شخصية مبدعة حين نلتقيها تترك الأثر الطيب داخل النفس نتمنى لقاءها في كل يوم ، جراء الهدوء والطيبة وما تحمله من حب للجميع ، شخصية نادرة في الزمن الصعب ، وحين إلتقيته لأول مرة بداية العقد التسعيني في مرسمه داخل مدينة البصرة لم يبخل على ضيوفه بكل شيء فهو وريث الطيبة والخلق الرفيع والمحبة واللون الذي يجيد تركيبه داخل لوحاته بدقة متناهية ، وأذكر لوحته التي يقطع مساحتها حبل اسود من الأعلى الى الأسفل بلونها الأحمر الغامق والتي كانت درسا في الحياة يصعب تفسيره لكل من زار بيتنا بكرخ بغداد وجلس في صالته التي تطرزها لوحته البارعة بجمال فكرتها وألوانها ، انه الفنان التشكيلي والشاعر كامل حسين المولود في مدينة البصرة عام 1952 والذي رحل عنا في شهر نيسان من عام 2017 عندما كان قد أكمل التحضيرات لإقامة معرضه الفني داخل العاصمة بغداد وكان قبل ذلك قد أصدر مجموعته الشعرية الأولى والتي جاءت بعنوان (أقيم على حافة الهاوية وأنجو من الجمال بأعجوبة ) . وجاءت قصائد المجموعة متناغمة ومرتبطة إرتباطا وثيقا بالفن التشكيلي الذي ينتمي إليه حسين فالثيمة واحدة داخل اللوحة او القصيدة لكن اللون يزيد طعما خاصا للوحة التي تتفوق على القصيدة احياناً. كان رحيل كامل حسين قد شكل صدمة كبيرة لمحبيه واصدقائه ومأساة كبيرة لحقت بعائلته التي مازالت لا تريد ان تصدق برحيله. تخرج حسين من اكاديمية الفنون الجميلة وحصل على شهادة البكالوريوس في بغداد عام 1977 ومن ثم عمل استاذا لمادة الرسم في معهد الفنون الجميلة وشارك في العديد من المعارض الفنية داخل وخارج العراق منذ عام 1975 وحتى رحيله المؤلم. كامل حسين الزاهد والمبدع المثقل بالجمال وروحه المعطرة بالحب والإخلاص والطيبة والكرم والإبداع حين ألتقيته داخل العاصمة عمّان وانا اتهيأ للسفر الى المنفى جاءني على جه السرعة حاملا تخطيطات بقلم الرصاص لوجوه من زمن آخر وأرض أخرى وكأنه فسر رحلتي التي ستكون على ارض اخرى واناس يختلفون عنا، ومازلت احتفظ بها منذ أكثر من عشرين عاما. كامل حسين صاحب افكار غاية في الروعة داخل لوحاته التي يستخرج افكارها وألوانها من خلال شاشة التلفزيون كما يقول فتلك الشاشة يشاهدها العالم برمته. وظل كامل منذ السبعينيات والثمانينات يعمل على موضوعة الحرب والموت والسجون وعذابات ابناء العراق في تلك العقود التي اقل ما يقال عنها كانت مخيفة وشكلت هاجس الخوف للإنسان العراقي. لم يكتفِ كامل بالتعبير عن هذه المآسي بل كان في كل فترة يطور مرسمه ويأتي بافكار جديدة وأبدع برسمه للمثلثات على طريقة التكعيبية التي رسم فيها بيكاسو والتي شكلت لديه تجربة جديدة في مسيرته الفنية. وكامل حسين يشبه اللوحة بالمرأة الجميلة التي يجب ان تأتيها وأنت بكامل الاناقة. وفي زياراتي المتباعدة الى بغداد بعد سقوط نظام القمع البعثي إلتقيت بكامل حسين الذي دعاني الى مرسمه في شارع السعدون والتقيته مرات في شارع المتنبي وحين حدثته عن كتابي الحامية الرومانية وطلبت منه لوحة لتطرز غلاف الكتاب ،بعث لي لوحات معرضه الأخير وقال أختر اللوحة التي تناسب كتابك ورشح لي اللوحات الاكثر تناسبا مع الكتاب وعندما طبع الكتاب ولوحته تطرز وجه الغلاف الاول أعجب بالمصمم الذي عرف كيف يماشي إنعكاسات لون الغلاف على ألوان اللوحة ، وكانت واحدة من أجمل اللوحات المعبرة عن الوجوه .كامل استاذ الرسم في معهد الفنون الجميلة والفنان الكبير بكل المقاييس والشاعر الذي استطاع ان يعبّر عما يجول في داخله من قصائد صادقة وجميلة الإحساس عبر مجموعته الشعرية "أقيم على حافة الهاوية" التي اعدها مثل الجسر الذي يربط ما بين التشكيل والشعر وأراد ان يستنطق لوحاته عبر تلك القصائد التي تطفو بها العاطفة واللهفة والحب والأماني والأحلام المؤجلة على طول البعد وثيمة الموت والبطولة التي جسدها بقصائد عن جيفارا الثائر واشياء اخرى كلها يجمعها هاجس الحب الذي يعلو فوق الجميع فالفنان والشاعر كامل حسين قدم لنا الجمال والإبداع بطريقتين في الفن التشكيلي عبر لوحاته الباهرة بجمالها وفي الشعر الذي يكتبه ليوصل لنا افكاره بوسيلة يفهمها الجميع . يقول في واحدة من قصائد ديوانه:
كم تمنيت أن اكون وديعة في يد طفل بريء
او بطلا كارتونيا مثل توم وجيري
اسلحتي لا تقتل ورماحي ياسمين
ونبالي جمع من البياض المطلق
راياتي نوارس تغفو على وجه دجلة
جنودي صغار النمل مسالمون
يقيمون الولائم
لضيوف من السماء
وأحيانا من الأرض
كم تمنيت أن أكون وأكون
وأن لا أكون ..
من أوسلو.. أُقيم على حافة الهاوية
- التفاصيل
- هادي الحسيني
- ادب وفن
- 2001