على مدى يومي 11 و12 تشرين الثاني 2023 جرى عرض مسرحية "غياب مكتمل الحضور" على مسرح بيت كل العالم بالتعاون مع الديوان الشرقي الغربي بمدينة كولون والمخرج المسرحي السوري فراس الراشد.
تدور المسرحية حول صراع الهجرة والبقاء في الوطن كحل لمشاكل متراكمة، في زمن ما عادت الحلول التقليدية قادرة على التغيير، صراع يدور بين كوارث السياسة وعجز الفرد على تحمل أعباء الحياة، حتى مشاعر الحب تحكمت بها السياسة، لا يفتح باب الا بقرار سياسي، ولا يغلق اخر الا بأوامر عليا. كان العرض مغرقا بالرمزية، بدأ بالعنوان مرورا بمحطة القطار حيث تجري الاحداث، وصولا الى القطارات، الممثل الثالث الذي لم ينقطع عن الذهاب والإياب دون ان نراه، وانتهاء بمدينة كولون والمهاجرين العراقيين والسوريين الذين تزايدت اعدادهم بمرور الأيام.
يبدأ العرض المسرحي بوداع الاحبة من قبل البطلين، الذين لم نعرف لهما اسما حتى نهاية المسرحية، في رمزية للشعوب المقهورة، شعوب لم تعرف الاستقرار والأمان. على خشبة المسرح يدور بين البطلة والبطل حوار متكرر، امرأة في عمر الشباب ورجل في نفس العمر، يجتران معاناة الهجرة وانتظار الحبيب، حوار يستعرض جهلهما بحقيقة المشكلة وتقزيم المعاناة الى قضايا شخصية، تبتعد وتقترب أحيانا من السبب الحقيق خلف كل ما يجري لنا على مسرح الحياة.
استخدم الكاتب رمزية محطة القطار في إشارة الى رحم الحياة. اما القطارات فإنها تتحرك وفق تكات عقارب الساعة، تاركة كل من يتأخر عن مواعيدها، محملة بالركاب في إصرار عجيب على استمرا الحياة وانشغال الناس بمصالحهم، رغم كل ما يجري حولهم من كوارث يومية. على الرصيف حيث المقعد الوحيد، وكانه مقهى بلا نادل ولا قهوة، يلتقي البطلان بحوارات يسودها مفردات الهجرة والحبيب وتحطم الاحلام والحرمان وخريف العمر والهزائم انتهاء بالموت.
حوار البطلين يعكس جهلا عميقا بحقيقة مشاكلهما، وهو نفس السبب الذي يدفعهما للانتظار وتجاهل كل مغريات الحياة، جهل يبعدهما عن استثمار أي فرصة لبداية جديدة. شخصان او شعوب تتلذذ بالمعاناة، وكأنه ادمان على تناول الافيون او الكحول او التهام الحلويات بشراهة، نموذجين لنوع واحد من الناس، مستعدان لفقدان الفرصة تلو الأخرى، في استسلام قاتل لإرادة الاخر، ان كان المتسبب في المعاناة او حتى الشريك فيها او من حاول الهروب منها سعيا لبداية جديدة.
بطلان سلبيان يعكسان حالة مجتمعات كل ما استطاعته من حلول لحد الان هو الهجرة، حتى انتفاضاتهم وثوراتهم جاءت بأشخاص لسدة الحكم يحسنون اطلاق الشعارات وسرقة ثروات الشعوب واستبدادها. لم نفهم كمشاهدين هل البطلان ينتظران الحبيب حتى ينتشلهما الى بلاد المهجر، ام ينتظران عودته ليبقى معهم وينتشلهم من الكآبة التي يعيشانها، بالنتيجة هو انتظار عبثي اتكالي وهمي لا قيمة له، حتى جاءت نهاية المسرحية بموت البطلة وهي جالسة على مسطبة الانتظار، بعد ان مرت سنين حياتها بلا حياة.
ان يعرض هذا العمل في مدينة كولون الألمانية يوم انطلاق مهرجان التنكر، حيث تغط الشوارع بالمحتفلين القادمين من مختلف المدن الألمانية ودول الجوار، قد شكل جزءا متناغما مع العرض، في مقارنة واقعية مع شعوب تبحث عن الحياة والفرح بكل الطرق، ولا تترك أي فرصة للاحتفال.
يبقى ان نشير ان المخرج فراس الراشد قد بذل مجهودا كبيرا في اكتشاف بطلة المسرحية السيدة لارا زنادري والبطل أنور السيد، ليقدما عملهما المسرحي الأول، بأداء جميل، يعكس موهبة فنية كامنة بحاجة لفرصة، حتى تعبر عن نفسها، كما نجح في توظيف المسرح الصغير واستخدامه للمؤثرات الصوتية، بواسطة عزف مباشر من الفنان جمال البشعان، ليتجاوز كل العقبات التي تمنع تقديم هذا العرض