"إن الشعر اذا هز قلبي وقلبك فهو شعر "، كما قال نجيب سرور في ايجازه للحالة التعبير ية التي تصف الابداع الشعري في أقصى حالات الشحنة العاطفية، عندما تتحول الى حقائق انسانية كشهود القلب دون العقل بلغة التصوف او بلغة الاشراقيين. وهي لحظة الابدية في احساس المبدع وطريقة مسكه بالقدرة وصياغتها في عالم الطيران والتحليق. وفي هذه المحاولة نقف لمناقشة ابداع الشعر باللغة العامية وما شكلته القصيدة الشعرية من احساسات متماسكة ضمن صياغات حديثة لعالم القصيدة الجديدة وليست التقليدية التي دخلت بقوة متميزة عالم الفلكلور اللغوي اذ حملتنا الى حالة محببة ورثها الذوق الانساني في الشعر عندما استقرت في النفوس عند المحاولات الاولى للرواد. وفي سياق المجال الشعري باللغة العامية نسوق مثالاً بارزاً من خلال مناقشة مقطع لقصيدة مطولة للشاعر المبدع" كاظم اسماعيل الكاطع "ضمن بحث مقارن محدود مع قصيدة شعرية مترجمة لشاعر مجهول في الشعر العالمي، وربما تكون هذه المقارنة محاولة خارجة عن المألوف في الكتابة عن الاجناس الادبية اي مقابلة الشعر باللغة العامية مع قصيدة مترجمة نجد الشاعر كاظم اسماعيل الكاطع يقول في قصيدته:
"احسك ساكية بلا ماي تتبعني/
امشي وهي تتبعني/
التف بالدرب تلتف على ايدي/
اتصير حيه وحيل تلسعني/
خذت سمه بوريدي ولذة بالبستان/
صيرت شجرة ويه الشجر/ نص جسمي اندفن بالكاع/ والباقي من ايديه اغصان/
صرت شجرة ويه الشجر/ سموني ابوكته شجرة النسيان/ ويمر الوكت بسكوت/ وكعد من منامي لني ما مجتول/ اثاريني جنت حلمان.. حلمان. "
اما القصيدة المترجمة للشاعر الصيني المجهول، "ذهب حثيث الثياب الحريري/ سقط الغبار على الارض/ تتساقط الاوراق/ كل شيئ هادئ/ فكيف استطيع أن اهدئ قلبي الموجع/ الذي يحن الى تلك السيدة " تميز شعر الكاطع بايقاعات متنوعة في القصيدة الواحدة والجملة الشعرية الواحدة، وبأصوات متعددة جاءت مبذولة تارة بالصيغ المحكمة واخرى متقاطعة عند حدود الوعي، الذي يرسمه، وهو عبارة عن تعبير يحمل رسالة الشاعر التي يقول عنها ايلوار، " انه يمنح الناس الرؤية " وكيف يستطيع ايصالها للناس من خلال قالب معبأ بالوعي والشفافية.
اوعندما يكون المبدع يعيش لحظة الابداع التي تتردد في سماء اللاوعي عند الشاعر وهي محملة بالأفكار والادلجة العالية ومعبأة بالهم السياسي والفلسفي معًا، نجده في هذا المقطع الذي يقترب مع النص المترجم. ثم يبتعد عنه في رسم الصورة الفنية ويسلطه على عواطفه وربما يرسم الطفولة التي هي العبقرية المستعادة قصداً عند بودلير، يبدو أن اشتداد الصورة في عالم الخيال عند الشاعر كاظم إسماعيل الكاطع تمثلت في الحالة المكثفة من اللآشعور عندما بدأ معها بالتسلسل الذي ساقه الينا وهو لا يخلو من جمالية فنية وفكرية أيضا، لقد رسم خلاله الصورة المتألقة في خيال المتلقي عند خلقه (التخييل) الذي بدونه يصبح الشاعر منغلقًا، لا يفضي الى شئ، وهي ليست مهمة الشعر ومفهومه في التأثير وهذا ما يجعلنا نحس أن الشاعر كاظم إسماعيل الكاطع أدرك موازاة الشعر للواقع عندما حقق حالة التعجب والاستغراب والاستطراف خصوصًا في هذا المقطع من القصيدة وقد جسدها برسمه للصورة الفنية بصور متعددة في الانتقال ضمن العوالم الخاصة وهي من العالم الانساني الى ما دون ذلك.
احسك ساكية بلا ماي/
اصير حيه/ صرت شجرة/... وقد جاءت بانسيابية جميلة جعلت معها عوالم العقول الخالصة والنفوس الناطقة، ثم الحيوانيةحتى تصل الى قوة النبات وجميع الموجودات، وحتى العناصر والجماد " ساكية بلا ماي" الا انه يتقاطع مع هذا التسلسل في رسم صورة الحلم الهادئ " ويمر الوكت بسكوت" "اثاريني جنت حلمان "نلحظ بذلك ان النص المترجم قد تكون من جزءين ينتهي الجزء الاول " بكل شيءٍ هادئ " ليبدأ معه الجزء الثاني من القصيدة وهو " فكيف استطيع ان اهدأ قلبي الموجع الذي يحن الى تلك السيدة " اذ لا يتم المعنى الا بكلا الجزءين معاً وكذلك مطلع القصيدة للشاعر الكاطع.
العامية ولحظة الإبداع في الشعر
- التفاصيل
- صبيح عمر
- ادب وفن
- 3440