الشعر بحد ذاته..فكرة ورؤيا ابداعية خلاقة..وهذا هو مقياس النص الشعري الذي نسجته انامل الشاعرة احلام الزيدي ..والذي يقوم على اساس جمالي قوامه اللمحة الفكرية التي تكشف عن حالة نفسية تعاشر وحدتها فتتأمل وجودها القائم على المتناقضات وتشكيلاتها في بناء عوالمها الشعرية بلغة تشكل وسيلة تبليغ وغاية في حد ذاتها والتي تعمل المنتجة(الشاعرة) على تفجير قدرتها التعبيرية والانزياحية كي تكشف عن وظيفتها الجمالية المستفزة..المحققة للمتعة والمنفعة الفكرية بتساؤلاتها..
شرد اكلك..
يلمشيت بلا وداع
ولا وصية
اوسافرت
وضيعت وجهك علي..
وآنه من بعدك ضعت
ابذمة الله..والمحنة وياك شالت...
من شلت
وتدري بيه..ما لي حيل اعله الفراك
ونته بعيونك شفت
شلون كلبك طاوعك تتخلى عني
وبيه ابد ما فكرت.
فالقصيدة في بنائها الفني تقوم على الاسلوب الحكائي الذي يعتمد على الحدث والشخصية والحوار الذاتي(المونولوجي) الذي هو (حوار الذات والنفس) ببناء درامي متماسك في جو من التخييل والمجاز..فحلقت المنتجة(الشاعرة) في افق الصورة الشعرية بمناجاة ذاتها والآخر عبر بنية نصية درامية تعتمد التكثيف والتركيز والاختزال الجملي..مع تدفق خيالي محرك للمكنون السردي النامي ونمو الحدث..مع توظيف الفنون الحسية والبصرية والمكانية لخلق عوالمها الشعرية..باعتماد خطاب الذات ومناخاتها للتعويض عن الغربة التي تحس بها..فكشفت عن رؤية شعرية تعلن عن واقع يغلف الوجد الذاتي بحزن وقلق يشعرها بالاغتراب المجتمعي..
اظل اشتاكلك.. وجيك لهناك
وشوف آثار جدمك..ما اشوفك
ياريت المكان يشيل وياك
وعوف الروح يوم البيه اعوفك
ياوحشة مسيتي بغير ملكاك
اذكر بالموادع علي خوفك
يا شاطي الامان منين مرساك
شما اكرب علي تبعد جروفك
فالشاعرة هنا تحقق مشهدا سيميا يصور الاشياء التي تؤثث المكان وتستنطقه بصفته دالا اشاريا.. وتلفه بالحزن من خلال امتلاكها قدرة الحلول فيه واتخاذه بؤرة تتمركز فيها همومها..
أمر من الصبر يا يوم فركاك
وحله امن الشهد لمسة جفوفك
اظل لآخر محطة بعمري اهواك
وعيوني غفن بس عله طيوفك
مع استثمار التداعي والتفاصيل اليومية لاضاءة بعض العوالم المعتمة بالفاظ بعيدة عن الضبابية والغموض..مكتنزة بدلالاتها انسانية..
بعيونك شفت موج البحر خذني
اخذت الحبل مني او بيدك تهدني
وبنص البحر ما بي الوح الكيش
روجه تشيلني يم روجه وتذبني
وصيح لعالي صوتي اعليك يفلان
الحد كطع النفس يالما تجاوبني
فالشاعرة تتخذ من الطبيعة ملاذا لخلق صورها الشعرية التي هي اداة كاشفة عن جوهر التجربة من جهة والمحققة للذات موضوعيا من جهة اخرى..والتي تتخطى الحسيات الى افق الرؤيا بمخاطبة الوجدان بلغة الفكر المتشظي.. باعتماد تقنيات بلاغية(استعارة/ مجاز..)..اضافة الى توظيفها الفعل الدرامي الذي يأخذ ابعادا نفسية واجتماعية تؤطر النص المزاوج بين لغة الجسد والروح(وحله امن الشهد لمسة جفوفك)..
حبك يعيش اويه النبض...ما ينسي
ليرة ذهب ما ينصدع
او نارك ابد ما تنطفي..حدر الضلع
سرك بشريان الكلب ما ينحجي..او ما ينطلع
او حزنك عويل الروح..ما ينشاف ابد..ما ينسمع
يا انت..يا طلعة كمر..عالبشر كلهم من يشع
فالنص خطاب تتجلى فيه الذات المنتجة للكشف عن صيرورتها باعادة اللحظة وبناء علاقة بينها والموضوع..مع محاولة ايجاد المعادل الموضوعي بينهما عبر لغة متوغلة في مجاهيل الاشياء مشكلة مشاهدها التي تهيمن عليها تقنية الاستذكار التي تحول الرؤية البصرية الى رؤية وجدانية مكتظة بالوجع الانساني..
وديتلك ويه الطيور الهاجرن
اعتاب ترس جفوفي ودموع وسلام
وديتلك دمعة طفل..
وبليل خوف وما لكه الحضن الي بيه يدفه وينام..
وديتلك ومضة وفه..
من حب اهلنه الفات وسنين الغرام
فالنص بعباراته المكتنزة بجماليتها المنبعثة من الفاظها الايحائية البعيدة عن الضبابية..المتناغمة والتقنية الاسلوبية والدلالية..مع غنائية شفيفة تستحضر اليومي مع امتلاكها للوعي الذاتي وحضور اجتماعي يتمثل في عطاءات روحية نامية نمو المشهد النصي المكتنز بعاطفة متوهجة..مع اندماج والطبيعة بموجوداتها.. وقلق الذات وحزنها.. بقدرة تصويرية للاشياء من الداخل والحلول فيها بقدرة متسائلة عبر خطاب الذات الآخر للتعويض عن الغربة التي تحس بها المنتجة(الشاعرة) من اجل ايجاد حالة من التوازن بينها والعالم المحيط بها..لتعلن عن رؤية شعرية تتصل بطبيعتها وتكوينها الفكري واستيعابها لحركة الواقع..باعتمادها الوحدة الموضوعية وضمير المتكلم مع ايقاع عاطفي متوهج وانزياح لغوي..وبهذا وفقت المنتجة(الشاعرة)في بناء نص يتحدث عن ذاتها المقترنة بالذات الجمعي الآخر حديثا متوازنا من خلال الصورة التي جعلت من التعبير الشعري تداولي المعنى الذي لا يخلو من حسية دلالية عن طريق توظيف تقنيات فنية واسلوبية كالتكرار الدال على التوكيد.. والذي اضفى على جسد النص موسقة مضافة..فضلا عن توظيفها لبعض الفنون البلاغية كالاستعارة والمجاز..وهناك اسلوب الاستفهام الذي اسهم في توسيع مديات النص والصورة الشعرية التي هي عملية تفاعل بين منتج (شاعر) ومستهلك(متلقي) للافكار المستفزة لذهنه والنابشة لذاكرته..

عرض مقالات: