بمناسبة الذكرى الأولى على وفاة العلامة السيد محمد حسن الأمين، كتبت الصحافية بادية (هاني) فحص عبر حسابها على فيسبوك مادة استذكارية، في التالي مقتطفات منها:
“على شرفة بيتنا الواسعة في كيفون، كانت شمس المغيب ضيفة مجالسنا، كنا ننتظر انحدارها التدريجي نحو البحر، لنستدرج بعضنا بعضا إلى مجلس الشعر... ولا يكتمل المشهد، إلا بوصول السيد (محمد حسن الأمين) كان السيد كما الشعر، زين مجلسنا، ننتظر مجيئه في نهاية الأسبوع، لنقرأ عليه ما حفظناه من قصائد لشعراء يفضلهم كأبي، ننهي نوبتنا الشعرية بسرعة، ثم نجلس متلهفين، لنصغي إليه، كيف تنقلب القصيدة أكثر مهابة وجلالا، بصوته...
… كان السيد شاعرا، كتب أعذب الشعر، وكان شاعرا أكثر، بطريقة تفاعله مع القصيدة، كان يلقيها بيديه وقلبه وعينيه، بنبرة تضفي عليها بعدا حسيا، تزدحم فيه الإشارات، وتتسع الرؤية، وتعلو وتهبط موجات الصوت كأنها تتنقل فوق سلم موسيقي، وتنتشر رائحة الفصاحة، فيغمغم الجالسون: الله الله... في الأسفل، تلمع بيروت الغارقة في وحول الحرب الأهلية، مثل قصيدة يتيمة، والبحر يضحك لها ولنا، وفوق، على الشرفة الجبلية، تتوهج عينا السيد، مع قصيدة للمتنبي على البحر الطويل، وأخرى بالعامية لسعيد عقل، وثالثة من جواهر الجواهري..
... كنت أنا الطفلة الدانية من الثماني سنوات من عمرها، على خصام مع الجواهري – شيء غارق في السوريالية - كان أبي مصرا أن يحببني به، وأنا كنت صغيرة جدا على تذوق شعره، فأدخلني إصراره في خصام معه أيضا، وكان السيد محامي الصلحة… في ذلك اليوم، تجهزنا لإلقاء قصائدنا، كان عليّ أن ألقي قصيدة “فلسطين الدامية” لخصمي (الجواهري)… كنت قد أوهمت أبي بأني حفظتها، لكنني لم أفعل، وحفظت قصيدة أخرى، لشاعر مجهول، لم أعد أذكر اسمه، عثرت عليها في بريد القراء، في واحدة من المجلات الكثيرة المنتشرة في بيتنا… وقفت وكلي ثقة باختياري وألقيتها، وما زلت أغيبها حتى اليوم…
...أنهيت القصيدة، والصمت مخيم على الجالسين، لا ثناء، لا أحسنت، الكلمة المرافقة دوما لمجلس الشعر، ثم، انفجر الجميع بالضحك، حتى هطلت دموعهم. إلا السيد، لمحت عينيه تبتسمان لي، وأنا أوشك أن أبكي، فهدأ روعي، ثم أدناني منه وربت على كتفي وقال لي: “أحسنت يا حلوتي…أعجبني اختيارك، أريد منك في المرة القادمة، أن تحفظي “يا دجلة الخير” وهي لخصمك أيضا - الجواهري” ثم ألقاها أمامي بطريقته السحرية، فأدمعت وأدمع… مولاي الحلو، كما لاذ الشاعر بدجلة، ألوذ بهذه الذكرى، من ظمأ الشوق وقسوة الفراق. مولاي، يا جميل الصوت والروح والقلب والمحيا، تحية لك في ذكرى رحيلك الأولى، خسارتك لا يعوضها شعر ولا عمر…”