الشعر..ايحاء وترميز ينتجان معنى جمالي هدفه تحقيق المتعة والمنفعة للمستهلك(المتلقي) من خلال الغوص في ابعاده المشهدية التي تشكلها جمله الشعرية بالاعتماد على النسق الحكائي ولغة يومية واساليب بلاغية وتقنيات فنية....

والمنداثيون الذين عاشوا على شواطيء دجلة لضرورة دينية جعلت منهم منعزلين مجتمعيا ومنتجين ابداعا مهنيا وعلميا وادبيا بحكم استظلالهم الاشجار وخضرة الطبيعة التي اثرت فيهم تاثيرا كبيرا فتظموا الشعر وتحديدا الابوذية وابدعوا فيها وفي صياغتها حتى انهم خلقوا طورا خاصا غناه الصابئة امتاز بحزنه المستدر للدموع اطلق عليه طور(الصبية)..وقد كتب اغلب الشعراء الشعبيين من الصابئة فيه منهم(عزيز كاري وسوادي واجد ودرباش غافل ولميعة عباس عمارة ومنصور خيطان وعوده منصور خيطان وناصر خشن وغيرهم..

وهذا صوت الشاعر سوادي واجد (عم الشاعر عزيز كاري)..

قرينا الطلسم بصدرك بهنداس

يشع بليلة الظلمة بهنداس

ايتخطه وچتن جعوده بهنداس

تحفظ لا يصيرلك منيه

وللشاعرة لميعة عباس عمارة التي انشدت الشعر الشعبي  قبل ان تقرض الشعر الفصيح الموزون:

حبيبي من وره الطوفه وبص له

وريده لو عله خبزة وبص له

لعنة الله على الواشي وبص له

الفرگ روحينه الچانن سويه

فالشعراء يطوعون اللغة الدارجة المحكية في نصوصهم..مع توظيف الصيغ البلاغية (الجناس والمجاز..) فيقدموا نصا(سهلا ممتنعا) مستفزا لذهنية المستهلك (المتلقي)..وداعيا لاستنطاقه وكشف ما خلف الفاظه من معان ودلالات..

لقد تناولت الابوذية اغراضا متعددة لانتمائها الجنوبي وتأثرها بشعرائها كالشكوى من الزمان وفقر الحال والعوز المادي..كما في قول الشاعر عودة منصور خيطان:

زماني شمرد أردنه ميرد

العمر بفلاس من يكضي ميرد

اشبصرك بالذي گاعد ميرد

هِدِم مامش ولا وزره عليه

 اما ما قيل في الزمن فهو الكثير.. فهناك من عاتبه بكلمات ايقاعية ذات مغزى عميق مؤثر بتوظيف رموز الطبيعة (الليل والقمر والنجم والشمس الهور والقصب...).

طول الليل ساهر بس امني

ولا ساعه الليالي بسه مني

ويحك يا زماني بسمني

اشبگه عندي وبعد تفتر عليه

حتى انه في مرة اجتمع عوده منصور وسوادي واجد وناصر خشن واتفقوا قول الشعر في الزمان..فقال عوده:

على النيات ون ون يازمنه

 على احباب اليزنه منهم يازمنه

لون ينطي ابوها يازمنه

جمل معكول ويحمل عليه

وقال سوادي:

يشيب الطفل منه يازمنه

وچم صاحب بصاحب يازمنه

چنت تطوي الفيافي يازمنه

گلي اشعطلك وعثرت بيه

اما ناصر خشن فله:

العقل يحتار منك يا زمنه

ويكفينه الوصل منك يا زمنه

مشيت بطرق شته يازمنه

اخبرني اشوگفاك وخنت بيه

ومن المفارقات التي عاشها عودة منصور..انه عندما ارتحل من المجر صوب العزيزية صاحب احد وجهائها. وقد اعجب بشخصه وشعره لذا كان كثير التردد عليه متمتعا بما يحكي على مسامعه..ومرة اباح له بسر كان يشغله اذ احب احدى النساء لجمالها وقولها الشعر لكنه لم يجلب انتباهها بسبب كبر سنه..فطلب من عودة كتابة ابوذية تفيض بصدق العاطفة وخالية من اي اسم..فقال عوده:

وديعه لعد غيرك لا تدعني

او عد اللي يغثني لا تدعني

اموتن بشتياقك لا تدعني

عبد عبدك اخذني اومن عليه

وعلى اثر ذلك تحقق المطلوب بعد استيعابها وفهمها المضمون وكانت الموافقة والزواج..

عرض مقالات: