وأنت تدخل إلى بهو الصالة، تواجهك صور شهداء تشرين الخالدين، أولئك الذين مازالوا يناشدونك بالبحث عن قتلتهم المجرمين.. عندها يفصح هذا المدخل عن كنه ومغزى هذه الأمسية التي أعدها المقهى الثقافي ليحتفي بذكرى الثورة الباسلة، وليستعيد مآثرها التي تعد رافدا مضافا، فريدا، في المسيرة الكفاحية لشعب العراق.

نأتي هنا مباشرة إلى دعوتكم في هذه التغطية الصحفية لمجريات هذه الأمسية التي لم تشهد مثلها العاصمة البريطانية لندن فيما سبق.

افتتح الأمسية الفنان فيصل لعيبي بكلمة المقهى الثقافي العراقي في لندن في استذكار ثلاث سنوات مرت على اندلاع شرارة ثورة تشرين العراقية الباسلة عام 2019 وتطرق إلى أهدافها وأسباب اندلاعها والتضحيات الجسام التي قدمتها.

وأشار الفنان لعيبي إلى غياب مبدعين أربعة خلال الشهر الماضي وهم الكاتب والمترجم عادل حبة (أبو سلام) والشاعر خلدون جاويد والموسيقي والسينمائي شمعون براري والسينمائي فيصل الياسري.. ثم دعا الحاضرين إلى الوقوف دقيقة صمت إجلالا لشهداء تشرين واستذكارا لمبدعينا الراحلين.

الشاعرة البريطانية كاثرين ديفيد سن ابتدأت الأمسية فتحدثت بالإنكليزية عن قيامها صحبة الشاعرة العراقية أنباء جاوي على جمع قصائد الشعراء العراقيين الشباب، وترجمتها إلى الإنكليزية، وتحقيقهما لتلك الفكرة ومن بعد ذلك طبع تلك القصائد في كتاب صدر بالإنكليزية في لندن.

و شكرت الشاعرة جاوي المقهى على تنظيمه لهذه الأمسية وعقبت على ما طرحته  الأديبة كاثرين  بحديث عن فكرة انجازهما الكتاب وقالت ان الكتاب الذي جمع تلك القصائد قد صدر بالعربية في بغداد ، بعد اتصالات مع الشعراء الشباب هناك وقد ساعدت على ذلك الشاعرة الشابة سما حسين ، وأثنت على معاضدة كاثرين لها ، حينما أحست الوقع غير المريح والحزن الذي كانت تشعر به جراء القمع والقتل والخطف الذي كان يلاقيه شباب الانتفاضة ، وكيف شجعتها على العمل معا على جمع ونشر القصائد في كتاب يصدر بالإنكليزية ، وسيكون وفاءً للشهداء ودعما للشبيبة المحتجة .

قدمت كاثرين عرضا سريعا لحياة أيقونة الثورة وملهم شبيبتها الشهيد الشاعر صفاء السراي ودعت الحضور لمشاهدة فيلم وثائقي قصير عن سيرته ومساهمته الفعالة في الحراك الاحتجاجي منذ مظاهرات 2011 وحتى استشهاده في مثل هذا اليوم الذي تعقد فيه الأمسية قبل ثلاث سنوات في 28/10/2019 وبعد انتهاء عرض الفيلم المؤثر دعت الشاعرة أنباء الأستاذ سعدي الشذر لقراءة قصيدة الشهيد السراي " شمسنا بلا تراقيها" وهي قصيدة شعبية، قرأها الشذر بإلقاء لقي الإصغاء والاهتمام والاستحسان من الحاضرين، وكان مطلع القصيدة: 

" شمسنا بلا تراجيها

شمسنا بلا كصايبها

من تصبح الشمس بلا معاضدها تصير فياي

شمسنا وحوبة البردي

والناطور من يغفه على صوته الماي

تغفه ويه الشلب فدنوب

وننطرها بصبحنه الجاي"

.................

وبعد قراءة الشذر للقصيدة تقدم إلى المنصة الطالب Eve Russellإيف راسل، أحد طلاب كلية الدراما في جامعة ريجنت Regent الذين تبرعوا بقراءة قصائد شعراء تشرين الشباب وكان القاء ايف لقصيدة الشهيد السراي بأسلوب مسرحي مميز وبنبرة تعاطف معها الحضور لصدق الإلقاء ونجاحه في فهمه وتعبيره عن مضمون النص.. ثم تتالت قصائد شباب العراق الذين أرسلوا قراءاتهم متلفزة بفيديوهات من داخل الوطن ومن ساحات الثورة في محافظات مختلفة، تغنوا فيها بهبة شعبهم الثائر ضد الفساد ونظام المحاصصة وسيطرة اللصوص على مقاليد الحكم بوسائل دنيئة أبرزها التزوير والكذب هدفهم الوحيد التغانم ونهب خيرات البلاد والعباد.. وفيما يلي نستعرض بعجالة وصفا لمشاركة أولئك الشعراء وسنذكر من قرأ قصائدهم من طلبة الدراما البريطانيين الذين تجيء مشاركتهم بحماس بهذه الأمسية إعلانا صريحا بتضامنهم مع زملائهم شباب العراق.

  • الشاعر ميثم عبد الجبار (مواليد 1975- كربلاء)، دبلوم هندسة كهربائية، كانت قصيدته بعنوان "في المطعم التركي" من اجوائها:

كنت سأطلب طبقا واحدا من الفرحة

جاء النادل، طباخ المطعم، والمحاسب

جاء السائق والعجوز التي تفترش الأرض من العوز

جاء الباعة الجوالون والحراس الليليون

جاؤوا هنا

والصعاليك الملتصقون بحديقة الأمة

جاءت الدراجات النارية

وسائقو التك تك

جاء حتى الرصاص

قرأ قصيدته بالإنكليزية إيف راسلEve Russell

  • الشاعر كاظم خنجر (مواليد 1999 ـ بابل) أستاذ في كلية الفنون الجميلة في الحلة.. ترجمت أعماله إلى الفرنسية والألمانية وحاليا إلى الإنكليزية.. قصيدته التي عرضت على الشاشة الكبيرة بالفيديو عنوانها " اتصلوا بأبي وقالوا"

قالوا إن مهند قد أصيب مع العشرات

وبعد ساعة، قالوا بأن إصابة مهند

شبه خطرة...بينما العشرات ماتوا

حينما وصل أبي يومها

لم يجد سوى جثة مهند

وحدها

منذ تلك اللحظة وهو لا يحدث أحد

يحمل معه الدخانية التي فتتت رأس مهند

  • ثم قرأ طالب الدراما البريطاني علي رزاق Ali Razzak قصيدة كاظم بالإنكليزية.
  • الشاعرة إيناس محمد، الشابة التي كانت بالساحة يوميا، تعمل في الصحافة، (من مواليد 1993 ـ بغداد) شاهدناها بالفيديو وهي تقرأ قصيدتها "علامة فارقة":

كل ما أخشاه

أن يكتب اسمي في القنوات الفاسدة

خبرا عاجلا

سرعان ما يغيب

مثل أيامنا المعتادة

  • قرأت قصيدة إيناس الطالبة البريطانية Kamaria McGinn كامايرا ميغن
  • الشاعر ميثم راضي، خريج هندسة كهربائية، معروف بالعراق بنشره الكثير، قصائده متميزة، قالت أنباء ان كاثرين قد أعجبت بقصائده وكثيرا ما تختار من قصائده في أمسيات القراءات الشعرية هنا في لندن، وأضافت انها لم تستطع الاتصال به، لذا تعذر عرض قصيدته بالفيديو فقام الأستاذ سعدي الشذر بقراءة قصيدتين له من على منصة الأمسية الأولى " لا يجمعنا سقف" والثانية " لا يريد الشهداء شيئا":

لا يريد الشهداء شيئا

سوى ان الثقوب التي صنعها الرصاص

في أجسادهم

ستستعمل يوما لتنقيط

أبجدية البلاد غير المفهومة

  • قرأت قصيدة ميثم طالبة الدراما Tamar Kay Hopkins تامار كي هوبكنز.

بعدها عرضت على الشاشة الكبيرة أغنية بالإنكليزية انتشرت أبان ثورة تشرين ترجمتها للعربية بـتقنية الـ Sub Title.

  • الشاعرة نورس الجابري (مواليد 1993 ـ بغداد) ممرضة ذات قدرات عالية، كانت في الخطوط الأمامية أيام تشرين ولها معنويات عالية، لكن لما جرى الاتصال بها لتسجيل قصيدة لها كانت في وضع نفسي خاص، قلقة، جراء استلامها لتهديدات، لكنها أصرت على تسجيل قصيدتها " أمنية رصاصة ":

كل الأرواح تثأر لأجلها

ولا يهرب منها أحد

تتمنى أن تكون أحمر شفاه أو قلم

أن تكون إصبعا في يد أحدهم

على أن لا يكون قاتلا

  • قرأ، قصيدة نورس البريطانية كامارا ميغن.
  • الشاعر صالح رحيم شاعر من السماوة (مواليد 1994) قرأ بالفيديو قصيدته:

إذا لم تنتصر هذه الثورة

فإني أريد أن يأتيني المال

وأنا نائم

كأن تستأجرني عائلة غنية

لأحلم بالكوابيس المخيفة

نيابة عن أطفالهم

أما إذا انتصرت

فإني أريد

أن أستيقظ فقط

  • قرأت القصيدة كاميريا ميغن
  • القصيدة التالية كانت للشاعر الشاب أمير علي (مواليد 1999من بغداد) عنوانها " صباح أليف":

بعد جحيم مؤقت

يأتي صباح أليف

تكونين رقيقة مثل صور الحداد

وكيف يشع الندم في لحظة سعادة

  • إيف راسل قرأ القصيدة بالإنكليزية
  • الشاعر علي إبراهيم الياسري (مواليد 1991ـ البصرة) قرأ قصيدة له بعنوان " وصية رجل ميت سعيد ":

حين يموت النورس

لا حاجة للكفن

لذا حين أموت

لا تصرخي

لا تخبري الجيران

أريد أن أموت جيدا هذه المرة

  • قرأ قصيدة الشاعر الياسري الطالب البريطاني علي رزاق
  • الشاعر محمد كريم (مدرس في احدى قرى بابل مواليد 1989 وقصيدته "إضراب":

غائب

غائب

غائب

بعد أديت سرد الأسماء في القاعة

اتجهت للسبورة

لأول مرة أجدها بهذا الحجم الكبير

كتبت في أعلاها

اللغة العربية

إنشاء، تبا

الحر

الحر، وحدهم من يكتبوها أمام الرصاص

  • قرأ Dhushyant Anil دوشيانت آنيل طالب الدراما البريطاني قصيدة الشاعر البابلي محمد كريم بالإنكليزية.
  • الشاعر عامر الطيب (مواليد 1999 – واسط) شاعر معروف لديه دواوين عدة مطبوعة، انتبه إلى ظواهر عديدة في ساحة التحرير، منها موت الطيور في الساحة، فكتب قصيدته " طائران هادئان":

متنا معا

ليس من أجل الجشع

أو من أجل النبل

مثل الإنسان

متنا كعصفورين

حافظا على طيرانهما

حتى اللحظة الأخيرة

  • وعاد دوشانيت آنيل لقصيدة الشاعر الطيب بالإنكليزية.
  • الشاعرة رسل أحمد.. طوال الوقت كانت في الساحة.. في المقدمة.. عرضت صورتها وهي في الصفوف الأمامية.. كان من الصعب الاتصال بها، قالت الشاعرة جاوي، لكنها أرسلت قصائدها مكتوبة، رسل جريئة ومجازفة، شجاعة.. هي من مواليد 1995 من بغداد.. الكل يعرفها ويحترمها، وتواصل جاوي: عندما قررت مع كاثرين ترجمة قصيدتها والشعراء الشباب، تعذر التواصل معها بعكس زملائها فهي قد اختفت جراء التهديد.. ثم انقطع الاتصال بها.. أصيبت بالرصاص الذي يستخدم بصيد الطيور (الصجم)، أجريت لها عملية، أحييها أينما كانت. ولعدم وجود تسجيل لقصيدة رسل أدعو الصديقة حياة المراني لتقرأها بالعربي:

" ديستوبيا"

كنت أفكر بجدية وسط الساحة

عليِّ الآن أن أطير

لا يوجد توحيد للوني هنا

لكنهم سرعان ما أطلقوا النار

على آخر أغنية

كنت أود الطيران معها

بسلوك منحدر

تحيطني الديستوبيا

  • إيف راسل تقدم من المنصة ليقرأ بالإنكليزية قصيدة رسل أحمد.
  • الشاعرة الشابة سما حسين أصغر الشعراء عمرا وكانت قد نشرت ديوانها الأول، عندما تم الاتصال بها كانت منشغلة بجمع قصائد زملائها.. وعملت بجد على طبع ونشر كتاب لمجموعة الشعراء وقد تبرعت السيدة الجابري بتمويل هذا الكتاب ونشره على حسابها في دار "أفتوريا" باللغة العربية.. واختيرت في الأمسية واحدة من أهم قصائدها، تتحدث فيها عن العراق بعنوان " خريطة هندسية جديدة":

ذات يوم

سأقف

بشعر مفتوح يغطي الوطن

بأساور ناعمة صنعت من عشبه

بأغان تنزل من شفتيّ

دافئة على صدره

لأحقق النبوءة عن الشهيد القادم

لديّ أجنحة كثيرة آكلها

وخلخال كبير أهز به الطيور

ولأن أحمل لافتة وأحتج

أفضل أن أحمل وردة وأفوح

سأحبه

بلا رصاص، بلا غاز مسيل، بلا مولوتوف

فحكمة الله حين خلق العراق ذكرا

لنحبه بأنوثة

كبيت وردي

  • شكرت كاثرين طلبة كلية الدراما البريطانيين لمشاركتهم في الأمسية وتضامنهم الحماسي مع شعراء ثورة تشرين العراقيين ودعت الطالبة تامار كي لقراءة قصيدة الختام لسما حسين.. واختتمت الأمسية المتميزة التي لم تشهد لندن مثلها، بأغنية بالإنكليزية أنشدت لشباب ثورة تشرين وساحاتها وللتك تك.
عرض مقالات: