رواية "بنات يعقوب" للكاتب العراقي "محمود سعيد" تحكي عن العبرانيين وخدعتهم الكبرى وتزييفهم التاريخ وكتابهم المقدس.

الشخصيات..

دينة: ابنة يعقوب، وهي البطلة، أحبت شابا في قرية حمور، ثم تزوجته، وبعد أن أباد يعقوب وأبناؤه أهل القرية، هجرت هي وأختاها والدها وقومه البدو الرحل في الآفاق، لتذهب إلى عاصمة الشرق المشهورة بابل، وبهذه الرحلة ينفتح العالم أمامهن فيتعرفن أثناءها على حياة جديدة محتدمة بالصراع والتغيير والتطور وأمور أخرى كثيرة.

الليمون: رئيس مهندسي بابل المقرب إلى نبوخذ نصر، والمخلص، والمحبوب من قبل نظام الحكم والشعب والمسؤولين، هو الذي بنى الحدائق المعلقة وكان يقوم بعمل مشاريع كبرى أخرى.

الراوي..

 الراوي هو تاريخ تلك الحقبة بما ترك من جزئيات كثيرة لا تعد، ولا تحصى، مبتدئاً بالزمن الحاضر عبر أنفاق عدة اتخذ منها مناظير إلى الماضي تفتح أمام القارئ عالم الرواية، عبر عدة بوابات لكي يدخلنا معه في أحداث محتدمة بعضها حقيقي يدور في أواخر عهد نبو خذ نصر، ملك بابل، ودور ابنتي يعقوب "دينة وشما" وباقي الشخصيات وعن مدينة بابل وماهي عليه من حضارة وتقدم.

السرد..

السرد محكم البناء، وتقع الرواية في 594 صفحة من القطع الكبير، وتعتمد على حكاية خيالية مبنية على معلومات تاريخية مهمة، لكنها حكاية مكتملة، تصور بابل والقرى التي حولها وأحوال الناس هناك، كما تحكي عن العبرانيين أخيارهم وأشرارهم والفساد الأخلاقي لبعضهم.

العبرانيون طفيليات تسرق الحضارة وتسعى إلى الخراب..

الرواية مميزة حيث تتناول بكثير من الخيال الحياة في عهد نبوخذ نصر، ملك بابل، وتركز بشكل أساس على بعض العبرانيين الذين زيفوا تاريخ الإنسانية، وساهموا في تخريب مدينة بابل ومحو آثارها، لكي تصبح توراتهم مصدرا اعتمدت عليه البشرية سنوات طويلة ككتاب مقدس ديني وتاريخي مهم يؤرخ للبشرية.

 لكن مع الاكتشافات خاصة في القرن التاسع عشر وما بعده بدأ يتكشف للعالم زيف العبرانيين وحجمه، حيث أنه مع اكتشاف آثار كثيرة في بلاد العراق وفي مصر وفي بلدان الشرق القديم التي تميزت بالحضارة، تبين أن هناك حضارات كبيرة قامت لمئات السنين، وحين انتهت هذه الحضارات صعد نجم العبرانيين الذين زيفوا تاريخهم، وصوروا أنفسهم للعالم أنهم شعب الله المختار، وأنهم أصحاب كتاب مقدس سماوي، في حين أنهم نقلوا ذلك عن حضارة بابل التي عاشوا فيها.

أثبتت دراسات عدة أن التاريخ العبراني تاريخ ملفق، وأن العبرانيين اعتمدوا على قصص وحكايات التاريخ البابلي وألفوا على ضوئه توراتهم وأعطوا لأنفسهم عمقا تاريخيا قبل ظهورهم بسنوات طويلة، وادعوا وجود نبي يدعى "موسى" في حين أن دراسات عدة تشكك في وجوده، وتشكك في أن العبرانيين ذهبوا إلى مصر من الأساس وتؤكد أنهم ظلوا في بابل بعد أن أسرهم "نبوخذ نصر" الذي حاربهم وهزمهم، وأسر أعدادا كبيرة منهم، وبدلا من أن يقتلهم بوحشية كعادة الأقوام في ذلك الزمن في تعاملهم مع الأسرى، أبقى على حياتهم وعاملهم معاملة طيبة، ووفر لهم بيوتا في بابل، وألحقهم بالعمل في مشاريعه الكبرى التي كان يطور فيها الحياة في إمبراطوريته. وقد اندمج عدد كبير من العبرانيين في الحياة الاجتماعية في بابل، ورضوا بحياتهم الجديدة لكن بعضهم أضمر الشر.

وقد صورت الرواية أن العبرانيين الذين لم يقبلوا بالاندماج في المجتمع البابلي كانوا ينتظمون تحت قيادة رجل يدعى "دانيال"، وهو مدعٍ لنبوة جديدة، ألف تحت وطأتها، التوراة مستعينا بقصص وحكايات الحضارة البابلية، وصنع أبطالا لقومه وديانة وإلهاً، وخطط، ثم حث الفرس على مساعدته في هزيمة البابليين، وعمل على تدمير الآثار البابلية وأي شيء يحمل ملامح الحضارة البابلية حتى تصبح التوراة مصدرا وحيدا للأجيال التي تجيء بعد ذلك، فيعلو اسم العبرانيين.

ولعل جديد الرواية مركز على تصرف يعقوب في داخل الرواية، فشكله وأوصافه يختلف عما ألفناه فهو في الرواية سفاح يحرض أبناءه على خداع أهل القرى حيث يوهمهم بأنه يبحث عن مأوى، ثم يستغل غفلتهم ويقوم بقتلهم بوحشية هو وأبناؤه الذكور، ويستولي على ثرواتهم ليهديها إلى ملكهم في أورشليم، وقد فعل كثير من العبرانيين مثله، حيث كانوا يعتمدون السرقة وقطع الطرق ويستخدمون أساليب وحشية في تعاملهم مع ضحاياهم من سرقة ونهب، ثم الإبادة فيقتلون النساء والأطفال مدعين أن إلههم هو من يأمرهم بذلك حتى يكونوا هم المتسيدون على الأرض.

لكن على الرغم من ذلك رفضت بناته ذلك التصرف وتلك الوحشية، وتزوجن برجال مسالمين، يؤمنون بالأخوة البشرية، من قرية حمور التي أبادها يعقوب وأبناؤه فيما بعد، ثم هجرت "دينة" وأختاها "يعقوب" وقررن الذهاب إلى بابل، لتفقد أختها الصغرى أثناء عبور الفرات، فتبقى "دينة" و"أختها" وحدهما ويذهبان إلى بابل بعد رحلة طويلة.

 عرفت الأختان بعدئذ الكثير، ثم تعلمت "دينة" في بابل الطب في دولة تتمتع بالحضارة والرقي، وتعلمت أختها النحت، وساعدت "دينة" كثيراً من الأطفال الذين ليس لهم أهل وربتهم، وكانت طيبة ومتعاونة مع الجميع وخاصة المحتاجين، ثم بعد سقوط بابل حاولت أن تقيم حضارتها في مكان منيع حصين لا يصله مخرب، فأعدته وهربت إليه، فظل شاهداً على حضارة بابل إلى أن دكته دول التحالف في هجمتها الأخيرة سنة 2003.

الرواية تحكي عن الحياة اليومية في بابل والقرى المحيطة بها، في تصوير أقرب إلى التصوير السينمائي، حيث يشعر القارئ أنه يشاهد الأبطال وهم يستحمون في حمامات مجهزة، ويتمتعون بالحياة في القصور أو البيوت المرفهة، أو وهم يتنقلون في أسواق المدينة المزدحمة، ويحبون ويتزوجون ويمارسون حياة تتصف بالرقي الاجتماعي.

كما ترصد شرور العبرانيين وأفعالهم الخبيثة وأخلاقهم الاجتماعية السيئة، إذ لا يتورع يعقوب عن إعطاء زوجاته لشيوخ القرى التي يمر بها بهدف إبادتها، كما أن أبناءه ينتهكون حرمة والدهم ويعتدون جنسيا على زوجاته وهو يعلم ذلك.

وترصد الرواية أيضا الرقي الإنساني الذي وصل إليه البابليون متمثلا في شخصية الليمونمو، المهندس البارع الذي كان يعامل العبرانيين بود، وفكر في إعطائهم فرصة ثانية للحياة على الرغم من وحشيتهم، وكذلك فعل "نبوخذ نصر"، كما أن الليمونمو يتعامل مع الجواري بإنسانية ويوفر لهم حياة مستقلة بعد وقت من العيش معهن، كما يكره الحروب والاقتتال ويسعى إلى البناء وتعمير الأراضي وابتكار المزيد من الراحة والرفاهية للجميع. كما أشارت الرواية إلى أقوام أخرى مثل المصريين ومدى تحضرهم.

الرواية مميزة تعتمد على خيال آسر ولغة عذبة وتصوير عميق للشخصيات، ولذلك تقول د. وسن مرشد عنها: على الرغم من طول المتن السردي (680) صفحة، إلا أننا نتلمس انزياح الرتابة التقليدية في الكتاب. اما الاستاذ جلال جرمكا فيقول: لم اقرأ رواية بل رأيت فيلماً أسمع فيه صهيل الخيول وصليل السيوف.. هديل الحمام ..هدهدة الهدهد .. شحيج البغال..نقيق الضفادع ..حفيف الأشجار.. دبيب الأقدام ..خرير المياه يااااه لروعة هذه الرواية..في كل مرة كنت أحدث نفسي وأقول: ماذا تفعل إذا انتهت الرواية؟؟ كنت أرد على نفسي: سأعيد قراءتها مرة أخرى، فعن طريق هذه الرواية شاهدت وشعرت بجمال الجواري وقسوة النخاسين وعظمة الجنائن المعلقة وعدالة الإمبراطور (نبو خذ نصر)  وشجاعة قادته وجنوده والاحتفالات السنوية الباذخة ومراعاة أهل بابل ومساعدة الفقراء منهم ..وذكاء وعبقرية مهندس البلاط/ ( الليمونمو) .. دخلت معابدهم.. مشفاهم.. ومدارس ومعاهد تعليم الرقص والموسيقى والرسم والنحت وبقية الفنون الجميلة... ليست من باب الدعاية إطلاقا. ولكن اتمنى لو استطاع كل الأصدقاء أن يطلعوا على هذه الرواية الكبيرة والرائعة بكل المعاني.. وشخصيا وعن طريق حديثي قررت أسرتي أن يقرؤوها واحدا بعد الأخر.. لو لم يكن الكاتب عراقيا لحصل على أكبر جائزة عالمية بسبب بنات يعقوب.

وبالحماس والتأثر نفسه كتب عشرة كتاب عراقيين آخرين منهم صفاء خلوصي، عواد ناصر وغيرهما..

عرض مقالات: