يعرض الفنان التشكيلي والنحات بهاء الدين محمود (١٩٥٤/ كردستان العراق ) مؤخراً جديد اعماله الفنية تحت اسم ( هبوط ) في صالة (ديلفي فورم) للفنون التشكيلية في مدينة زولاه الهولندية.
تحفزنا اعمال الفنان بهاء الدين على التساؤل اولاً عن مغزى الفن في مجال اللوحة المسندية في التصوير و التراكيب الفنية الرمل والحجر في النحت ، معتمداً في ذلك على الجوانب التعبيرية والتجريدية وحتى المعرفية، الصادرة عن طريق الادراك الحواس .
كما يمزج لوحاته الاستثنائية بعامل التخيل الذي يعكس كائناته التي تسبح في فضاءات لا نهاية لها ، تمثل قيم الصفاء، الحب والتآخي والسمو الروحي،كما تحوي رموزا تراثية كأنها دراسة للقيم الانسانية النبيلة، وهو أساس التحكم في بنائه الايحائي داخل تكوين لوحاته التي تعكس خبرته الفنية او تتيح له التمرد على الأنماط الفنية السائدة للوصول الى جمالية العمل الفني، فتصبح الرؤيا التشكيلية بالنسبة له قضية وجود واستمرار وكينونة، لأن التراكيب الفنية او اللوحات التشكيلية التي ينتجها تتميز في عكس روح المجتمع والعصر، ولها ارتباطات انفعالية تتسم بانها اجتماعية.
يعالج الفنان بهاء الدين الاندماج في الصراع الاجتماعي اي الصراع الطبقي، كون جذوره متغلغلة في الصراع الاقتصادي، وبهذا الصدد يقول الفنان بهاء الدين :" الطيور والحجارة والسفن والبحار هي الاستعارات التي استخدمها في اعمالي الاخيرة ، انها عناصر معبر عن واقعنا الحالي في عالم مليء بالتناقضات والصراعات"، ففي لوحة ( القارب ،٢٠١٧ ) حيث يسعى الفنان بهاء الدين لعكس فكرة معينة لها القدرة والمصداقية على عكس حال الواقع من حياة الناس في لحظة ما، نحن لا نشاهد داخل اللوحة مهاجرين في القارب، وانما نعتمد في انتاج وقراءة مضمون اللوحة على تحليل رمزية الفكرة ،وثيماتها المعاصرة، والنتيجة تكون سهولة استيعاب تكوين الشكل. لقد عبر الفنان بوعي تام، شكلا ومضمونا عن الحالة المأساوية للمهاجرين الذين يسلكون طريق البحر، وما على المتلقي إلا ان يتأمّل ويتكيف لاجواء اللوحة عبرخطوطها السوداء التي رسمها والتي تشبه اسماك طائرة كرمز للكائن البشري تنطلق من القارب الذي يتوسط فضاء اللوحة كخامة من خامات السطح الشكلي، و له الدلالة الرمزية في التوافق بين المحتوى والشكل، وتمتد الى فضاء له الوان مضاءة، تتصاعد في فراغ وتنقلنا الى الشواطيء يغلفها غطاء الظلام الاكثر وحشية.
كما نلاحظ الالوان الرمادية منها أحادي اللون وتعرجاتها الساطعة على سطح اللوحة بكثافتها الدسمة ليبسطها بفرشاة او سكينة الالوان كنوع من استخدام تقنيات متعددة مثل الرمل والحديد المصبوب خاصةً في تراكيبه الفنية (التنصيبة) وخلط الالوان الزيتية مع الايكريليك كتعبير عن الحالات الانسانية، كالهجرة القسرية في زمن الحرب، او ما تبقى من الحرب غير معلن هدفها لتخريب روح الانسان المشوب بالغربة وغموض المستقبل. كما نشاهدها في ترميز لفضاء اللوحة او صخرتين واحدة بالأبيض والاخرى بالأسود ملطخة باللون الاحمر.
يمتلك الفنان بهاء الدين خبرة في تطويع الخامة ( المادة ) اثناء العملية الابداعية ( التنفيذ ) مرتبطة دائما بطبيعة المادة ، وكلما زادت معرفته بمادة الحجر او الخشب او الحديد ، تتوسع مخيلته بالفن المفهومي لتحديد الشكل التعبيري الى مادة جمالية في تحقيق فكرته، حيث عمل بهاء الدين في النحت والرسم دون التمييز بينهما، ورغم أن (بودلير) أتهم بتعمد النحت، وأنه فن من فنون الشعوب البدائية ،على انه هوالذي يميز التراكيب الفنية ( تنصيبية ، و يعد فنا متجددا ، مستخدما فن الايماءة لرموزه التصويرية ومبنياً على الحركة الصرفة ، الخامات ، الاشكال، الألوان، رسم خطوط الارض وتتجعيدها، إعادة تشكيل الذكريات، الرسم على الرمل، إشعاع الرغبات.
نعم، هذا هو التأمل الحر لكي نتعرف على انفسنا تدريجيا في اعماله، حيث استخدام التركيب الفني مثل : منارة سامراء او المسلة التي تغوص في الرمل على عربة من خشب كانها صندوق لمذخرات الاسلحة، حيث تتداخل الاشكال مع نمط الكتلة ليكتسبا شحنات طاقية مؤثرة في المدارك والاحساس .