كانت زيارتي الأولى إلى يوميات منفاه، كان السبلت ينشرُ في جو الحجرة نسماتٍ عذبةَ البرودة غمرتني بخدر غفوة.. طويت ُ منفى يانسيس ريتسوس تنازلت كفي اليسرى عنه لليمنى انسابت اليسرى.. سحبتْ طرفَ البطانية وكما الكتاب غلقتني.. انضمت لنا الكف اليمنى تاركة الكتابَ على جانب السرير..التففت متلذذة بالدفء مثل لئيم يتلذذ بنعمة في حضرت محروم، وأنا ارجع في ذاكرتي مشاعر ريتسوس من برد في قصائد تشرين.. اغمضت عيني رأيت طريقا ممدودة ً الى مالا نهاية وعلى حافتيها ورودٌ بدت أكبر من حجمها الطبيعي وعلى الطريق التقت بي وجوهٌ بدت عيونها واسعة ٌ مقعرة ٌ وقريبة ٌ جدا من وجهي.. نظرت ُ حواليّ.. كل شيء يكبر حجمه ويدنو.. وكأن بيني وبين العالم عدسة مكبرة، رفعت نظري نحو الشمس ظنا مني انها الأبعد.. رأيتُها تدخل أحدى عيني وثمة قبضة قوية لثّمت عينيّ.. ربما كانت تحاول حمايتهما مِن نورٍ يخطف البصر.. حاولت أنفلاتا من تلك القبضة صرت اسير بعينين ملثمتين بقبضة ٍ قوية ٍ.. سرت خطوات سمعت صوت .. صوت له رائحة تشرين، صوت تنبعث منه لسعات الفلف الاحمر اللاذع.. الصوت ينساب ومعه تنساب رائحة جبال الهمالايا ، رائحة المطر.. الشلال..صوت راقص في بهاء الطبيعة، صوت انثوي، لا يشبه صوت نساء بلدي، تذكرتُ حين سمعت للمرة الاول صوت مغنية عراقية.. ظننتها رجل .. الصوت الذي اسمعه الان لم تخن اوتاره رقة الانوثة، صار لدي رغبة لرؤية الصوت.. جاهدتُ في تحرير عيني من القبضة.. صحت متوجعة، شيئا ما انغرز على جانب أنفي: أدمعت عيني اليسرى بينما تحررت من القبضة عيني اليمنى وعلى صوت توجعي تحرر نظري رأيت في يدي نصف نظارة القراءة والنصف الاخر متشبث بمكانه ما يزال.. لحظات لاستيعاب ما حدث.. لفت انتباهي الصوت الذي مازال ينساب مع نسمات السبلت..ألتفت ُ فضائية بوليود تبث توابل رقصاتها.. نهضتُ، في المرآة.. لم يكن الجرح على جانب أنفي عميقا، لكنه كان يبتسم على ما حدث في فجر منتصف تشرين.