الشاعر الراحل محمد مهدي الجواهري مجد ثورة تموز وقائدها الزعيم عبد الكريم قاسم وقال فيه:

جيش العراق ولم أزل بك مؤمنا        وبأنّـكَ الأمــــلُ المرجّى والمنى

عبد الكريم وفي العراق خصاصة      ليــــــدٍ وقد كنت الكريم المُحسنا

وكان الزعيم عبد الكرم قاسم زاره في بيته في الايام الاولى للثورة وحظي بمكانة كبيرة وانتخب رئيسا لاتحاد الادباء ونقيبا للصحفيين. وهو الذي عرفه والتقى به في لندن اواسط الخمسينات ويقول عنه (كان عبد الكريم قاسم يعرف الانكليزية وشيئا من التركية والكردية وقد وصفه أحد المراسلين الصحفيين الامريكيين الذين عرفوه فقال إنه زعيم غريب في البلاد العربية) المذكرات ج 2 ص 182

ولكن الرياح لم تجرِ بما تشتهي السفن فتغيرت بوصلة الاحداث السياسية وحدث خلاف وجفاء بين الزعيم عبد الكريم والجواهري ما اضطره اللجوء الى جيكسلوفاكيا عام 1961. وقد فصل ذلك الخلاف في مذكراته.

 من بين تلك الاحداث يشير الجواهري الى اعتداء وقع عليه في الكرادة الشرقية من قبل رجال الامن نقتبس منه الاتي:

(على جانبي الطريق من يضايقني في ذهابي وايابي، وأكثر من ذلك فحتى عندما صبغت ثيابي بالدم وأنا أرمى بـ (نشابة) في الكرادة الشرقية نفسها من أحد قناصة جهاز- مجيد جليل - ... مذكرات الجواهري ج 2 ص 271)

 وكان قد وصف هذا الحادث في رسالة اللجوء التي قدمها للسلطات الجيكوسلوفاكية بقوله (رميت بسهم حجري..) راجع الرسالة التي نشرناها حول الموضوع *.

اضطراب الحياة السياسية

كانت هذه المضايقات سببا لمغادرة الجواهري العراق الى لبنان ومن هناك الى براغ عاصمة جيكوسلوفاكيا حينذاك، نلاحظ وصف الجواهري لما حدث وكأنه معركة البسوس في الكرادة الشرقية لشدة معايشته الشعر العربي الكلاسيكي وتأثره بلغة الشعر القديمة. فالكرادة الشرقية محلة مزدحمة ضيقة الازقة والطرق لا تتناسب ومعركة بالنشاب والقنص الذي يشيع في بوادي العصر الجاهلي. اما عبد المجيد جليل فهو مدير الامن العام في عهد عبد الكريم قاسم، أعدم بعد انقلاب 8 شباط. يكتب عنه عقيل الناصري في مقال له منشور في الحوار المتمدن ما يلي:

 (عبد المجيد جليل وأقطاب أمنه لا هم لهم في تقاريرهم سوى تأليب السلطة على الناس، لاسيما على الشيوعيين واعتماد الشدة والعنف ولا سواهما في فرض سيطرة الحكومة، وكأن ذلك هو العلاج في تصفية المعارضة..... واغتيل المئات معظمهم من الشيوعيين والبارتين، وكانت أجهزة الشرطة والأمن تهمل التحقيق في جرائم الاغتيالات ولا تتعمق فيها،) **

نستنتج من هذه الاحداث ان جهاز الامن لم يكن مساندا لثورة الرابع عشر من تموز، لأنه ظل تحت ادارة رجال العهد الملكي وأغلبهم من الكارهين للثورة والتغيير الذي حصل في العراق، وكانت ممارساتهم ضد القوى الوطنية تثير مشاعر الكراهية والشعور بالظلم من نظام الحكم الجديد لكي يشتد سخط المواطنين على النظام وتصبح الارضية الشعبية جاهزة لقبول تغيير النظام الجمهوري.

عداء الشيوخ لثورة تموز

كان عداء رجال الدين لثورة تموز سافرا وعلى الاخص من كان منهم مستفيدا من الاقطاعيين الذين تزعزعت مراكزهم بسبب صدور قانون الاصلاح الزراعي ويذكر الجواهري سببا جليا لعدائهم للثورة في مذكراته ج 2 ص 216 (كانت للشيوخ - رجال الدين - حصص كثيرة مما كان يسمى بـ (خيوط ذهبية) من المزارع التي تخصص لهم من الاقطاعيين.. فقد كانت قطع من الارض تخصص وارداتها لهذا الشيخ أو ذاك.. وقد قطعت عنهم هذه الحصص بموجب قانون الاصلاح الزراعي الذي لم يلتفت الى هذه الناحية وحرموا المورد الاول بل الوحيد لهم ولمن معهم).

رغد الحياة في براغ

عاش الجواهري واسرته الكبيرة في براغ نحو سبع سنوات وحصل الابناء على زمالات دراسية في البلدان الاشتراكية وأشاد الجواهري بالاهتمام والرخاء الذي عاشه في براغ وكتب عن ذلك في مذكراته ص 293 (أما من الناحية المعاشية فقد كنت فيما يشبه الرخاء بما أغدق على اتحاد الادباء - التشيكي - من آلاف الكرونات - عملة التشيك.. وفي ص 297 يضيف، كانت الفترة التي عشتها في براغ فترة عـز ودلال ... كانت نهاراتي وبالأصح كانت نهاراتنا تنقضي بأشهى ما تكون وسط ألطف الاجواء وأمتع اللقطات، وسط جمالات براغ وتستمر حتى منتصف الليل أو قبيله أو بعيده.. وفي ص 299 (مما أعتز به دفتر صغير الحجم، كثير الاوراق استمر عندي طيلة سنوات عديدة في براغ، أسجل في كل صفحة منه كل يوم من أيام الشهر ما تسوقت به. ففي صفحة منه على سبيل المثال كان مجموع مصروفاتي لهذا اليوم خمسين كرونا أي ما يساوي دولارا).

ومعروف تأثير براغ على مسيرة حياة الجواهري فخلدها بقصائد عصماء مثل بائعة السمك، وفي براغ نظم رائعته يا دجلة الخير يا أم البساتين.

* رابط رسالة الجواهري:

https://akhbaar.org/home/2020/11/277247.html

* * ينظر مقال للدكتور عقيل الناصري

 https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=685429

 

عرض مقالات: