متيما بقامات الشجر والنهيرات الصغيرة، كم تستهويني هذي الخضرة والغصون وبساتين العشب، مدين أنا للغابة المهيبة، تكاد تجاور داري، مؤخرا فطنت لذلك، وبالذات حين أنعشتني ريح رطبة.
سأبكر هذا الصباح نحو فضاء الصنوبر، قريباً من نبض الشهيق وتفاصيل الزفير.
سأدخل مجتازا عتبات الجنة، هامسا للحمامة الوديعة، أدعوها لقبول حيرتي ولجوئي لدفء جنحيها كعاشق نبيل، عساني أصير ريشة ناعمة وخفيفة، وسادتي غيمة في الأعالي، غافيا محلقا وسط الأزرق، ولو لبرهة زمن، ولو لبرهة ..
قالت النحلة توبخني: من أين أتيت، وكيف دخلت لروح الغابة وباب السور لم تزل موصدة ؟؟
ولا حيلة لي سوى موافقتها، ملوحاً بكفي تومئ بالطاعة، صغيرة بدت تدلت منها بعض مفاتيح مرصعة بنقش مواعيد عشق سالفة ومندثرة..
سأعذر حتما ساعي البريد الصباحي الذي أجهل ملامحه، أفزعني بحزمة إعلانات، كان رماها كحجارة عبر فتحة بابي الواسعة، يا للخيبة ..!!!.. ظننتها رسائل غرام متأخر لحبيب نائي بعيد، ربما كتبها فوق صفحات دفتر بلا أوراق في ليلة ممطرة..
مثل قطار استهوته السكة، هكذا اذن تدحرجت سنوات العمر، وما عليك سوى انتظار فصول الحكاية وطقوس النهايات، منصتاً لحكمة النهر.
وليس بعيداً عن ما جرى، في غفلة نهار أشهب، فترت الجذوة وبهت وهج الياسمين، وفض هدير المهرجان، ويا للحسرة..
لا زلت أذكره مساء الخميس الرتيب، وأنت تمضين في وئد مسرعة بثوبك المطرز بوردات الأصفر، غير مكترثة لنحيب البنفسج، صوب رحلة أخرى مفترضة ومصطنعة..
لا أدري كيف بدت أصابعك الفضة، وهي تحز رقاب ورود النافذة، عابثة بما تبقى في حقائبنا الأليفة المبعثرة، من رسائل عشق قديم، ترنحت مشطوبة دون اكتراث كديون معدومة..
يا لجرأتك في انضاج الحماقة، متجاهلة صراخ الستائر في صمتها الهائل..
كل ما خلفته الحسرة صورة لحفيف ثوبك وللسعات النيران زادتها الريح جنونا، ولكثير من رماد الملل تسلق سنادين ورودنا، ويا لهولها.. سنادين ورودنا بدت حزينة وموحشة وباهتة لا تشبه الزهر...
متعبين ثقيلي الخطوات، هم ندل الحانة مسرعين لإطفاء آخر مصابيح صالة الرقص التي بدت فارغة، مؤذنين للزبائن الوديعين بالانصراف.
فوق طاولة الروليت وعند الرقم الصفر، مترنحا بين ضجر الأمكنة وعذاب اللاقرار، في لحظة نحس، أفرغ الزبون الأخير ما تبقى من جيوب جاكيته الأسود ..
ويله ذلك المساء الحزين، أدله صوب تخوم العرافات والطلاسم مولجا عتمة التيه..
ليوم السعد يطل مضيئا من ثقب الخيبات، لمواسم ورد وندى، لواحات فرح وناي، للحظات حميمية أفتقدها كثيراً، ستمطرين يا غيمتي المنتظرة، وستعشبين بالندى واحات الروح..
29 أيار 2021..