الراحل حنّا إبراهيم كتب في حياته الشعر والقصة القصيرة والرواية والمقالة النقدية والسياسية، وفي كل ذلك كان له باع طويلة.  

وبكل كتاباته وتجاربه الإبداعية نجد حنّا إبراهيم يكتب بكل العفوية والتلقائية والشفافية والصدق، من القلب إلى القلب، ومن نبض الشارع وواقع الناس وتجربة الحياة العريضة العميقة، وحكمة جيل فلسطيني عريق عاصر الأحداث الجسام، وكان شاهدًا على العصر، وعاش المأساة والنكبة الفلسطينية بتفاصيلها الدقيقة. فهو يترجم لنا خلجات ونبضات قلبه وإحساسه وأفكاره وفلسفته ومواقفه السياسية والاجتماعية والشخصية، ويصور هموم وقضايا شعبنا الوطنية، وينقل لنا مشاهد من كفاحاته ونضالاته في سبيل الحرية والاستقلال. 

وقد صدر لحنّا إبراهيم في المجال القصصي :  أزهار برية (1972)، ريحة الوطن (1979)، الغربة في الوطن (1981). بالإضافة إلى مجموعته القصصية الرابعة " هواجس يومية " الصادرة عن مطبعة المشرق في شفاعمرو سنة 1989، التي ضمت بين غلافيها أحدى وعشرين قصة قصيرة، وأهداها " لأطفال لم يبلغوا سن العشرين"، وهؤلاء هم أطفال الحجارة وصناع الانتفاضة الشعبية الفلسطينية، وتدور قصص المجموعة حول أحداثها، وتصور الجندي المحتل المشبع بالكراهية. 

وما يميز قصص المجموعة واقعيتها المتناهية، فنحس كأننا نشاهد ونرى أمامنا ما يحصل في أرض الواقع عن طريق السرد، ما استدعى حنّا اعتماد اللغة العامية الشعبية التي تتواتر فيها، وتصل أحيانًا حد المباشرة. 

وقارئ المجموعة يلح عليه السؤال الهام في العملية الإبداعية، وهو: هل يشترط أن يعيش الكاتب الأحداث ليكتب عمله القصصي، إذ أن القصة تفترض وجود تفاصيل كثيرة. ولعل راحلنا حنّا إبراهيم لم يعش في قلب الانتفاضة، إلا أنه عايشها، وأستطاع أن ينقلنا إلى أجوائها وتفجرها في عدد من قصص المجموعة خصوصًا في قصته الأولى " العلم "، إنه حب الأرض والوطن والإنسان. 

وتتسم قصص حنّا إبراهيم بمجملها أنها واقعية، تستمد أحداثها وشخوصها من أرضية الواقع الفلسطيني المعاش ومن البيئة الشعبية الاجتماعية، وليس أدل على ذلك لغته بلهجتها العامية المحببة والقريبة إلى ذوق القارئ. 

إنها قصص تمتزج فيها الوثيقة بالعمل الأدبي الفني وحرارة التجربة التي عاشها، وطغيان عنصر السرد عليها. 

وبالإضافة إلى قوة السبك، استطاع حنّا أن يتميز بالتكنيك القصصي، الذي يتعدى محاولة السرد والوصف، والمواضيع التي يتطرق إليها محددة بشكل واضح، وملتقطة بما يدور حوله، ولذلك فقد تتسرب الفكرة الواحدة في أكثر من قصة تتم معالجتها من خلال أحداث مختلفة.  

ونخلص إلى القول، حنّا إبراهيم كاتب قصصي بارع مهموم ومسكون بالهاجس الفلسطيني، قصصه مستلهمة ومستمدة من واقعنا وحياتنا اليومية، ويقدم لنا من خلالها مشاهدًا وصورًا ناصعة البياض للمقاومة الشعبية والصمود في الوطن والتمسك بتراب الأرض والأمل بالقادم والآتي. 

عرض مقالات: