للأنصار طقوسهم الخاصة، هي افراز لمزيج من المعاناة والعناد، فهم ليس فقط يسكنون الكهوف ويأكلون جذور النباتات وينامون تحت الصخور، وليس فقط يحملون البنادق ويطلقون الرصاص، وانما شعلة من الامنيات والاحلام التي تتوهج ولا تنطفئ. يصنعون من المناسبات العابرة افراحا كبيرة لينتزعوا الحياة من الوحشة المطبقة والصمت الشيطاني الذي لم يألفوه.

كانوا يمنحون القدر المأساوي وجها يتلاءم مع طموحاتهم الوطنية، فهم من فرط حبهم لوطنهم يقتفون اثره حتى لو بدا مثل خيط رفيع بلون الطين، يكافحون من اجل الحفاظ على صفاء هذه الصورة، الصورة الاولى، صورة الطين وحمامة عشتار.....

يعرفون بانّ العالم اكثر تعقيدا مما يتصورون، وانّ قسوة الجبل تقتل البراءة، وانّ اللغز شديد الكثافة والغموض!، لكن مع ذلك، فموقد النار كافيا لاستدعاء الذكريات التي تمنحهم شيئا من السعادة البسيطة، فيتدفق الحنين والجمال وتظهر صورة قطرة الندى حين تتلألأ على الاهداب!.

راية حزبهم التي حملوها فوق المنايا، جعلت من وجدانهم كوجدان المتصوفين، كانت تفيض في دواخلهم سحرا رومانسيا جميلا كجمال شواطئ دجلة والفرات، انها طيف عذب يفتح المسامات ويملأ العين والخيال.

في الربيع حيث تعود الطيور وتطلّ اغصان الصفصاف ويتعطّر الهواء برائحة الزهور، تخفق افئدتهم وتتسلل الذكريات طافحة بالاشواق الى الاهل والمدن، الى الامهات والبخور والزعفران، الى خرير الماء وصوت وحيدة خليل، فتصدح الحناجر بالاغاني التي تتحول الى موجات قزحية عائمة في افق مشرق زاخر بالأمل.

صعدنا الى القمة في هدأة ليلة تضيئها النجوم، واشعلنا النار المقدسة معلنين عن تضامننا مع (كاوا الحداد)، عيد النوروز أو (الدخول) أو عيد الشجرة أو يوم ربيعي جديد، عيد في كل اللغات. كان الرفاق الاكراد يجيدون (الدبكة) والالحان والكلمات، أما الاخرون فقد جاهدوا من اجل ان تكون حركة اقدامهم متناغمة مع ذات الايقاع. درنا حول النار التي راحت السنتها تعانق السماء، النجوم تتمايل و(جبل كَارة) الهائل الذي يشبه الزوبعة يهزّ كتفيه طربا!، شعور عارم بالفرح راح يغمر القلوب ويهبط على السفوح ويجوب الوديان، كانت مشاعرنا تلتهب وغناؤنا يتعالى حتى بدا لنا وكأن بغداد كلها خرجت ترقص وتردد: (زور جوانا ليلى.. جاوت جوانا ليلى).

عرض مقالات: