نحيي واياكم هذه الذكرى الخاصة تكريما وتقديرا لاسهامات رفيقنا العزيز، المتاضل والمفكر الثوري الكبير اميل توما.
ونقو م بذك في الوقت الذي تظهر التطورات صحة الكثير من القضايا التي ذهب اليها منذ وقت مبكر الرفيق اميل توما، فمن ناحية بات التعبير عن دور ومكانة الجماهير الفلسطينية داخل اسرائيل اكثر متانة وقوة سواء في الدفاع عن الهوية القومية او الحقوق المدنية والديموقراطية، وهي القضايا التي نادى بها وعمل وناضل من اجلها بقوة وابداع الرفيق اميل توما، والذي تعرض بسببها الى مضايقات شتى، وقد كان منذ وقت مبكر من اوائل ان لم يكن الاول ممن اثاروا الربط بين الحقوق القومية والمساواة.
ومن ناحية اخرى فان التطورات الاقليمية والدولية تظهر يوميا طبيعة الدور والوظيفة التي تؤديها اسرائيل في نطاق المصالح الاشمل للامبريالية العالمية، وخاصة الامريكية، والتشابك الكبير بين هذا الدور والوظيفة للحركة الصهيونية ولاسرائيل وبين الامبريالية الراعية لنشوئها وتكوينها واستمراريتها، ولا يغير من هذه الحقيقة وجود خصائص معينة باتت تمتلكها اسرائيل على الصعيدين الاقتصادي والعسكري، بل انه لولا طبيعة هذا التشابك والدور ما تمكنت من امتلاك هذه الخصائص التي وفرها لها الدعم العسكري والاقتصادي والدولي الكبير من قبل الولايات المتحدة والدول الاوروبية الاخرى.
كما ان هذا الدور والذي يتلخص جوهره في مواجهة وقهر حقوق الشعب الفلسطيني من جهة، وحقوق وسبل تطور البلدان والشعوب العربية من جهة اخرى ظل مستمرا ولم ينتهي مع انتهاء حقبة الصراع مع مصر وعبد الناصر، بل هو متواصل في السعي للتامر على الشعوب والدول العربية وتحويلها الى دول (فاشلة)والحيلولة ة دون تطورها الاقتصادي والاجتماعي والعلمي.

 وفي فضح جوهر هذا التشابك كانت الاطروحة الرئيسة التي عرضها في وقت مبكر وبصورة علمية وجدلية واعية المقكر الكبير اميل توما، وهي التي فتحت الباب لتعميقها وتطويرها امن قبل جيل اوسع من المفكرين والمؤرخين من مختف المشارب والتوجهات.
كما يتبين بوضوح شديد، مرات ومرات انه ولا التواطؤ الذي اظهرته اللرجعية العربية مع الامبريالية والصهيونية لما امكن تسهيل تمرير المشروع الصهيوني، واظهرت براهين اميل توما العلمية الدامغة جرأة وصحة هذا الاستخلاص كما اكدته ايضا كل المراجعات العلمية التاريخية الخاصة بنشأة وتطور القضية الفلسطينية، ويتبين اليوم ايضا ان مفاعيل هذا الاستخلاص لا تزال صحيحية، بل وتزداد انكشافا في ظل المحطات والمنعطفات الحاسمة.
ولا شك ان جرأة اميل توما الفكرية والنظرية وخياراته العملية والسياسية كانت صريحة وواضحة في معالجته الخاصة بواقع الحركة الوطنية الفلسطينة وتناقضاتها ومصالحها ومسؤوليتها ايضا في النتيجة التي ال اليها الصراع مع الحركة الصهيونية والنكبة، وهو الامر الذي لا يمكن التغاضي عن تبعاته حتى يومنا هذا.
ان اميل توما طور منهجا علميا في مراجعة وقراءة جذور وتطور القضية الفلسطينة، وضعه في مكانة متميزة عن اقرانه من المؤرخين الفلسطينيين والعرب الكبار، واتاح لاجيال من المفكرين ومن المناضلين احاطة اشمل في فهم طبيعة ومكونات هذا الصراع ووضع اليد على مكامن التشابك بين مركباته، وفي ذات السياق من منهج التحليل العلمي تناول تحليل وفهم الحركة القومية العربية.
غير ان اميل توما لم يفعل ذك من موقع المفكر النظري فقط، وقد كان ذك يكفيه، بل من موقع المثقف العضوي، الذي سعى بمثابرة لخوض النضال على الجبهة الفكرية في مواجهة (الهيمنة الثقافية) لفهم وقراءة التاريخ بما في ذلك زلزال ونكبة 1948 من جهة وللنضال مع الجماهير من اجل احداث التغييرات المطلوبة من الجهة الاخرى، وقد اثرى بذلك الساحة النضالية بدوره المبادر والمتميز الى جانب رفاقه في قيادة الحزب، كما اثرى الساحة الفكرية والادبية ضمن جيل من الكبار من رواد الابداع الفكري والادبي الفلسطيني، وممن اسهموا في ولادة مبدعين كبار باتوا علاما لا تغيب في فضاء الفكر والثقافة والفن والادب الفلسطيني والعربي والعالمي.
ان مدرسة الابداع الكبرى الممزوجة بالنضال اليومي التي باتت رمزا لتجربة الجماهير الفلسطينية داخل اسرائيل، والتي تخرج منها توفيق زياد واميل حبيبي ومحمود درويش وسميح القاسم وغيرهم، لا تكتمل لوحتها دون الركن الخاص والمميز لاسهامات اميل توما النظرية والعلمية لكتابة التاريخ وتفسيره، للقضية الفلسطينة ولفضح جوهر وطابع الحركة الصهيونية من جهة وللنضال من اجل تغيير ذلك عبر الالتحام بالحقوق الوطنية ومواجهة الصهيونية من الجهة الاخرى.
كل التقدير لرفاق ورفيقات اميل توما ولمعهد اميل توما الذي نتمنى له التقدم دائما، وكل الوفاء للذكرى الخالدة للرفيق اميل توما.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ألقيت في جلسة الاحتفاء بالذكرى المئوية للقيادي والمفكر الثوري الفلسطيني الراحل اميل توما، التي أقامها "معهد اميل توما" في مدينة حيفا أخيراً. علماً ان المحتفى به ولد في آذار 1919 وتوفي في آب 1985.
** الامين العام لحزب الشعب الفلسطيني

عرض مقالات: