يعد الشاعر كاظم اسماعيل اﻠكاطع قامة من قامات الشعر الشعبي العراقي، وله تأثير ابداعي على مختلف الاجيال، فضلا عن كونه واحداً من ابرز من منح الاغنية العراقية نكهتها المعبرة وحكاياتها الجميلة، فكانت كلماته تغنى بحناجر المطربين الكبار وذاع صيتها كأروع ما انتجته الذائقة العراقية، كما انه من الشخصيات الثقافية المميزة والمحبوبة والمتواضعة. وكاظم اسماعيل الكاطع الحمراني المحمداوي أحد أعمدة الشعر الشعبي الثلاثة في العراق إلى جانب مظفر النواب وعريان السيد خلف. وتعود جذور الكاطع إلى محافظة ميسان وهو من مواليد 1950 م في بغداد، وخريج الجامعة المستنصرية كلية الآداب قسم اللغة الإنكليزية 1974 م ويحمل شهادة الماجستير في الأدب الإنكليزي من إحدى الجامعات الهندية وهو عضو جمعية المؤلفين والموسيقيين العالميين في باريس وعضو الاتحاد العام للشعراء الشعبيين في العراق ورئيسه في دورتين انتخابيتين عام 1993 و1994. كتب الكاطع العديد من القصائد التي غناها الكثيرون ومنهم كاظم الساهر وجورج وسوف وسعدون جابر وفؤاد سالم واحمد نعمة وكريم منصور وقحطان العطار وحسين نعمة وياس خضر وحسن بريسم واشتهر بالكثير من قصائد الرثاء وأشهرها قصيدته في رثاء زوجته والقصيدة التي نظمها في رثاء ابنه الصغير حيدر الذي توفي وهو لم يتجاوز الاثنتي عشرة سنة.عاش الشاعر ضمن عائلة سياسية وعاصر أحداث 1963 وتجربة الحرس القومي مما جعله مؤهلا ليكتب قصيدة ( رسالة أم) وهي عبارة عن قصيدة على لسان أم لابنها السجين السياسي في سجن نقرة السلمان وسط الصحراء.

بعد ثورة الشعر الحديث على يد الشاعر الكبير مظفر النواب، برزت أجيال تبعت هذه التجربة النوابية تمثلت في عدد من الشعراء منهم شاكر السماوي وعزيز السماوي وطارق ياسين وعلي الشباني وغيرهم، ثم تلتهم موجة مهمة من الشعراء( عريان السيد خلف، كاظم إسماعيل الكاطع، إسماعيل محمد إسماعيل، كاظم الركابي، عبد السادة العلي، كريم راضي العماري، عبد الكريم القصاب). ثم تلتها حركة تجديد شبابية تمثلت في الشعراء (رياض النعماني، كريم العراقي، أبو سرحان، كامل الركابي، فالح حسون الدراجي، رحيم الغالبي، كاظم غيلان، جمعة الحلفي، ريسان الخزعلي، وبشير العبودي، وغيرهم ) . ويعد الكاطع من الجيل الثاني الذي شهد تحولات سياسية واجتماعية وثقافية.

ان الأهمية شيء والشهرة شيء آخر. ولكن حين تكون الشهرة نتيجة الأهمية يصح ان نطلق توصيف الشاعر، فالابداع تجربة وثقافة وموهبة، وقد توافرت هذه الشروط في الكاطع، فهو موهوب مبكرا ويمتلك تجربة سياسية وبيئية وحياتية تمتد من مدينة العمارة الى الشاكرية الى الثورة، ويمتلك ثقافة وتحصيل دراسي اكاديمي في اللغة الإنكليزية.  ومن المصادفات ان يكون الشاعر شاكر السماوي مدرسه للغة الإنكليزية في الإعدادية ولهذه المصادفة اكثر من أثر في حياة الشاعر شعريا. وضمن المحددات السابقة يكون الشاعر الكاطع مهما.  والكاطع في أساليبه الشعرية هو اتجاه فني من ضمن تجربة التجديد والتحديث في الشعر الشعبي العراقي، لقد خط لونه الشعري ضمن هذا المناخ، واصبح صوتا ذا نبرة عالية مؤثرة في مشهد الشعر الشعبي العراقي الحديث، وكذلك في الاغنية أيضا. تمتعت قصائد الكاطع في معظمها بجمالية التجديد حيث : جمالية اللغة، وجمالية الصورة، وجمالية الرمز. الكاطع لم يكن من أصحاب التجارب الذهنية والباطنية، وانما تجربة حياتية واقعية تمد مجساتها باستمرار الى (الوطن، الناس، الشهداء، الحبيبة، العائلة، الحزب، الخسارات الحياتية، وكل مايشبه ذلك).

الكاطع شاعر من مجتمع وليس شاعر في مجتمع وهذه دلالة ثانية لواقعيته في الاعمال الأخيرة وقد مال الى كتابة القصيدة المتشاغلة بالهم الحياتي الذاتي والمراثي حيث الفجيعة بانتحار ولده ورحيل زوجته واعدام الكثير من أصدقائه، ومثل هذا التحول يرتبط بتراكم التجربة وتحولاتها العقلية والروحية والذهنية شعوريا او لا شعوريا واصبح غير متردد في قول (ما مرتاح).

من قصائد الكاطع التي تم تداولها كمنشور سياسي آنذاك قصيدة (رسالة أم)، وقد نسبها الكثيرون الى الشاعر مظفر النواب، والسبب في رأيي ان هذه القصيدة تمت بأكثر من صلة الى قصيدة مظفر النواب (البراءة) رغم اختلاف اللونين الشعريين، لكن الموضوع قد يتوازى بين الاثنين.

للشاعر الكاطع شفافية ناصعة، شفافية غنائية، والغنائية هنا لاتعني شعرا مكتوبا لاجل الغناء، او كلام اغنية، وانما الشعر الذاتي المكتوب بضمير المتكلم. وللشاعر قصائد لحنت كأغان، كما كتبت شعرا لاجل الاغنية أيضا، (جناح الفرح، رحلة بقطار العمر، الي مضيع ذهب، أحاول، انتظار، وغيرها).

لكنه الموت الذي لايشيخ. مرة سألوا الشاعر ادونيس.. هل تخاف الموت؟

فأجاب: المشكلة ليست في الموت، المشكلة في الحياة.

الموت قضية وجودية ضاغطة، وموت الشاعر حياته كما يقول أحد المفكرين والفلاسفة. والكاطع احس بطرقات الموت في السنوات الأخيرة ولن يتردد من القول :

الليله اموت

الليله آخر ليله

الغيم مد ايده اعله راسي

والمطر شد حيله

الليله كَطرات العمر

ناكَوط حب سهران

يمه ادخيلج..

اترجاج

ضميني بسواد الشيله

ان الكاطع حاضر معنا دائما.. الم اقل ان موت الشاعر حياته؟!

عرض مقالات: