(ألتيه) قصص ٌمفتوحة على قراءات متعددة.
بالنسبة لي قررتُ الدخول إليها من باب النسوية،
أعني التوقف عند حضور المرأة في القصص..
لاحظت ُ أن المرأة تتوسط صورة غلاف المجموعة: امرأة شعبية متحررة اقتصاديا فهي تدير دكانا تسترزق منه وتعيل عائلتها.
في القصة الأولى(كورونا الحر اللاهب) تتألق المرأة السيئة السمعة بدورٍ إنساني نبيل، حيث تعين بائع الغاز الذي نفق حصانه بسبب الشمس اللاهبة
وهي تنادي الواقفين (شباب ساعدوا الرجل بدفع العربة خلفه فالجو حار وهو منهك/ ص8) يمتثل الشباب لندائها ويساعدون الرجل. خلافا لذلك كان موقف مؤذن الجامع وحارس الجامع فهما لا يحسنان إلاّ اصدار الأوامر وبكل تعالٍ لبائع الغاز فهما يأمرانه أن يسحب الحصان النافق
هنا اتساءل: أن جائحة كورونا جرت في 2020 وكل باعة الغاز صاروا يتجولون لبيع الغاز أما بمركبة (هاف لوري) أو (ستوتة). أما بائع الغاز صاحب العربة والحصان فهو كان متوفرا في شوارعنا في سنوات مضت، لكن المؤلف الدكتور يسر حمود، ربما استعمل العربة والحصان في قصته من أجل تجسيد لحظة إنسانية، وكيفية التعاون بين الجميع، والمرأة السيئة السمعة تفوقت إنسانيتها على الآخرين
في قصة (الغرفة الرابعة) المرأة تتفوق على الرجل بموقفها الطريف الجميل الحريص على التماسك الأسري، فالزوج والزوجة حين يكون التحاور بينهما ساخنا ويوصلهما إلى قطيعة مؤقتة. أما سبب التخاصم فهو ضيق الشقة ، فتبحث الزوجة عن شقة من أربع غرف.. ولما يستغرب الزوج بخصوص الغرفة الرابعة تجيبه زوجته (سنسمي هذه الغرفة ب (غرفة الزعلان) فأي منا حين يغتاظ من صاحبه، فبدل من أن يترك البيت بحثا عن مأوى، لديه الآن غرفة جاهزة ليعتكف بها لأي مدة يشاء/ ص12)
في قصة (قائم بلا مقام) نكون أمام امرأة مثالية تكاد أن تكون نادرة الوجود،(لم تتذمر زوجته يوماً، حين يعود للبيت فارغ اليدين../ 31) فهي تعرف زوجها وسخاءه وحبه للفقراء...
كل هذه النساء في كفة والبطلة (أم حسن) في كفة، فهي ثكلى مفجوعة بولدها وهي بطلة حقا لقصة (الجسر).. ولدها (حسن) فقدته بالتظاهرات وها هو شقيقه (حسين) يواصل السير في طريق الثورة نفسها وهذه المرأة (المسكينة تخاف على زوجها مثل خوفها على ولدها) وعلى حد قول ابنها حسين(أمي لم يجف جفنها يوما منذ استشهاد أخي حسن، لذلك هي خائفة علينا أنا وأبي/ 40) هل ستعيش أم حسن لو علمت كما اخبرنا السارد أن حسين سيستشهد؟ وكيف ستعيش أم حسن الثكلى مرتين؟ أثناء انتفاضة تشرين؟ الثكل ربما سيكون مصحوبا بالترمل فزوجها،شرطي مسالم ضمن القوات المتصدية للمتظاهرين..
في قصة (النقال وساقي الورد).. الأم تحاول أن تعين جارتها في وقت المساء فالجارة أرملة تعيش وحيدة بعد زواج ابنتها وهجرة ابنها البكر
والأم في هذه القصة كما يصفها السارد (لم تتذمر من مصاعب الحياة، أو تشكو من أمرٍ ما، وكانت كثيرة الشكر لربها لأن عافيتها وصحتها وصحة زوجها وأولادها بخير../52)
في قصة (ألتيه) يقود الزوج زوجته إلى المستشفى بسبب ارتفاع نوبة السكر لديها.. والزوجة رغم مرضها تحاول رعاية صحة زوجها.. السكر سببه، حين قرر ولدهما مع زوجته وطفله الهجرة فالوطن ليس في أمان .
ما يحدث في نهاية القصة، غير مسار القصة فالزوجة لا يشكل ارتفاع السكر : خطراً عليها ، بل الزوج بسبب الاخبار القادمة عن المهاجرين سوف يسقط ميتا.
في قصة (أنهم يقتلون الحياة) البارز في القصة هو الأب، والأم محض هامش مهمل سرديا يرد ذكرها على لسان طفلها الصغير ،أثناء مكوث الاب ورفقته في مخيم الصيد(قفز محمود من نومه فزعا، حين سمع ولده (ولي) يبكي في الظلمة وينادي(ماما)..
في (الصورة الرطبة) المرأة (أم فوزي) من الثواكل وأبو فوزي يداريها بكل حرص، أم فوزي تحتضن صورة الشهيد فوزي وتسقيها دموعها وأم فوزي تشارك في التظاهرات، لكن استشهاد فوزي حرمها من نعمة التظاهرات
لذا فهي تواصل البكاء لأنها لم تسطع المشاركة الان (لقد اشتقتُ إلى الساحة التي فيها أصدقاء فوزي ورفاقه، يهتفون ../94ص)
من خلال هذه القراءة الوامضة : تكشف لديّ الدور الفاعل للمرأة أثناء . انتفاضة تشرين وكذلك المرأة المبادرة بدور اجتماعي كما هو الحال في(كورونا والحر اللاهب) و(الغرفة الرابعة) لكن قراءتي لم تعثر على الشابات اللواتي شاركن في التظاهرات وتعرضن للمخاطر الجسيمة التي وصلت حد القتل..!!
من جهة ثانية يمكن أن أرى في القصص وسنوات كتابتها أنها بمثابة طواف قصصي حول ما جرى ويجري لحد الآن والقصص بأسلوب فني تدين ما يجري من ظلم ضد العائلة العراقية.
* ورقة المشاركة في امسية ملتقى جيكور الثقافي الثلاثاء/ 1/ 2/ 2022