حقي رشيد الشبلي "21 اذار مارس" 1913- 20 حزيران يونيو 1985"، فنان عراقي كبير ورائد من رواد المسرح العراقي الجاد، واسهم منذ أواخر العشرينيات القرن الماضي في بلورة مفاهيم جديدة للفن والمسرح في ظروف اجتماعية قاسية ومتزمتة تنظر الى المسرح كممارسة لا تقترن بالاحترام.
وجد الشبلي المولود لعائلة دينية تسكن الحيدرخانه، ضالته في مسرح مدرسة التفيض الأهلية التي كانت تقدم عروضا مسرحية سنوية لمنفعة الطلاب الفقراء.
وكانت فرصته الذهبية حين قدم الفنان اللبناني جورج أبيض لإضافة ممثلين إضافيين ثانويين "كومبارس" الى فرقته في عروضها في سينما الوطني، وقد أسند اليه له دور شخصية "ابن أوديب" وقد نجح في تمثيله رغم صغر سنه.
وتحول نشاطه المسرحي مع زملائه الى نواة لفرقة مسرحية، وقد أسهم في هذا النشاط كل من: نجيب الراوي وعبد الرحمن خضر وعبد الكريم خضر ومحمد حسن كبة وناصر عوني ومحمد خالص الملا حمادي ونوري ثابت.
وفي عام 1927 قدم الشبلي وزملاؤه طلبا الى وزارة الداخلية لتأسيس فرقة وطنية موقعة من عباس بهرام وسليم بطي وحمد حقي الحلي وفوزي محسن الأمين.
وعندما تشكلت الفرقة كانت تفتقد العنصر النسوي، وكان بعض الممثلين يمثلون الأدوار النسائية. وبعد عامين انتمت الى الفرقة الممثلة مديحة سعيد، وقد منحتها الفرقة راتبا شهريا تشجيعا لها وتقديرا لنجاحها في أداء الأدوار التي مثلتها، ثم انتمت الى الفرقة ممثلة أخرى وهي نزهت الجميلة وثالثة تدعى حورية.
وتطورت تجربة الشبلي أكثر من خلال اشتراكه في التمثيل مع فرقة فاطمة رشدي، وأثر ذلك، قرر الملك فيصل الأول ارسال عدد من الممثلين الى مصر للاطلاع على تجربتهم المسرحية. وكان الشبلي اول طالب عراقي يبعث للدراسة الى مصر. وبعد عودته لمع اسمه كفنان مؤثر في الحركة المسرحية العراقية. وقاد نشاط فرقة الشبلي الى تشكيل فرق مسرحية أخرى مثل بابل وأنصار التمثيل والعربية وفرقة المعهد العلمي وعمل فيها لفترة طويلة يحيى قاف.
والجدير بالذكر ان العمال قد استهواهم اسم الشبلي فطلبوا منه وضع مسرحية تعرض مشكلاتهم وتطرح حلولا لها.
وفي عام 1931 أسس الشبلي فرقة كبيرة تحمل اسمه انضم اليها عدد من الممثلين العراقيين والعرب إضافة الى ممثلات عراقيات ولبنانيات وسوريات وتونسيات منهن مديحة سعيد ونزهت الجميلة وفيرا طلوس وعائشة التونسية وسامية السورية، وكان الجمهور يقابلهن بالإحترام. كما عمل في هذه الفرقة فنانون من اقطار عربية عدة منهم بشاره واكيم وعبد الحميد البدوي ونورالدين المصري.
ونشطت الفرقة داخل العراق وقد استقبلت عروضها من قبل الجمهور بالحماس.
لكن الفرقة عانت من الإفلاس، وفي احدى الليالي نام الأعضاء في "المعالف" ولولا تلك التضحية والصبر لما نجح الشبلي في الاستمرار بعمله الإبداعي. وخصوصا في العروض في المحافظات التي تقل فيها مدة التزويد بالكهرباءـ اذ اعتمدت الفرقة في الإنارة على "الفوانيس" و "اللوكسات".
ويذكر ان من الفنانين الذين ساهموا معه عبد الوهاب محمد ناجي من العمارة وعبد الجبار جومرد وذنون أيوب من الموصل ورفيق جالاك من السليمانية.
وقد مثلت فرقته مسرحيات لتوفيق الحكيم واحمد شوقي ومحمود تيمور وسليم بطي ونديم الاطرقجي وموسى الشابندر وكتاب عالميين.
ونتيجة لجهوده حصل عام 1933 على بعثة الى باريس بعد ان اجتاز الاختبار. وبعد عودته اتجه الى تطوير النشاط المدرسي وعمل على تأسيس معهد للفنون الجميلة يكون جامعا لكل الفنون المسرح والرسم والنحت. وتمكن هذا المعهد من استقطاب العنصر النسوي. وقدم المعهد العديد من الاعمال منها تاجر البندقية والحاكم بأمر الله وغيرها.
وقد تخرج من المعهد في دورته الأولى إبراهيم جلال وجعفر السعدي وأكرم جبران وعبد الستار البصام ومحمد امين وتوفيق الجلبي وفوزي الباياسي وعبد الأمير سلمان وعبد الأمير علوش وعبد الكريم هادي الحميد ومحمد نايف الشبلي ومحمد كريم واحسان سامي وحامد القاضي ومحمد حسين زوين.
الريادة في مجالات أخرى
وعلى صعيد آخر عمل هذا المبدع الكبير في مجال الإذاعة واخرج ثلاث مسرحيات إذاعية، وأصبح مسؤولا عن التمثيل فيها.
ولعب أيضا دورا رائدا في النشاط السينمائي، وقد ابتدأه منذ أواسط الثلاثينات عندما كلفته شركة فوكس العالمية بإنتاج فيلم روائي يشارك هو في التمثيل بالدور الرئيس فيه. وعلى الرغم من ان المشروع توقف لأسباب فنية، فإن الشبلي واصل جهوده وذلك من خلال الاتصال بالخبرة المصرية او جلب أجهزة سينمائية الى بغداد تساعد في انشاء صناعة للأفلام. وقد توجت جهوده عام 1947 بالإنتاج المشترك مع مصر في فيلم "القاهرة- بغداد" من اخراج احمد بدر خان واشترك فيه الشبلي وإبراهيم جلال وحامد القاضي وفخري الزبيدي وعفيفة إسكندر وسلمان الجوهر. واشترك في كتابة قصة الفيلم الشبلي ويوسف جوهر.
وكانت اخر مساهمة له هو تجسيد شخصية العم سلمان أبو كاظم في فيلم "النهر".
وقد ترأس نقابة الفنانين العراقيين وقد حصل على جوائز وتكريمات عديدة، وقد حول أموالها الى نواة تحمل اسم "جائزة حقي الشبلي" تمنح للمتفوقين من طلبة المسرح واتسعت لاحقا لتشمل كل الفنانين بناء على اقتراح من الفنان اسعد عبد الرزاق.
ــــــــــــــــــــــ
* من كراس للكاتب والصحفي ناصر جرجيس