ما أن نذكر اسم او مصطلح المدينة يتبادر الى ذهننا البيت والقرية والناحية والقضاء ومن ثم المدينة، لان الوحدة الاساسية للمدينة هي البيت ومن ثم تأتي المميزات الاخرى التي تضفي على الموقع السكني مصطلح (مدينة) وهي أكبر من قرية لا بعدد البيوت فقط وانما بالميزات التي تمتاز بها، مثل الخدمات وتلبية احتياجات مجموعة كبيرة من الناس الذين يقيمون بموقع محدد بحاجة الى عدة مرافق وخدمات مثل الطرق، والمدارس للأطفال، ودور العبادة لعدد كبير نسبيا من الناس الذين يقيمون بموقع واحد، والادارة -البلدية- التي تنظم الشؤون العامة مثل الحراسة من اللصوص والاعداء والحماية من هجوم الحيوانات الوحشية، وخدمات رفع القمامة والازبال، وانشاء قنوات ومجاري لتصريف مياه الامطار والمياه المستخدمة لمستلزمات البيوت من غسيل ملابس واستخدام مياه الصرف الصحي، وايصال المياه الى الساكنين بالبيوت والتي كانت مستخدمة حتى اواسط القرن العشرين في العراق وهي نقل الماء عن طريق السقاء الذي ينقل المياه اما عن طريق حملها بقرب محمّلة على ظهور الحمير أو ينقلها بنفسه على ظهره.

ورغم صعوبة تقدير عدد سكان المدينة السومرية، الا انه يتراوح بين عشرة الاف وخمسين الفا، ونستطيع التخمين من خلال الساحات وبعض الطرقات معرفة ان شوارع المدن كانت ضيقة، متعرجة وغير منتظمة، الجدران العارية العالية تنـتصب على جانبيها، وهي غير معبدة وغير مستوية ولا توجد فيها مجاري تصريف مياه، والسير فيها اما على الاقدام أو على الحمير.

البيت السومري بيت صغير يتكون من طابق واحد، مشيد من الطين - اللبن - ومن عدة غرف حول فناء الدار.

أما أغنياء السومريين، فعلى الاغلب يسكنون في بيوت ذات طابقين، ويشتمل على مجموعة من الغرف، مشيد بالطابوق المفخور، ومطلي الجدران بالجص الابيض من الداخل والخارج.

يتكون الطابق الارضي من غرفة استقبال، مطبخ، حمام، غرفة أو قاطع لإقامة العبيد، وأحيانا معبد خاص.

أما اثاث البيت السومري فيتكون من مناضد واطئة (تختة)، وكراسي ذات ظهر (مسند عالي)، وسرير له إطار من الخشب. الاواني مصنوعة من الطين والحجر والنحاس والبرونز.

السلال والحقائب مصنوعة من القصب والخشب، وتفرش الارض بحصران من القصب، والجدران تغطى بالجلود والافرشة الصوفية.

مدفن الأسرة

عادة ما يكون مدفن الأسرة تحت المسكن، مع إنه في عصر مبكر كانت هناك مقبرة خاصة للموتى خارج المدينة.

يعتقد السومريون إن روح الميت ترحل الى العالم السفلي، وتستمر الحياة هناك بشكل ما كما هي فوق الارض، لذلك دفنوا مع الموتى لوازمهم، مثل الاواني والاسلحة والمجوهرات، كما دفنوا مع بعض الملوك رجالهم وعبيدهم ومحظياتهم وعرباتهم.

المعابد والفنون

عُرف السومريون بمنحوتاتهم التي كانت منذ عصور مبكرة (حوالي 2600 قبل الميلاد) تجريدية وانطباعية، وتظهر تماثيل المعابد لتلك العصور القوة العاطفية والروحية، ولكنها تفتقر الى المهارة في الشكل. أما المنحوتات في العصور المتأخرة فهي متطورة جدا من الناحية التقنية ولكنها تفتقر الى التعبير والالهام الذي تمتلكه التماثيل الاصلية، كما أظهر الفنان السومري قدرة في نقش الاشكال على الالواح والجرار والاواني.

من تلك المنحوتات والنقوش استطعنا معرفة قدر كبير من المعلومات عن هيئة السومريين وملابسهم، فالرجل إما حليق اللحية أو له لحية كثة وشعر طويل مفروق من الوسط ويرتدي تنورة تغطيها احيانا عباءة طويلة، فيما بعد أخذت الدشداشة (القميص الطويل) مكان التنورة وفوقها شال طويل يُحمل على الكتف الايسر ليترك الذراع اليمنى حرة.

أما النساء فيرتدين ملابس طويلة تغطيهن من الرأس الى القدم ويتركن الكتف الايمن فقط عاريا، وشعرهن عادة ما يفرق من وسط الرأس ويلف الشعر بعصابة تُـلف حول الرأس، وفي المناسبات الهامة يرتدين غطاء رأس مزين بالخرز والاشرطة.

حل السومريون في مناطق شرق دجلة حوالي الالف الرابعة قبل الميلاد ولم تتحدد مناطقهم الاصلية بالضبط وهناك دلائل تشير الى انهم في طريقهم الى بلاد الرافدين استوطنوا لحقبة زمنية غرب إيران (بلاد عيلام).

وانهم حين استوطنوا بلاد الرافدين كان لوصولهم تأثير كبير في نهضة ثقافية بالاشتراك مع السكان الاصليين كان لها صداها العظيم في تاريخ الحضارة البشرية.

البيت السومري

من اجل القاء نظرة على البيت السومري وكيف كان يعيش المواطن السومري خلال آلاف السنين الماضية لنتجول في مدينة جنوب نهر الفرات، مدينة أور الشهيرة.                                                        

هناك آثار باقية ورقم والواح طينية منقوشة تدل على ما نريد معرفته من معلومات عن تلك البيوت والمساكن.

لقد تمت المحافظة على مساحة من الارض تقدر بـ 8000 ثمانية آلاف متر مربع من البيوت والطرق التي اكتشفت من قبل السير ليونارد وولي Leonard Woolley

في الشتاء يغمر الطين الطرقات، وفي الصيف يلفها الغبار والازبال التي ترميها البيوت تنتشر على جوانبها، لا أحد يجمعها وينقلها، ومع ذلك فهي مثيرة، فالبيوت مشيدة دون تخطيط، بسيطة، لا شبابيك لها وأبوابها صغيرة وهناك بعض الدكاكين التي تشكل سوقا.

القليل من الناس يتجولون في الطرقات فهي ضيقة جدا، لا تتسع لمرور العربات، حتى الحمير التي تحمل الاكياس تسير بصعوبة فيها.

حمالون صغار، سقاؤون، مشاة يتجنبون الشمس بالسير تحت ظلال الجدران، وفي المساء يقف الرواة يرددون القصص فيتجمع حولهم نفر من المارة. خلال النهار تخترق الطريق مجموعات من الطلبة الصغار في طريق ذهابهم وعودتهم الى المدرسة.

عندما تدخل الى أحد البيوت ستندهش لبرودة الدار، وهو مريح وأكبر مما يبدو عليه من الخارج.

بعد غسل أرجلنا في حوض ماء ندلف الى الداخل فنلاحظ الارض مرصوفة بالبلاط المفخور وفي وسط الدار مجرى لمياه المطر، جدران البيت مطلية بالجص الابيض والبيت مشيد من الاجر المفخور وحول البناء دعامات من الخشب تقسم البيت الى طابقين، الطابق الارضي للخدم والزوار، والطابق العلوي لصاحب الدار واسرته.

وفي الطابق الارضي المطبخ، المخزن، صالة الضيوف- الديوان- والمغاسل.

لا شك ان اثاث البيت لم يعد موجودا الان، وعادة يتكون من كراسي وأسرّة ومجموعة من الافرشة والوسائد.

هذا الشكل من البيوت منتشر في جميع المدن مثل اور وبابل رغم اندثار الحضارات السابقة وتغير اللغات والديانات والعادات، إلا اننا نشاهد هذه البيوت مازالت مشابهة للبيت السومري، سواء في دمشق أو حلب أو بغداد.. الخ

ظل هذا الشكل من بناء البيوت قائما منذ آلاف السنين لأنه أفضل بناء ملائم للمناخ ولأساليب عيش السكان، لكن هذه البيوت البابلية فقدت شيئا كان لها، وهو رواق ضيق نصف مسقوف في معبد البيت الذي يحتوي تمثال الاله الذي يبجله مالك الدار.

في ذلك الرواق يقبع أيضا- سرداب- مدفن الاسرة الذي تدفن فيه جثث الموتى أما الاطفال فيدفنون في جرار فخارية في مقبرة المعبد خارج المدينة.

إن الادوات والاثاث الذي اكتشف في البيوت يلقي ضوءً هاما على مهن أصحاب تلك البيوت، على سبيل المثال مدير المدرسة يسمى إجميل - سن Igmil- Sin   يعـلّـم الكتابة والدين والتاريخ والحساب.

عدة ألواح ورُقـم عثر عليها تبين الجدول المدرسي والعمل المطلوب والعقوبات، بعض الالواح تبين رغبة آباء الطلاب بحصول أبنائهم على علامات ودرجات نجاح عالية واستعدادهم دفع الرشوة للمعلم مقابل ذلك.

تدل الاثار على ان الطبقة المتوسطة لسكان المدن السومرية كانوا يعيشون في مستوى اقتصادي جيد ولكن انتقال الحكم الى بابل وسط العراق أدى الى تدهور الحالة المعاشية لتجار اور وضعف مركز مدينتهم.

ورغم قوة سلطة حمورابي المركزية واستمرار القوة الاقتصادية والسياسية لبابل نحو عقدين، إلا ان حروبا جديدة اندلعت في البلاد وأدت الى تغييرات كبيرة لم تؤثر على بابل فقط وانما امتد تأثيرها الى بلاد الرافدين وشملت الشرق الاوسط أيضا.

ملاحظة: الصورة تخطيط لبيت سومري، معبد الاسرة في الجهة اليسرى من الصورة وتحته سرداب مدفن الاسرة.

المصادر

Inanna , Queen of Heaven and Earth by*

 Diane Wolkstein and Noah Kramer,UK.London 1984

 

Ancient Iraq by Georges Roux,London1964

عرض مقالات: