنانين شباب، رسموا العديد من الأعمال.. فما رأي الأستاذ بهذا الجانب؟

النّجار: أنا كتبت حول هذا بالتفصيل.

سمير: وهذا يحسب لحضرتك.. السؤال الثاني هل يرى الأستاذ علي ان على الفنان المبدع الرائع الالتزام بقضايا، أهله شعبه، وطنه.. خصوصا بمطاليب ثورة مثل تورة شباب تشرين؟

النجّار: نعم للفنان رسالة ثقافية واجتماعية وسياسية.. يجب عليه ان يعكس معاناة شعبه ...

يوسف: (معقبا) نحن بالعراق لا نعرف ان نرسم البيئة.. وهناك تفسير خاطئ لما طرحه جواد سليم بعد عودته من دراسته بالخارج.. والاقتصار على العودة للتراث.. هذا غير صحيح جواد دعا الى الانتباه الى بيئتنا محيطنا.. اذكر استاذي فرج عبو قال انه حين كان في باريس زار بيكاسو في يوم خصصه للقاء بالناس سأله من اين اتيت ولماذا انت في باريس فأجابه عبو انه من العراق وجاء ليدرس. يقول ان بيكاسو اجابه في بلادكم نشأت الحضارات نحن الذين علينا ان نذهب عندكم لنتعلم مما تركه اجدادكم.. نحن لا نتلمس ما يحدذ في محيطنا.. لقد ذهبت الى البصرة وحضرت معارض لفنانين وجدت ان الكل يرسم البورتريت (وليس جيدا ولا متقنا) ومناظر طبيعية واشياء فنطازية دون ان يلتفتوا الى ما يحصل في البصرة التي تتراكم في ازقتها وسواقيها النفايات وما أحدث اليورانيوم من امراض وتلوث البيئة.. الخ هذه موضوعات تغيب عن الفن البَصْريِ بل العراقي للأسف.

د. عادل خصباك (تشكيلي وأكاديمي): ليس لدي سؤال انما مجرد إضافة.. ان رسام الكهوف قبل آلاف السنين.. خلدت اعماله ثم قلدت بما يسمى بالحداثة.. ان تعبير الفنان عن مكنوناته وعن بيئته تتضمن أيضا جانبا فلسفيا يريد ان يعبر عنه وبامكانات بسيطة الانارة هي المشعل والمواد التي يستخدمها بسيطة كالعظام وابتكار الألوان من مواد من الطبيعة.. في العراق الثقافة العامة بدأت تضيق على صعيد الابداع حيث يشاع الجهل في المدارس الفنية كما طرح الأستاذ المحاضر، شكرا له.

علي كامل (سينمائي): لاحظت في اللوحات أشكالا هلامية وطيورا ذات ابعاد.. سؤالي هل هذه لها جذور بالبيئة؟ ام بالطفولة؟ من أين أتت هذه؟ هل هي بنت المخيلة فقط؟ هل هي بنت الكتب التي قرأت؟ اذ ذكر يوسف في البدء ان على الذي يختلف عن بقية الفنانين هو ابن الحياة، ولصيق بالحياة.. لا يشبه الكثير من الفنانين التشكيليين، أولئك الذين يشتغلون على المخيلة ...الخ.. السؤال الثاني: لماذا اللجوء الى الأحبار والمائيات.. هل الزيت غريب عليك كفنان.. انا معظم ما رأيته مشغول بالألوان المائية والأحبار.. وبتقديري ان المائية من أصعب الألوان، لأنك لا تسيطر عليها مثل الزيت.. اذن تساؤلي الأول حول البيئة او الجذور حتى التاريخية او الطفولة والثاني موضوعة الشكل واللجوء الى الأحبار والمائية؟

النجّار: هذه هي طبيعتي.. انا منزو قليل العلاقات فهذه الاشكال تعكس بالضرورة طبيعتي مضافا لها نوع من الفنتازيا وما مر بي من مصاعب وامراض صرت اميل الى الاعمال الرقيقة.

علاء الصفار (خبير حاسوب): جرى الحديث عن البصرة انا أعيش بالبصرة وتركتها قبل وقت قريب.. في البصرة فنانون تشكيليون كبار وحاليا عندهم مقر(غاليري) يعرضون فيه لوحات اكثرها تعكس الواقع.. اما أولئك الذين يعملون البورتيرهات هم المبتدؤون في الفن وتكون رسومهم بسيطة باتجاه تطوير أنفسهم.. لكن المعارض التي تقام في ذلك المقر نجدها ناضجة وتعكس واقع البصرة بل والعراق أيضا ويزور تلك المعارض كثيرون لان المنطقة تراثية وفيها الشناشيل وجرى احيائها من قبل اليونيسيف.

النجّار: هذا شيء جيد لكني لاحظت ان النتاج الحالي يقتصر على اللوحة اما بقية فروع الفن غائبة.. والتطور بطيء.

عواد ناصر (شاعر): نرحب بالفنان علي النجّار في وطنه العاشر.. سؤالي يتعلق بالثقافة البصرية بالمجتمع العراقي.. الحق ان يكون العراقي فنانا تشكيليا، هذه واحدة من معجزات الحياة العراقية، لأن أكثر العراقيين يكتبون الشعر بعد تصور خاطيء انه من أسهل الفنون (كصكوصة) قصيرة ينشرها فيصبح شاعرا، بينما الفن التشكيلي يحتاج الى جهد حتى عضلي فباعتقادي البسيط ان الفن التشكيلي بالعراق لم ينتج عن بنية تحتية للفنون.. نتذكر جميعنا ان درس التربية الفنية هو درس شبه مهمل بالمدرسة حتى المتوسطة.. أرسم منظر طبيعي ارسم شجرة.. الخ هذه إذا كان المدرس جادا فعلا.. في ان معلم التربية الفنية أكثر محاضراته: افتحوا كتبكم وراجعوا بدون ان يتعب نفسه بالطباشير.. انا عملت في التعليم خمس سنوات ادرس اللغة العربية، كنت احول اللوحة بالطباشير الملون، احول السبورة الى ما يشبه اللوحة فكان الأطفال يتقبلون بالدرس بيسر وسرور، وزارني المدير وشاهد اسلوبي ونقل للهيئة التعليمية تجربتي وقال انه نفسه استمتع بالدرس. اكرر اننا كمجتمع نحتاج الى بنية تحتية للثقافة بشكل عام.

يوسف: هذا ما أكده الفنان علي بالبداية ان بناء الفن ووضع أسس للحركة الفنية هي ليست مسؤولية الفنان فقط انما مسؤولية الدولة، الفن يحتاج نظام مؤسس يتم من خلاله تطوير ودراسة.

عواد: يا صديقي نعم هذه مسؤولية العائلة أيضا ليس فقط الدولة.

النجّار: لكي تنتج فنا ينبغي ان تكون هناك مؤسسة تربي الانسان منذ الطفولة فالتربية ليس الاكل والشرب، يجب ان تسهم بتنمية قدرات الانسان الفنية والادراكية واعتماد ما نسميه برامج التنمية البشرية وفي العراق هناك فنانون رواد مهمون حتى على الصعيد العالمي.. هذا شغلي البسيط مثلا، هو ادانة للحرب رغم أنى لم ارسم الحرب بشكل مباشر، انما   فيه جماليات وينطوي على عناصر تهذيب وليس هناك تهذيبا في الحرب، كلها سلبية.. انا اهتم بأشياء معنوية.

 
عرض مقالات: