كانت أمسية شهر آذار للمقهى الثقافي العراقي في لندن قد أقيمت في السبت الخامس والعشرين منه ، بعنوان "منظورات في الثقافة والإعلام " قدمها الإستاذان عبد المنعم الأعسم ورضا الظاهر .. وأدارها الكاتب والصحفي صادق الطائي وقد إستهلها بالإشارة الى إن هذه الإمسية تأتي بتسلسل المائة لآماسي المقهى التي دأب على تنظيمها عبر عدة سنوات ، وكثير من الأصدقاء والصديقات كانوا جزءا من نشاط  المقهى الثقافي المهم في العاصمة البريطانية لندن .

وفي السابع والعشرين من آذار من كل سنة يحتفي العالم بيوم المسرح العالمي
واحتفل به عام 1962 لأول مرة، وهو التاريخ الذي أطلق فيه موسم "مسرح الأمم" بباريس، ويهدف هذا اليوم إلى ترويج فن المسرح في جميع أنحاء العالم، إضافة إلى نشر المعرفة بين الناس حول التجارب الفنية، وكذلك تمكين مجتمعات المسرح والرقص في الترويج لأعمالهم الإبداعية على نطاق واسع، حتى يدرك صناع القرار بقيمة هذه التجارب إيمانا بها، والتمتع بفن المسرح ذاته.            

اختارت الهيئة الدولية للمسرح سيدة المسرح العربي الفنانة سميحة أيوب، لكتابة رسالة يوم المسرح العالمي لهذا العام، احتفاءً بهذا اليوم                                                                          

وقد درج المقهى ان يحتفي بهذا اليوم ، بقراءة الرسالة التي توجهها إحدى الشخصيات المسرحية العالمية، فدعا الفنانة السورية أسمهان الكرجوسلي لقراءة رسالة الفنانة عميدة رائدات المسرح العربي سميحة ايوب وجاء في نص الرسالة : "أصدقائي المسرحيين في جميع أنحاء العالم، أبث إليكم هذه الكلمة في ذكرى اليوم العالمي للمسرح، وبقدر ما يعتريني من شعور غامر بالسعادة أنني أتحدث إليكم، فإن كل ذرة في كياني تختلج تحت وطأة ما نعانيه جميعاً – مسرحيين وغير مسرحيين – من ضغوط طاحنة ومشاعر صادمة وسط ما ينتاب العالم من حالة من عدم الاستقرار"  وإضافت :"إن المسرح في جوهره الأصلي هو فعل إنساني محض قائم على جوهر الإنسانية الحقيقي ألا وهو الحياة. وعلى حد قول الرائد العظيم قسطنطين ستانسلافسكي "لا تدخل المسرح بالوحل على قدميك. اترك الغبار والأوساخ في الخارج. تحقق من ترك مخاوفك الصغيرة والمشاحنات والصعوبات البسيطة مع ملابسك الخارجية – كل الأشياء التي تدمر حياتك وتلفت انتباهك بعيدًا عن فنك – عند الباب" وجاء في ختامها:
"أتحدث إليكم اليوم لا لمجرد الحديث أو حتى للاحتفال بأبي الفنون جميعاً "المسرح" في يومه العالمي وإنما لأدعوكم لتقفوا صفاً واحداً كلنا جميعاً، يداً بيد وكتفاً بكتف لننادي بأعلى صوتنا كما اعتدنا على منصات مسارحنا ولتخرج كلماتنا لتوقظ ضمير العالم بأسره أن ابحثوا في داخلكم عن الجوهر المفقود للإنسان.."

بعد ان انتهت الفنانة الكرجوسلي من القاء كلمة سيدة المسرح العربي سميحة أيوب شكرها الأستاذ الطائي على القراءة الجميلة و نوه مدير الأمسية الى  ان المقهى سينشر عشية يوم المسرح (أي الأحد السادس والعشرين من آذار) على صفحته بالفيسبوك ريبورتاجا تلفزيونيا "بعنوان عشاق الخشبة " سيتحدث فيه اكثر من ثلاثين فنانة وفنانا مسرحيا عراقيا، من مختلف الإجيال ،من داخل الوطن ومختلف بلدان الشتات ، وبينهم كثير من رحلوا ،وقد قام السينمائي علي رفيق بعمل هذا التوثيق التلفزيوني.. ثم شرع الأستاذ الطائي بتقديم أمسية اليوم قائلا:                                              " نعود الآن الى أمسية اليوم للمقهى الثقافي وهي لموضوع واسع، ومطلق  لكننا سنحاول الإلمام ببعض جوانب المنظورات في الثقافة الإعلام ولهذين العنوانين تفاصيل كثيرة ينطويان على الكثير من الآراء والطروحات التي تؤلف فيها المجلدات العديدة ، وممكن ان نتكلم فيها لساعات والعديد من المحاضرات ، لكننا اليوم سنستمع الى قامتين كبيرتين في عالم الثقافة والإعلام والصحافة ، سيقدمان رؤيتهما عن واقع الثقافة والإعلام والتحديات التي يتصديان لها وماذا ممكن ان يقدمان للمجتمع وكيف يكون المثقف مثقفا عضويا فاعلا في مجتمعه وليس كما نشاهده في بعض  الإحيان ، كي لا نعمم، من أمراض اصابت المشهد الثقافي والمشهد الإعلامي والصحفي في العراق وفي غيره من الدول اليوم. معنا ضيفين عزيزين الأستاذ رضا الظاهر للحديث عن المنظورات او المشهد الثقافي والأستاذ عبد المنعم الأعسم للحديث عن المشهد الإعلامي  ، وبما إنهما غنيان عن التعريف ، وإستثمارا للوقت ندعوهما الى المنصة ".   

إبتدأ الأستاذ رضا الظاهر الأمسية بالحديث عن ثلاثة مفاهيم قال انها سترد في مداخلته أكثر من مرة وهي تلك التي تتعلق بمفهوم المثقفين ومفهوم الحركة الاجتماعية ومفهوم التغيير وأكد انه يعني بالمثقفين  شغيلة الفكر،  والمعنى الواسع للثقافة وليس المعنى الضيق الذي يقتصر على الأدب والفن أو منتجي القيم الجمالية اما المقصود بالحركة الاجتماعية فهو يعني الفئات والجماعات والتجمعات والأحزاب والمنظمات ..الخ الموجودة في المجتمع والتي تسعى الى تغيير الواقع الاجتماعي ، وأشار الى إنه لا يخلط كل جوانب تلك الجهات ، انما أكد انه يعني الجانب التقدمي من الحركة الاجتماعية ، ذلك الجانب الذي يسعى الى تغيير الوضع القائم في المجتمع . وقال انه عندما يتحدث عن التغيير فيقصد تغيير المجتمع، أي تحويل المجتمع من بنية الى أخرى. والتغيير في المجتمع العراقي في الظروف الحالية تعني، على المستوى السياسي،   الخلاص من منظومة المحاصصة وبناء دولة مدنية.

وذكر الظاهر:  " ان مفهوم المثقف يعتبر حديثا، وبدء ارتباطا بالقضية الشهيرة التي اسمها قضية دريفوس - الضابط الفرنسي- ، وبهذا الشأن نتذكر المقالة الشهيرة التي كان عنوانها "إني أتهم"  وقد  وأثارت ضجة كبرى في فرنسا". 1894 كتبها أميل زولا  في عام

وأشار أيضا الى ( بيان المثقفين ) الذي كان بين من وقع عليه أناتول فرانس ومارسيل بروست وقد أشعل معركة فكرية حررت ذلك الضابط الفرنسي وأسست لدور المثقف في محاربة الإستبداد ، وأضاف ، الى ان في القرن العشرين ظهرت مفاهيم عديدة للثقافة  والمثقفين من بينها "الإنتلجنسيا" و" المثقف العضوي " المرتبط بغرامشي و " المثقف الرسولي " المرتبط بأدوارد سعيد ، وأكد ان هناك مفاهيم عديدة أخرى لكنها في جوهرها تعتمد على حقيقة انه كل هؤلاء المثقفين على تباين التعريفات يشتركون  في التزامهم بقضايا المجتمع وسعيهم الى إشاعة التنوير وتقدم المجتمع والعدالة الاجتماعية . وقال انه مضطر للإيجاز في مداخلته لكنه سـيضيء  بعض الأسئلة التي تتعلق بالتحول العاصف الذي جرى بالإطار الثقافي بالعراق، بالرغم من كل التباساته وانعطافاته،  يعكس آفاق نهضة ثقافية ، يمكن اذا ما توفرت لها الشروط والظروف الملائمة والصحية والضرورية ، ان تعيد الإعتبار الى العقلانية والتنوير وتخلق فضاء إزدهار الثقافة الإبداعية . ولكن هناك عوائق حقيقية كبرى امام هذه الشروط الموضوعية منها يتعلق بالثقافة السائدة المهيمنة في المجتمع والسلطة التي ترعى هذه الثقافة المهيمنة والذاتي منها يتعلق بالمثقفين الذين يتعين عليهم ان يشاركوا في الحركة الاجتماعية الساعية الى التغيير.

وحدد الظاهر الواقع العراقي الحالي بما يلي :" ان المجتمع لا يعاني فقط من الفساد والإنفلات الأمني وغياب الخدمات والتخلف والأزمات المختلفة الاجتماعية والسياسية والإقتصادية والثقافية ...الخ وإنما يعاني أيضا من مشكلة كبرى هي تدني الوعي الذي تراجع بشكل مريع بسبب سيادة النمط الإستبدادي بالحكم والدكتاتورية ومعضلات الراهن في العراق".

وتطرق الى موقف المثقف من الثقافة السائدة في المجتمع، من حقوق الإنسان، من حقوق المرأة ..الخ من القضايا التي تعتبر أساسية في المجتمع .. وتساءل هل تتوفر الظروف التي تسمح للمثقفين ان يعبروا عن أنفسهم ويلعبوا دورهم المنشود ؟! وإعتبر الظاهر في مداخلته مسألة الديمقراطية كشرط من شروط الثقافة الوطنية التنويرية .

وقال الأستاذ الظاهر في ختام مداخلته :" ان تجليات ازمة الثقافة بالعراق ؛ حسب تقديري بالنقاط الخمسة التالية :

- غياب او تغييب دور المثقف، وهو ما يعكس الخلل في موقف النخب السياسية .

- غياب الدعم الحقيقي من قبل الدولة ، سواء كان بتأسيس البنية التحتية أو وجود برامج أو أي شكل من اشكال رعاية الدولة وإهتمامها بالثقافة والمثقفين

- عواقب الإستبداد والدكتاتورية والإحتلال وهيمنة قوى التخلف السياسي الحالية وشيوع الخراب الروحي وثقافة الإنحطاط .

- معاناة  المثقفين من ثقافة الإعلام والتبسيط والشعبوية المبتذلة  في فهم خصوصية المثقف.

- إنسحاب المثقف تحت وطأة الإحساس بالإحباط والعزلة وطاحونة اللهاث وراء المعيشة ."

وأخيرا أكد رضا الظاهر على:" ان الموضوعات التي طرحتها هي بعض الموضوعات الأساسية ، وجميعها بحاجة الى مزيد من التحليل والدراسة ".

عقب مدير الندوة الطائي على الإستعراض الغني الذي قدمه الظاهر قائلا:" إن ما طرحه الأستاذ رضا الظاهر جاء شاملا ومكثفا  لموضوع الثقافة ، والذي هو أصلا  موضوع ملتبس وفيه الكثير من المفاهيم والأفكار الشائكة التي لحد الآن ، ليس فقط في مجتمع الشرق الأوسط ، انما حتى الدول المتقدمة تعاني منها ".  وواصل:" الجانب الآخر في أمسيتنا هو الحديث عن الإعلام ..لا سيما اننا نعيش في زمن الإنسان ، او المواطن الإعلامي ، الذي يحمل بيده وسيلة تحرير وتلفزيون وهيئة إذاعة وبث في (موبايله) او في (الهواتف الذكية )الموجودة ، التي أتاحت للجميع المشاركة من على منصات التواصل الاجتماعي وغيرها . ومعنا اليوم ، وأفخر ان أقول انه أحد أساتذة الصحافة والإعلام الإستاذ عبد المنعم الأعسم سيتفضل في الحديث عن منظورات في الإعلام ".

 إستهل عبد المنعم الأعسم مداخلته في الأمسية يخبرنا انه منذ سنتين مضت دخل عامه الخمسين في عالم الإعلام والصحافة ، خلالها لم ينقطع عن الكتابة والمتابعة والحضور والمشاركة في هذه المهنة، وأكد انه لا يزاود على أحد ، لكنه فخور بهذه الصفة التي أخذها الى نفسه .

ثم تحدث الأعسم عن مشروعه مع رضا الظاهر وعزمهما على الخوض في موضوع منظورات الثقافة والإعلام ، في  بعدها الثقافي والإعلامي.. وانهما آليا على نفسيهما بإثارة الأسئلة ، وكانا يفكران بعمل جولة في اوربا ، وذكر انهما فعلا ذهبا الى السويد وعقدا ندوتين والى الدنمارك وعقدا ندوة بنفس العنوان وكانا في طريقهما الى هولندا وألمانيا ، أجلتا مؤقتا ، سيقومان بها في وقت لاحق ، لكنهما إستئنفا الآن في لندن.

وقال الأستاذ الأعسم انه أجمل البعد الإعلامي للأزمة العراقية في عشر منظورات هي :"

  • إعلام ريعي.
  • ـإنتكاسة في دور النساء في الإعلام.
  • الإعلام الرقمي، إيجابياته وسلبياته .
  • منظرو التهديد الذي يتعرض له الاعلاميون وأجهزة الإعلام.
  • سلطة القضاء التي تخون رسالتها
  • النقابة الصفراء
  • شبكة الإعلام
  • مستقبل الإعلام
  • الإعلام الحكومي ، المستقل، الحزبي !

هذه هي عناوين محاضرتي ومنظوراتي، أدخل الى هذا العالم الإعلامي بالإشارة الى طبيعة إسمها إنفجارية في مجال الإعلام ، وأضيف لها هي طفرة لربما لم تكن متخيلة قبل ثلايثن سنة .. الإعلام الآن يمر في حالة إنفجارية لا حدود لتأثيراتها وأشكال التعبير عنها إستخدام الإنترنت والهواتف الذكية والمهارات والمغامرات ، حتى اذا سألنا انفسنا : طيب وماذا سيحدث بعد عشرين عاما ، وربما أقل،  ونحن نتابع  تطور القفزات اليومية في مجالات التقنية وإستخدام مستجداتها.

والقول المبكر ان العالم أصبح قرية ، الذي كان يقال بإعتبارها نكتة ، قبل سنوات أصبحت حقيقة".

وأستنتج الأستاذ الأعسم :" الإعلام العراقي اعلاما ريعيا ، مثلما هي الدولة الريعية ، يعني هناك عملية تدوير، للمال العام عبر أقنية معقدة من الاقتصاد ، تخرج من ميزانية الدولة لتنهب  وتذهب للتجار، تنشأ شركات خارج العراق ، تتشكل شركات إعلامية ، ثم يبدأ البث ، إذاعة وجيش الكتروني ، وفضائيات ، وإذا إقتفينا . أثر التمويلات لهذه الأقنية ، بطريقة إستقصائية جدية سنكتشف إنها هي من المال العام . الإعلام الريعي بإمتياز.وهذا موضوع نحتاج ان نتكلم عنه كثيرا"

 ثم تحدث عن إنتكاسة في دور النساء . وقال انه لديه إحصائية تم إجرائها منذ سنوات مضت .. توضح تراجع نسب مشاركة الفتيات في الميدان الإعلامي الى أدنى منسوب لها في الوقت الحاضر .اما عن الإعلام الرقمي قال انه بدخوله بهذا الزخم الكبير الى ان بلغ الى حد ان يتحول الإعلام الى مهنة لمن لا مهنة له ، واصبح كل مواطن إعلاميا ، كل من يملك هاتفا ذكيا ، اذ كل من يحصل على معلومة ما ويحاول ان يوصلها فهو قد قام بدور إعلامي .وأشار الى سلبيات هذا الجانب وفي مقدمتها دور المال الرأسمالي الذي يسخر فيه واستخدامه لقهر حركات الإحتجاج وتزوير الوعي .

وتطرق الى تعرض الإعلاميين الى التهديد ، وقال ان أي إعلامي يتصدى الى المؤسسات الطائفية والميليشيات او للإحتلال يتعرض الى التهديد المباشر والتهديد المعقد وقال انه يأتي عبر عشيرة أحيانا او عبر نساء او برسائل واحيانا تقوم السلطة القضائية بدور الجانب الذي يهدد وقدم عدة أمثلة على ذلك .وتحدث عن النقابة الصفراء وكيف ان رئيسها لخمس دورات متتالية منذ العام 2008خلافا لكل القوانين، ويفرض رئاسته على الجسم الصحفي بالإستقواء بقوى السلطة .

وشكر مدير الندوة الأستاذ الأعسم لما طرحه من إضأءات ، وأطلق عليها مفردة "وخزات " للمشهد الإعلامي المؤلم كما أطلعنا عليه في مداخلته . ثم دعا الحضور لتقديم مداخلاتهم واسئلتهم وتعليقاتهم فطرح الأستاذ شافي الجيلاوي أهمية استثمار الثورة المعلوماتية بتطوير الإعلام التوعوي وعقب د. سلم علي بطرح مهمات الثقافة الوطنية وذكر بمنجز مؤتمر الثقافة عام 2005ومشروع الشهيد كامل شياع وتساءل ما الذي يحول دون إطلاق ذلك المشروع مجددا؟ ثم تحدث الكاتب زهير الجزائري عن الحاجة المعاشية التي تدفع بعض المثقفين الى التنازل عن الكثير من مبادئهم وقيمهم وأهمها حرية التعبير وتساءل عن اعداد صحافيي النقابة الذي بلغت 15ألف عضوا في بلد كان فيه أربع صحف فقط .. ثم تحدث د. عادل مطلوب عن الإعلام الرقمي وأهمية الإستفادة من التجارب العالمية الناجحة لتجاوز سلبياته .

عرض مقالات: