بمناسبة صدور رواية للصديق الشاعر حسين علي يونس " جان دمو التركة والحياة أود أن يكون مفتتح مقالتي بسؤال عن الوفاء، وفاء التلميذ الى معلمه، حسين علي يونس اطلق لقب المعلم على جان دمو، حيث اسماه في قصائده الاولى المعلم.... واسماه في روايته الاولى المعلم.. وهاهو في روايته الثانية التي حملت عنوانا صريحا يشير الى الشاعر (جان دمو.. التركة والحياة) الصادرة عن دار نون....
بالنسبة لي عرفت جان دمو معلما طيبا ومتمردا بأمتياز ، يضحك بشراسة ويلعن بشراسة، ويبصق بشراسة لكنه يحب أيضا بشراسة (اذكر اني حينما وصلت بيروت اوائل 1973، وبعد محاولات عديدة للعمل في صحف معينة، فشلت اغلبها، اقترح علي جان دمو أن يعرفني (برئيس تحرير مجلة علوم الشاعر بلند الحيدري) وكان يدير شبه مؤسسة للتصميم والاعلان، شكرت جان واعتذرت متهيبا من الاسم الكبير للشاعر بلند، لكن جان اصر على أن نذهب، وافقت على مضض، حينما دخلنا الى المكتب الفخم في بناية تتوسط شارع الحمرا مستأجرة لمجلة "علوم" اللبنانية.. رحب بنا الرجل بحرارة وطيبة العراق وجماله.. وضيفنا بالقهوة والشاي، كان مكان جلوس جان على يسار بلند الحيدري وكنت اجلس قبالته تحدث جان وقدمني كقاص ورسام، ووسط ترحيب مضيفنا كان "جان" بين حين واخر يواصل شد بقايا شعر رأسه من الخلف يلفه ويبصق في الارض وهذه الحركة يعرفها كل من تعرف على جان عن قرب تلازمه اينما يذهب... يومها خجلت.. وحاولت أن اعتذر لبلند الحيدري الذي يبدو انه كان معتادا هذا السلوك من شاعرنا الصعلوك الجميل... وعدنا خيرا، وبعد أقل من اسبوع عملت في مؤسسة التصميم مصمما لاغلفة (فاشلة طبعا) وفيما بعد عاد جان الى بغداد... وحينما عدت بعد أن بدأت بوادر الحرب الاهلية اللبنانية، كنت التقي جان في بغداد الذي كان يرحب بي بحرارة استمرت حتى مغادرته الوطن) ومن معرفتي بكل اصدقاء جان لم أجد اكثر من الشاعر حسين علي يونس يمتلك وفاءً هائلاً لجان دمو، ومن هنا ابعث صلاتي الى المعلم جان دمو وهو يرقد في منفاه الاسترالي حيث تنبت على تراب قبره زهرات ملونات وهن يبعثن عطرهن الى الغريب النائم هناك.... وصلاة مثلها الى الشاعر الكبير بلند الحيدري رحمهما الله والشكر موصول للمجنون بالمحبة الشاعر حسين علي يونس وهو يكتب روايته المتسلسلة عن المعلم.. وبغلافها الجميل الذي نشره على صفحته والذي ذكرني بأغلفة فترة السبعينات... غلاف معبر وبسيط.... وبالتأكيد انه اجمل كثيرا من الاغلفة التي كنت اصممها انا وغيري في تلك الفترة.