- من ...؟
اختلط صوت محدثي، في سؤاله المبتور، مع فوضى غريبة هيمنت على المكان، اجبرتني على أن أتلفت يمينا ويسارا في محاولة مني لأتأكد هل أنا المقصود بالسؤال، حينما لم أجد أحدا قريبا مني، أجبته على الفور بسرعة تناسبت مع نبرة سؤاله
- صبي في العاشرة .
طالعني بنظرة، كان يتعمد أن يجعلها استفهامية تشبه سؤاله المبتور، مرددا بكلمات كنت بالكاد أفهم بعضها، لكني فهمت أنه يريد أن يقدم ما يسميه خدمة وهو يتحدث نيابة عني بأجوبة على اسئلة غريبة وبإجابات أكثر غرابة!
- منذ عشرات السنين وانت لم تزل في العاشرة ! .
اكتفيت بهز رأسي حينما رأيته ينظر الي وقال :
- لكنك لم تعد صبيا !!
- كيف .....؟
- حينما كنت في العاشرة من عمرك، لم تكن تعرف الا طريقا واحدا، طريقا لا يشبه الخط المستقيم، رغم انه مستقيم لأنه ينحرف باستقامات حادة، ليعود مستقيما بلا انحرافات
- والى اين يؤدي هذا الطريق القلق؟ حيث انه غير مستقيم تارة ويستقيم تارة أخرى؟
- هو يذهب ناحية نقطة الشروع الاولى، عائدا الى بيت صغير ولدت فيه وبقيت فيه عشرة أعوام هي كل عمرك الذي مر كالبرق، وبين مدرسة تعلمت فيها العد من واحد الى عشرة .. وفيما بعد تعلمت حروفا عشرة... وكلمات عشرة.. هي كل ثروتك وانت تساق الى حرب الاعوام العشرة ... والتي فقدت فيها اصابعك العشرة و عشرات من معارفك في كل مدن الوطن ....
- ..............؟
- سنوات طويلة انقضت بعد ان عبر عمرك العشرة اعوام
- لم افهم
- انت لست صبيا ، لكن عمرك عشرة اعوام !
- عجيب ...!!!
ومن يومها قررت أن أعبر هذه الطرق المستقيمة التي رسمتها لنا ايامنا الطويلة الممتدة عبر مدن كثيرة مررنا فيها.. لم أكن أنشد فيها سوى الدفء والطمأنينة.. وربما بعض الاحلام الصغيرة التي كنت أود من اعماقي أن تتحقق، احلام تتساقط حولي في المقاهي والشوارع الخلفية للمدن الكبيرة التي أضعت فيها الكثير من الطمأنينة والدفء.
وفيما أنا أسير على الطريق المستقيم الذي ينحني تارة ويستقيم تارة أخرى المتجه نحو باب مدرسة تتوسط مفترقات مدينة كامنة في تلافيف ذاكرة رمادية، قرأت على جدرانها التي اصبحت قديمة ... ان عمر المدرسة هو ذاكرة ملونة بألوان عشرة .. وبدأت أردد الرقم عشرة في المناسبات العشرة التي اقامها لي اصدقائي العشرة الذين تعرفت عليهم في الحروب العشرة التي ازالت كل ما وهبته المدن والمفترقات لنا من الأعمار.