تعال

ثقبك، مع ثقبي في الحب

هكذا تكبر بيننا قطرة المطر

ونعوم عرايا..

إلاّ من مسامات جلودنا الرثة

رزيقة بوسواليم فراشة أمازيغية تتمتع برقة شاعرية متماهية مع أكثر التفاصيل الخرافية التي تجمعنا في الأسرّة والغرف المغلقة والمحكمة الستائر بعيداً عن البصّاصين أو ما يدور خلف كواليس الجنسانية. شاعرة من بلد الكاهن الشهير القديس (أوغسطين) الجزائري الأصل والمولد والذي حدد الجنس للإنجاب فقط مما أثار جدلا عظيما آنذاك أوساط الغرب حتى أسقطه فلاسفة وكتاب معاداة الكنيسة ومحبي الحياة بلا رتوش مزيفة نزولا الى كاتب رواية (عشيق الليدي تشاترلي) البريطاني ديفيد هربرت التي واجهت اعتراضاً شديدا من الكنيسة لتناولها موضوعة الجنس والرغبات بشكلها الفاضح الى الفيلسوف الفرنسي (ميشيل فوكو) في أواسط القرن العشرين الذي أباح الجنس وأصبح مثلما نراه اليوم في بلدان الغرب في الشوارع في القطارات في الباصات في أي مكانٍ يجمّله الحب والحب فالأريج لا يمكنه أن يصبح ماتعاً الاّ بزفير التقبيل والعناق . أصبح الجنس لديهم من أنه (علِم الجنسانية) الذي يتوجب دراسته بإتقان بعد إن كان رومانسية حالمة لدى الرومان ورغبات لدى العرب.

رزيقة شاعرة التهمت المعرفة الجنسانية ثم نفثتها كرسالةٍ في أهواء عواطف الفتيان وهم يقفون على ناصية من شارعٍ جزائري كما جنتلمان لإلفات نظر إحداهن. لم تنصت الى المراثي والطقوس المفعمة بالكآبة والحزن والخوف فكل هذه عبارة عن ترّهات تدخلُ أحد آذاننا فتخرج من الأخرى، ولذلك نراها تبحث عن العاطفة الحسية التي تدق أسفين وجودنا العاطفي والغرائزي في آن واحد. ألفت نفسها منزلقة الى عالم التأمل والى صوت الحرية الذي يتردد في سماء العالم المؤلم، تتقافز نبضات قلبها على همسات الأمل والتمني، تتيح لمشاعرها فرصة الانطلاق لتبدع، لترى، لتتجاسر، لتكون شجاعة.  رقصتْ التانغو مع قصائدها كثيرا وتعالت موسيقاها وظلّت تغني طالما هناك رغبة وحرية تحيطان بها وعلى مقربةٍ من أصابعها اللهيب. هي تريد أن تقول لنا سأبقى حيث الهوى لأن الأشرار بلا هوى.

رزيقة في ديوانها (أصابعٌ تصلحُ للقرمشة) ابتعدت عن التلقين السائد ورموز الكهنوت فكانت تحرص أن لا تستذكر مفاهيم كل شيء يؤدي الى سجن الجسد أو التحكم به وإخضاعه للعِنان. انها شاعرة في أقصى غايات الكرامة العاطفية التي تجعلها في دوامة من الذهول والانبهار واللذين تحولا الى إدراك وفهم عاليين لمعنى الحياة وكيفية استغلالها قبل فوات الأوان. تنظر للبعيد بحلم بسيط، صورة الانعتاق من سهم التربص لا تزال تتوهج في عينيها، صلبة كالتماثيل وكل حركة فنية إبداعية فيها تثير البهجة في نفوس الآخرين وكأن لها نشيد أممي رائع بلحنٍ لم يدخل عالم الموسيقى بعد. مرحة عذبة حين تسوق لنا مفاهيم السرير والعناقات والقبل التي تريدها المرأة وتستعد لها مع حبيب عليه أن يكون حليقاً مشذباً لشاربه كما جاء في أحد جمالاتها:

أفكر

فيك

في آخر مرة حلقْت فيها شاربك

ولحيتك

تحت طلب قبلة مستعجلة

معقمة باللَّهفة والوخز

صوّرت لنا المرأة وكإنها عروسة جزائرية بكامل حلّتها وحليها، سواءً بالزي الجزائري الفولكلوري المعروف أو بفستانٍ قصيرٍ مع حمالة سباغيتي رفيعة فتبدو لنا مثل الثمار الناضجة في أعالي الشجر فعليك أيها العاشق النبيل أن تتسلّق بعناء كي تعرف ماهي خبرة القطاف. رسمت لنا معنى القبلة التي يطلقها الفم ذلك الأحمر المشقوق من لحمٍ ودم، له من الدلالات الجمالية التي تبهج النفس، ففي الفلم الصيني التاريخي والرومانسي (شهوة حذرة) الذي يتحدث عن المقاومة الصينية آنذاك.  راحت إحدى الممثلات الشهيرات في بداية الحرب العالمية الثانية تدخن سيكارة أعطتها لها صديقتها لغرض التجربة فأخذت نفساً واحدا منها ورمتها وإذا بأغلب من كان موجوداً في المكان يتلاقف السيكارة ويأخذ نفساً منها بمشهدٍ فكاهي مهلهلٍ، لأنّ السيكارة هذه قد ضاقت الفم الجميل لهذه الممثلة وطبعت شفتيها عليها. هذا هو معنى الفم الذي تنطلق منه كل قبلاتنا في لحظات الهيام فهو اللقطة الأولى لبدء الحب قبل أن نخلع أرديتنا حتى تتوالى اللقطات العارية، يعني بقبلةٍ تبدأ لذاذتنا وتنتهي بقبلةٍ أيضا ففي نهاية كل شوط جنساني نرى الفم يذهب بنا لنطبع قبلة خفيفة وكإنها التهاني على الممارسة اللذيذة التي انتهت تواً.

يحدثُ أنْ يمشي القلبُ على قشرة موز

فيسقط فيك

تُمسكه

ذراعك وتخفيه في غابة صدرك

يا حبيبي.

رزيقة بوسواليم في هذا الديوان تناشدُ فتح الحدائق لا الصوامع كي تمتليء الأنوف بعطر بنفسجةٍ يحملها كل من عشق واكتوى وأهداها لمحبوبته. افتحوا الجنائن كي ننطرح على عشبها أنا وهو ونغمض أعيننا وكإننا لا نرى الأنام فنبدأ في فصل مطارحة الغرام في الطبيعة الأم التي خلقتنا عراة بأبهى صورنا أول الخلق. فعلام يكون الزيق المفتوح من صدرها تابوهاً عنيفاً في أمصارنا العربية البائسة. لم لانطرح فكرة النساء الذكيات من يعزفن على الطرقات إيقاع أغاني الهداوة بسيقانهن وأثدائهن النافرات وأردافهنّ الناتئات.

الشذرات النصية لرزيقة نراها منسكبة على التصاق شفاه من نحبها بأفواهنا حتى نحس بشفاهها المترعة بالتحريض. أما الأصابع لدى رزيقه التي اتخذتها موسومية لديوانها فهي انطلاق أول حريق الحب، فلحظة دس الحبيبة كفها في ثنيات كفوفنا يسري الجحيم والكفر الحلو الرصين كما مصلٍ في دمائنا ليداوي علّة في أبداننا حتى يطال القلب وهنا سيكون الوجيب صارخاً ويقول: أنني أحبكِ يا بنت الأوادم، يا سليلة الشهوات والرغبات، فارتطم بصدري لو انزلقت ِمن قشرة مجتمعٍ قاسٍ لا يرى الجمال، بيدَ أنه يمارس الرذيلة في الخفاء. الأصابع هي رمز القريحة الشعرية مثلما قالها اليوناني الشيوعي يانيس ريتسوس (من أطراف أصابعي ينساب نهر). أما في الحب إذا ما أرادت إحدى محبوبات الجنس اللطيف أن تتوغل في ملاطفة الحبيب فتقول لهُ (لا تلتهب / بأناملي سألهبك).

دمي يغلي

قلبي يغلي

جسدي الفوهة

وأسفل مني بركان نشط

رزيقة هنا وكإنها تُلقي على القاريء وعلينا درسا في المُثل الجنسانية ، سواء كنا فقراءً أو أثرياء فكلنا على طاولة التمسيد واللذاذة سواء ، إنها حقا اشتراكية الخَدر في خدورنا لاكما كانت أيام زمان مضى حيث كان الفقراء في زمن الإسلام الأول لم يجدوا نساءً ، فيستغلوا فرصة ذهاب المرأة لقضاء الحاجة حيث كان يتطلب الأمر ذهابها متوغله في الصحراء وهناك يغتصبوها بينما الأثرياء يستطيعوا أن يجدوا المئات من النساء أما الفقراء فيتحولوا الى قطاع طرقٍ ووحوشٍ وتأبط شراً ، فشددوا عقوبة التحرّش بالنساء لكي يحافظ الأغنياء على نسائهم من الاغتصاب . وبعدها جيّشوا الشبيبة الى الغزو والغنائم كي يحصلوا على النساء الحلال في كل غنيمة، حيث يقول لهم دعاة السلطة والمال اغتنموا بنات الأصفر يعني بنات الروم. هذا يعني أن الأمر بات اقتصاديا وتجارياً مقابل التضحية والفداء من قبل الفقراء بأرواحهم وعوائلهم في حروب الغنائم المتكررة.

رزيقة بوسواليم أجادت بشكل منفرد ومختلف كثيرا عن الآخرين وهي تغوص في مفاهيم الميثولوجيا اليونانية (الأيروس) Eros إله الحب هذا الإله الذي تقارب اسمه لاسم العضو الذكري لدى العرب. حتى تذهب رزيقة بعيدا وتحاكي الرب نفسه وتأسف من أنه أقل خبرة في آيروس الأنوثة وفق المحاكاة الأفلاطونية مثلما نقرؤها أدناه:

الآن أطلب عشقا على مستوى جسدي

وموقدي الذي يعوي بين فخذيّ

كل ليلة

وأنا أضرب على مؤخرتي

ألعن

وأشتم

يوم خلقتني بصدر ناهد

ولم تخلق رجلاً كفّاه على مقاسِ

نهديّ المسعورين.

 سرد شعري ومسرحي جنساني وكإنه نابع من غرف النوم الزجاجية التي نرى في دواخلها وبشكل واضحٍ غرائب الجنس وأوضاعه ووسائله وهسيسه ومائه وملاءاته وأعضائه وشقشقياته وشهواته وكل تنهيدةٍ أُطلقت وأناخت في آناء الليل والفجر لتصنع مشهدا عارياً لجسدين خلقهما الرب من روح شيطانية لا تعرف معنى للحياة الاّ إذا شبعت اللذة واسترخت أفخاذ النساء كي تفتح ثقوبها أمام سيف الطعن اللذيذ في ألمه ، وهات هات يا ليل مزيداّ ومزيداً من التشابك الجسدي اليوتوبي النواعمي المثير للجدل كما في اللوحات العالمية لإيغون شيلي وكل الزخرفات التي جغرفت أجساد النساء في الكنائس الإيطالية القديمة

والمتاحف التي صوّرها المبدعون الرسامون أيام الواقعية السحرية والرومانسية على غرار ديلاكروا وغيره.

ليعرف أنِّي الساقية

 كأس غرام

 كأس ملام

كأس زهر

والورد مفضوح شوكُه بين الفخذين إلى معالجة السر

 رموز التابوهات استطاعت رزيقة وبشكلٍ عابر للتصور أن تجعلها قديسة بل درة الدرر لا يمكنك أن تقل عنها من أنها فاضحة و خادشة للحياء بل تظل مندهشاً لهول الوصف الذي يجعل الثيمة او الشذرة الشعرية وكإنها إمرأة باكرٌ مازالت تنتظر فض غشاء بكارتها وهذا ما يجعل القاري سعيدا هيّاما لفعل وتطبيق ما كتبته رزيقة. النضح الشعري الجنساني لديها لا يعرف الترميز والتشفير ولم لا، حتى في أزمنة الإسلام البائدة كان الجنس موجوداً وعلنيا فكان الخليفة العادل (عبدا لله بن عمر) يذهب لسوق العبيد ويشتري الجاريات فكانت الناس تراه علناً ومجاهرة وهو يتحسس عجيزتها وثدييها فهي بضاعة معروضة ويتوجب عليه فحصها قبل شرائها. يعني أنه كان يعطي لنفسه الحق في أن يشتري إمرأة كي يتمتع بها أو يغتصبها لأفرق وهذا ما ذكرته أغلب كتب التأريخ الإسلامي. ولذلك رزيقة كانت مدركة جيداً أنّ هذا النوع من الطرح الجريء هو ليس جديدا على ثقافات أسلافنا لكن هناك من ركنه في رفوف المنع لغايات في نفوسهم ثم جاءت رزيقة لتعطيه نكهته الإنسانية الحالمة بتهذيب الحب والتأمل الجنسي لتلاقف السعادة بين إثنين قد توافقا على المضي في التنهد الباذخ، لا كما هو معروض في سوق النخاسة وأماكن الرذيلة:

يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع في الجـــــــــــــــــــــــزء الثانـــــــــــــــــــي