غالباً ما يأتي الكتّاب الى الحوار بخوف وتعتريهم حالة من القلق والتوجس ، ناظرين إليه على أنه معضلة ، فيروح الكاتب يتساءل: " كيف أجعل الناس يتكلمون بصورة طبيعية ؟" " ماذا يقولون هنا؟" ماذا عليهم أن يحتفظوا لأنفسهم هناك؟" .. في حياتنا اليومية المُعاشة نتعرف على الناس عبر طرق عديدة: طريقة أكلهم، ملبسهم ، رائحتهم ، حركتهم ، اسلوب تحكمهم بأنفسهم .. فالكلام هنا أحد اكثر مظاهر كشف شخصية الفرد . نحن نصغي الى نبرة أصواتهم. هل هي مشوبة بالمرارة والألم ، هل هي تعتمل فائرة في الصدر ، هل تتأثر نبرة الكلام عندما نكون في المنزل ؟ . في بريطانيا اعتدنا غالباً على الاستماع لنبرة كلام الشخص ؛. فهي تخبرنا من اين جاء؛ وهي غالباً ما تدلنا على خلفيات اصحابها. ولأي فئة اجتماعية ينتمون . فاللهجة المحلية تختلف ، بصورة واضحة ، من حيث بناء الجملة والقواعد النحوية عن اللغة الانكليزية المنهجية . إن طريقة التعلم في معاهدنا التربوية ترينا أن كلَّ فردٍ ، سواء بوعي أو بغير وعي ، قد اختار عدم التخلي عن انماط الخطاب في المنطقة التي يعيش فيها قياساً بنوعية نبرة وايقاع اللغة المسموعة من هيئة الاذاعة البريطانية البي بي سي .
ونحن نهدف لتحديد الناس من خلال ما يقولون ، وما يتحدثون به ، وصولا الى استنتاجات حول ما اذا كنا نتحبب الى الاشخاص من الطريقة التي يمثلون فيها انفسهم بالكلمات التي يقولونها .
عبَّر دي .أج . لورنس عن ذلك في قصيدة تحمل عنوان " صوت اكسفورد " :
عندما تسمعه فاتراً ، ومتأرجحاً
ويأتي متسللاً عبر الاسنان الامامية،
تتيقن أنه صوت اكسفورد
تتبينه صوت اكسفورد في أكثر الاحتمالات .
لن تضحك كثيراً لسماعه، ولن تستطيع الضحك حتى .
تظهر هنا حذاقة لورنس وحكمته وانضباطه في القصيدة بما يتعلق باللهجة المحلية وميزة الصوت الذي ينم عن ترفع وتفوق خاصين به ... لكتابة هذه القصيدة ، كان على لورنس الاصغاء بجلاءٍ لصوت اكسفورد .. فهو يعرف ما يحدث داخل الفم وكيف تصدر الاصوات .. إنه يُسمِعنا الصوت؛ من هنا نستطيع اختبار ذلك بأنفسنا وطرح اسئلتنا حوله ؛ ومع هذا فإن لورنس لم يستشهد بصورة مباشرة ما يقوله صوت اكسفورد .أعتقد انه يمنحنا الفكرة الاولى، رأس الخيط ، في كتابة الحوار : يجب أن نستمع ؛ ويجب علينا إن استمعنا مساءلة انفسنا كيف نشعر ازاء صوتٍ سمعناه فقط .
ان بنا حاجة لمعرفة ما هو شعورنا ازاء الاصوات لأنَّ نبرة الصوت او النغمة المحددة إذا كانت بغيضة، غير محببة لنا فإننا غالباً وبالفطرة نتحول عنها، وننساها. ونجعلها مستحيلة الاستعمال، في حين ان هذا الصوت قد يعزز كتابتنا إلى حدٍّ كبير. فضلا عن ذلك فإننا بتحولنا عن سماع صوت نكرهه أو نخشاه دون تمحيص سنكون قد تحولنا عن مصدر الصراع، بينما يكون هذا الصراع كأحد الاغذية الغنية التي يحتاج اليها الكاتب في مسار حياته الابداعية. فإذا كنت قادراً على الامساك والتحكم واختبار فاعليتها في نفس الوقت فما عليك سوى اجبار نفسك على الاستماع للصوت ومعرفة ما يقدمه من اجابة انت بحاجة اليها، وعندها ستبدأ بحيازة ما يمنحه لك هذا الصوت، وكسر الصمت المخيف الذي يحيط به وعندها ستحقق، بصورة عرضية، فضلا عن صوتٍ آخر إلى مصدر كتابتك. خذ هذه الحالة مثلاً: في أحد أوقات الظهيرة وبينما كنت في الولايات المتحدة الامريكية تلقيت اربعة نداءات هاتفية فاحشة. كنت وحيدة في البيت فشعرت بالرعب إلى أقصى الحدود. وإذ اتصلت بالبوليس طلبوا مني تدوين كل ما تفوه به المتصل، وهذا ما لم ارغب به. ما رغبتُ به بعد حين هو نسيان ما حدث. ومع هذا اجبرت نفسي على كتابة ما تلقيته من عبارات غير لائقة جداً. وفيما رحتُ اكتب ذلك شرعت قوة الرعب وتأثيره يتبددان شيئاً فشيئاً. فقد احتويت التهديدات بالكلمات المكتوبة والسيطرة على الموقف. احتفظت بالورقة التي دونت فيها الكلمات. وعندما عدت الى البلاد وتناولت الحادثة بالتفكير تحولت عندي إلى قصيدة. كان من الاهمية لدي عدم جعل الخوف الذي اثاره المتصل المجهول يتسبب في اسكاتي وصمتي. لذلك عندما انتهيت من كتابة القصيدة ساورني احساس بالانتصار، ذلك أنني كسرت صمت الخوف. وعلاوة على ذلك حسبتُ أنني كتبت قصيدة جيدة لأنني كنت اواجه مشكلة مع صوت المتكلم وتأثيره، واجبرت نفسي على اعادة سماعه، في عقلي، مرة أخرى كي اخلق الاجابة المناسبة عليه ... لقد تحولت تلك المحادثة إلى قصيدة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مترجم من كتاب (الكتابة الابداعية) للكاتبة الانكليزية جوليا كاستيرتن

عرض مقالات: