لا يستقيم الامر عندما ننظر الى الرواية كونها مصدرا للمتعة والتسلية فقط، لأن بعض الروايات قد تسبب لنا القلق اكثر مما توفره من حالة النشوة والفرح، وهنا تبرز اهمية مصطلح (القارئ الوهمي) الذي تحدث عنه "غيبسون" الذي يشبه (من يسترق السمع لمحاورة تدور بين الطرفين!) بينما يرى "جيرالد برنس" بإن الروائي الجيد هو من يفترض ان يكتب روايته الى (القارئ الحقيقي) وليس القارئ الوهمي – قارئ نص فقط- بل يتعدى القارئ الحقيقي كونه يمسك رواية ويقرأها ، الى من يجعله النص يراجع نفسه وسلوكه ليصل الى ما اصطلح عليه (استجابة القارئ للتأويل) يقتصر دورالنقد بالتعليق حول النص لبيان كفاءته وموضوعيته! ورواية (لماذا تكرهين ريمارك؟) للروائي "محمد علوان جبر" الصادرة من دار الحكمة - لندن، توفرفرصة التأمل والتأويل لأنها كتبت بلغة مبطنة حديثة واعتمدت التنويع في مستويات السرد مع التلاعب والتداخل بالزمان وتغير المكان، انها رواية مشاعر الحب وقسوة الحرب والفراق والغربة والتمسك بالمكان، كان الروائي حريصا أن تكون للكلمات معاني، وهو لا يتعامل مع قارئ مبتدئ بل يبحث عن القارئ الخبير الوعي ليستوعب ويفهم ما تتضمنه سردية "لقد تلوثنا بقذارة لا نعرف كيف نغسلها، قذارة متحدة بالهوام الخارق للطبيعة، لسنا نحن وحدنا، وليس البيت، وليست المدينة، التي تلوثنا، بل أن العالم أجمع هو الذي تلوث".
استخدم الروائي عنوانا بصيغة السؤال وفيه كلمة مستفزة هي (الكراهية) وهو يقصد بها (انها المحبة وليست الكراهية) يأتي التفسير اولا حينما يهدي (برهان)الى (هالة) مجموعة من الروايات ، برهان الذي اتخذ من بيروت مكانا لأقامته ، يسترجع ذكريات علاقته العاطفية بزميلته بالعمل (هالة) حينما تطلب منه بعض الروايات "حدثتها عن الحب في زمن الكوليرا، وأبله دوستوفسكي، وفيما بعد بإسهاب عن ريمارك ...فهمت أنها لم تستطع أن تستوعب..كرهت كثيرا قسوة رواية "كل شيء هادئ في الجبهة الغربية" لكنها أحبت ""للحب وقت.. وللموت وقت" .. وأنحازت جدا إلى الحب في "ليلة لشبونة" وقالت لي "ريمارك عاشق كبير سحقته الحرب!"
محمد علوان مغرما بالكاتب والروائي الالماني (ريمارك) ويجعل اسم اللوحة التي رسمها لحبيبته (هالة) بالعنوان
نفسه ولينصح صديقه (أكرم) وهو يكتب سيناريو لفيلم عن العنف في العراق.
هذا الروائي له خاصية سردية ، في ظل تعدد مستويات السرد وذلك بالانتقال من ثريا الفصل الاول الى الذكريات الجميلة، وهي التي لم تجد في بيت زوجها الذي لم يدم سوى 5 اشهر ليخرج الزوج صباحا ولم يعد، لذلك كرست حياتها وحبها لأخوتها ومن ثم للأهتمام ورعاية صديق شقيقها (اكرم) الذي تعرض الى انفجار وفقد احد اطرافه ، انها تعودت على سياق يومي لا يتغيير بإنتظار عودة او زيارة شقيقها برهان من بيروت الى بغداد بعد ان ترك العراق بسبب مضايقة اجهزة الامن له ولأفكاره اليسارية اتي دفعتهم الى نقله من وزارة الثقافة الى مخازن وزارة التجارة، ليكون مسؤول مخازن بعد ان كان رساما ونحاتا"كان يعتزم العودة اليها، بعد غربته الطويلة"
قد تكون بعض مواضيع الروايات متشابه او مكررة وتختلف بالمعالجات الفنية، لكن الروائي "محمد علوان جبر " أختار موضوعا جديدا ومعالجة فنية حديثة من خلال تعدد وتنوع مستويات السرد والتداخل بين الأزمنة ومحاولة كتابة (رواية داخل رواية) عن طريق السيناريو .
لقد منح الروائي شخصياته حرية مطلقة، حتى انني اعتقدت بإن الحبكة قد تفلت من السارد وقد يتوهم القارئ بإن ما حدث هو من واقع الاحدث بالرواية بينما يكتشف بعد حين بإن ما يقرأه من احداث ما هو الا سيناريو لفيلم (القطاف المر) وتظهر شخصيات مثل (ناصر جواد)و(عامر ديوان) والدكتور "يوسف محسن " وشبيه الرئيس بوش الطيار "بول جوزيف" الذي "ارسله بوش الى العراق كي يتخلص منه بحادث لا يختلف كثيرا عما كان يشاهده في أفلام اكشن الأمريكية" وقبل ان نشعر بالملل من هذا الفصل ،"تكلم بول جوزيف "بدأت أحس من الملل إلى حد الهوس وشعور حقيقي بالاختناق" كنت اتمنى لو لم يكن هاذ الفصل موجودا في الرواية ، وان الروائي قد تخلص من هذا المحور (ناصر وعامر وبول) نهائيا! اكتشف بعد ذلك ان تلك الشخصيات ليست واقعية أنما هي شخصيات سينمائية لسيناريو يكتبه (أكرم عبد الرحمن) وتتفاعل معه سميرة اليعقوبي حتى تشعرنا بالقلق من خلال عدم قدرتها بالاتصال به ، وتتصاعد الدراما في الفصول التي تأتي بعد هذا الفصل(11، 12، 13،14) خاصة بعد وصول (برهان) الى بغداد والتي يراها "جميلة وهادئة" لكن اكرم يشرح له الوضع في بغداد "هو ساكن هادئ ، لكنه سرعان ما ينفجر في برهة... ملثمون يفجرون الجسور وأمريكان يهدمون مباني مهمة في المدينة، عناصر مسلحة تقول إنها تحارب امريكان فيما يفجرون أنفسهم وسط عمال المساطر!!.
في الرواية تبدأ من المكان والزمان لتنتهي عند الشخصيات (خراب أضافه الأمريكان إلى خراب الدكتاتورية.. تحولت إلى شوارع من غبار وممرات لدخان الحرائق والحروب. صارت غابة من سيطرات الطرق ..)
لماذا تكرهين ريمارك؟ سوف تبقى شخصياتها تداعب مخيلة القارئ لزمن طويل، ويشترك القارئ مرغما في التدخل بمصير تلك الشخصيات ويتمنى لو ان الروائي قد فعل بها ما يرضي فضوله وتوقعه."صمتت سميرة اليعقوبي وفي عقلها كانت تضج الكثير من الأفكار والصور، أفكار عن نهاية أو نهايات مفترضة، تفاصيل حياة عريضة وواسعة، تركت عرضة لأفكار مجنونة حملها رجال ملثمون لا يجيدون إلا السخط والجبروت وعن قوة عسكرية عملاقة تمارس وهي تسير في شوارع المدن التي تدخلها ثقافة الخراب".