الحركات العلاماتية: مدياتها أوسع من كل اللغات وأسرع في الوصول إلى كل الناس، وهي اللغة الوحيدة التي لا تحتاج الى مترجم أو قلم وأوراق. لغة مباشرة ينطقها الجسد وتتلقفها العين ويدرك معناها العقل:

رفع السبّابة والأصبع الوسطى : علامة النصر.

تكوير القبضة ورفع الإبهام : للموافقة،

  وخلافا لذلك حين يكون الإبهام للأسفل.

ولا ادري هل تم ذلك بالممارسة والاتفاق العفوي؟

وهذه اللغة غير المنطوقة تجعل التفاهم مع الصم البكم ممكناَ

 ومن خلال هذه اللغة الجسدانية التضامنية على مستوى الأسرة أحيانا

فمن خلال هذه اللغة نعرف احيانا ماذا يريد الضيف كما يعرف الضيف الجواب من فعل جسدي للمضيف كما يحدث في الكثير من الحكايات المتوارثة في قصص الشعوب، ومازالت حتى اللحظة يتم التعامل بها مثل المصافحة والتقبيل بأنواعه: قبلة على الرأس تعني الاحترام والتقدير، قبلة على الجبين تعني العطف والحنان، قبلة على الخد تعني المحبة.. وغيرها. كما للمصافحة لغة تفسر حسب عدد الاصابع وقوة القبضة. وهناك حركات لا ارادية يقوم بها الجسد يفسرها العلماء المختصين: لغة تتبادلها الارواح كفعل جسدي ورد فعل. مثل الوقوف مع الاخر وميل الجسد نحوه او الابتعاد عنه.. وايضا اثناء الحديث او الحوارات، وضع الكف الايمن على الكف الايسر يعني ان المتحدث يستخدم عقله في الحوار والعكس يستخدم قلبه وعاطفته.. وغيرها.

وقد أكد الدكتور هيس عن اكتشاف جديد في هذا المجال حول

(التوسع غير الواعي لبؤبؤ العين أثناء مشاهدة العين لشيء مبهج) ..  ويرى يوليوس فاست :(يمكن للغة الجسد أن تشمل أية حركة انعكاسية أو غير انعكاسية، إما لجزء من الجسد أو لمجمله، يستخدمها المرء لتبليغ (إيصال) رسالة شعورية موجهة إلى العالم الخارجي).. لكن تفكيك الشفرة يخضع للاختلاف الثقافي والبيئي بين الناس.

وجاءت لغة الجسد في القرآن الكريم:

 فسجدوا إلاّ أبليس أبى / 116/ طه

أسجد واقترب/ 19/ العلق

أشارت إليه، فقالوا كيف نحدث من كان في المهد صبيا / سورة مريم

وجوه يومئذ باسر / 24 / القيامة

ثم أدبر يسعى /24/ النازعات

فاخلع نعليك / 12 / طه

لا تمشِ في الأرض مرحا/37 / الاسراء

أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا / 40 / آل عمران

وأحيط بثمره فأصبح يقلّب كفيّه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحداً/ 42/ الكهف

وأضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى/22/ طه.

معجميا: يخبرنا(لسان العرب) لأبن منظور(الجسد: جسم الإنسان، ولا يقال لغيره من الأجسام المتغذية/ ج4/ ص92) لكن الرازي في (مختار الصحاح) يرى (الجسد يأتي بمعنى الهيأة أو اللون) تتجاور مع لفظة جسد ألفاظ أخرى مثل : البدن / الجسم (فاليوم ننجيك ببدنك َ لتكون لمن خلفك آية/ 92 يونس.

ولا تطلق كلمة: جسد لغير الإنسان. إذن هي لفظة أنسنة حصريا

أما (البدن) فهي لما علا من جسم الإنسان.

وهناك أثنية الحركة الجسدانية:

(1)         راقصة البالية تريد أن تتماهى في بياضها الحركي مع زرقة السماء.

(2)         الرقصة المولوية تحاول الشيء نفسه ترسم من نغمة نقطة ً وتخط الدوائر موسيقية جسدانية حول النقطة صعودا إلى نقطة لا يراها سوى الراقص.

(3)         رقصة الزيران تحاول استخراج الضر من الجسد البشري مستعينة بالبخور والإنشاد وأثنية الكف والدف.

(4)         الرقص الشرقي يتحكم بأنوثة الجسد ويبث رسائله للغريزة الذكورية.

من جهة ثانية هناك منظور آخر يرى:

هناك نساء ماهرات في لغة الجسد، وهن متطوعات في تدريب سواهن على ذلك والسؤال الضروري كما ترى الباحثة المتخصصة بالدراسات الجندرية الدكتورة سوسان جرجس:(متى تخرج المرأة من تماهي صورتها مع جسدها؟ متى تعي هويتها كإنسان لا ينفصل جسده عن روحه وفكره؟.

 كما أن للغة الجسد مستويان:

المستوى البراني الظاهر: هي لغة جسد الآخر التي توصل لنا تنويعات من الرسائل.

المستوى الجواني المحسوس الذي تبثه أجسادنا لنا وحدنا، مثل: رفة عين او رفيف شفة وحركة كتف وكذلك حكة باطن الكف، وحكة باطن القدم.  كل هذه رسائل فسلجية لفعل استباقي.

الجسدانية: مفهوم معاصر عبارة عن محاولة في تفهم الجسد / الذات بنظرة أوسع قوسا ودلالةً.

للجسد ثروة طائلة من الأقنعة في مقدمتها: الابتسامة: تحصن الوجه من الاختراق، وتستفز الخصيم، وتغيض الحاسد، وهذه البسمة خصبة في التأويل فهي :

الاعتذار والصفح والثقة بالذات ولا ننسى الابتسامة الصفراء التي لا تسر الناظرين.. ولغة الجسد يناصبها العداء: ذلك العنف الرمزي وهو يتحصن بأنظمة الوعي الجمعي والمؤسسات.

.............................................

استفدنا من:

(1)                  القرآن الكريم

(2)                  لسان العرب لأبن منظور

(3)                  مختار الصحاح للرازي

(4)                  د. هجران عبد الإله أحمد الصالحي / فكرة الجسد/ دار الفرقد/ دمشق/ ط2/ 2014

(5)                  يوليوس فاست/ لغة الجسد/ ترجمة عادل كوركيس/ دار نوافذ/ دمشق/ ط1/ 2010

.....................................................................................

المقالة منشورة في مجلة (همس الحوار) دورية ثقافية مصدقة من قبل المكتبة البريطانية في لندن.. العدد الخامس عشر، تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢1

عرض مقالات: