ويا واصلاً من نشيدِ الخلودِ، ختامَ القصيدةِ بالمطلعِ

   يحفلُ ديوان الجواهري العامر (1921-1994) بعشرات الابيات، في أكثر من قصيدة، وطوال عقود، بتمجيد للميزات الشخصية وآفاق التنوير والتثوير، هنا ، وللمآثر والبطولات هناك، لنبي المسلمين المعظم، محمد بن عبد الله، وصهـره، وأبن عمه، امام المتقين كما يوصف،  علي بن ابي طالب، ولجمع من الآل والأبناء والاسباط، ومنهم، مع حفظ الالقاب والمكانات (الى جانب زوجة الرسول الاولى، خديجة، وابنتهما فاطمة - زوجة علي): بحسب التسلسل الزمني للقصائد الجواهرية،: موسى آبن جعفر، العباس بن عبد المطلب، الحسين بن علي، جعفـر ابن الحسين، مسلــم أبن عقيــل، وجعفر ابن ابي طالب..(1)

   وأذا ما  جاء ذكر الشخصيات الكريمة السابقة في ابيات متفرقة، ضمن قصائد مختلفة، يُبرز الديوان العامر قصيدتين متميزتين للجواهري عن واقعة الطف، ومآثر الإمام الحسيـن، هما فريدتا : (عاشوراء)  و(آمنت بالحسين)  اللتان فاضتا بمكنونات الشاعر الخالد، ودواخله،  في ما أراد التأشير اليه والتعبير حوله، من مغازٍ جلى، واستنباط، واشاعة، علانية مع سبق الاصرار..

  والقصيدة الاولى "عاشوراء" المنظومة والمنشورة عام 1935 كانت بثمانية وستين بيتاً، استعرض في الجواهري، ووثق خلالها العديد من الاحداث التاريخية، الثورية والماساوية في ان واحد ، وبالاسماء المقرونة بالاوصاف التي تليق – بحسب رؤاه-   بالمضحين من اجل المبادئ، من جهة، والتي ألتصقت بمعارضيهم، بل ومحاربيهم وقتلتهم، من جهة ثانية...

هيَ النفسُ تأبى أن تُذَلّ وتُقهَرا...ترَى الموتَ من صبرٍ على الضيم أيسَرا

وتخـتارُ محموداً من الذِكرِ خالداً...على العيش مذمومَ المَغَـبّـة مُنكَرا…

   واذ جاءت "عاشوراء" في زمانها، والجواهري انذاك في عقده الثالث وحسب، مباشِرة في المعاني والتصريح، واقرب للتوثيق التاريخي، هدرَ الشاعر بعد ذلك باثني عشر عاماً، بعصماء "امنت بالحسين" التى فاضت بالتعبير عن المواقف والمفاهيم الطافحة بالإباء والشموخ، والممجدة للفداء والتضحيات، كما هي الحال في الخوالد الجواهرية العديدة، وان اختلفت في الصور والاستعارة، كما في الزمان والمكان:

فـداء لمثـواك من مضـجـعِ ... تـنـوّر بـالابلــج الأروعِ
ورعياً ليومـك يوم "الطفـوف" ... وسـقياً لأرضك من مصرع
تعـاليت من مُفـزع للحتـوف ... وبـورك قبـرك مـن مَفزع

* ومن بين ابيات تلكم العينية الشهيرة،ايضا:

تمثلـتُ يومـك في خاطـري ... ورددتُ "صـوتك" في مسـمعي

ومحصـتُ أمـرك لم "أرتهب" ... بنقـل "الرواة" ولـم أخــدع ِ

ولما ازحـتُ طـلاء "القرون" ... وسـتر الخـداع عن المخـدع ِ

وجدتـك في صـورة لـم أُرعْ ... بـأعـظــمَ منهـا ولا أروع ِ

    لقد سبق ان أرخنا للقصيدتين في كتابة سابقة، نشرناها في فترات زمنية متفاوتة، وفي وسائل اعلام عديدة (2).. ثم، وفي مسارات بحثنا في اصدارات ونثريات الجواهري، وصحفه، راحت امامنا مادة أخرى تعنى بذات الموضوع، ونعني به مآثر الامام الحسين، واستلهامات الجواهري العظيم منها وعنها... وها هي جريدة الجهاد تنشر في عددها 128 بتاريخ 30/ أيلول/1952 مقالا افتتاحيا بتوقيع الجواهري حمل عنوان: "تضحياتُ الحسين صورة لم يخلقْ إطارها بعد"... ومما جاء فيه:

" ... ومع هذا كله فستظل تضحية البطل الحسين بن علي، سيدة التضحيات، وسيظل هو بحق وجدارة سيد الشهداء. نقول ذلك غير مغالين. ونقول - ولا نغالي أيضاً- أن تضحية الحسين دوت  بذكراها في كل بقاع الدنيا أياً كان جنسها

 ودينها... وإنها لكانت اليوم كذلك، لو أردنا لها نحن المسلمين أن تتحرر من هذا الإطار الديني الضيق، الذي يراد حصرها فيه، بل لو كتب لهذا الدين الاسلامي نفسه على الأقل أن يتحرر هو من بدعه وشوائبه ومن زيغ فئة غير قليلة من المتظاهرين باحتضانه، والمتزيين بزي النافحين عنه، وأن نتخلص من سوس التفرقة

 والتعصب والتضليل مما أضاع له كل رونق وكل أثر، ومما أفقد  ما يصطبغ به

من التضحيات الجسام رونقها..."

اخيرا، وفي سياق توثيقاتنا لقصائد الجواهري، وعنها، نبرزُ ان مآثر الامام الحسين، وجلال مواقفه ومبادئه، تكرر في عديد اخر من قصائد الشاعر العظيم ومنها:

- في قصيدة "تحيـة الوزير" عام 1927 وجاء فيها :

حبّ "الحسين" الذي لاقاه مغترباً، من الشآم، وما لاقاه محتربا

-  في قصيدة "ناغيت لبنانا" عام 1947 وكذلك قصيدة "يا آبن الهواشم" تحية للملك حسين،عام 1992 التي قد ضُمنت بضعة ابيات مكررة، ومن بينها:

شدت عروقك من كرائم هاشم ٍ، بيضٌ نميّنَ "خديجة" وبتولا

وحنت عليك من الجدود ذؤابةٌ، رعت "الحسيّن" و" جعفراً" و "عقيلا"..

----   مع تحيات مركز الجواهري www.jawahiri.net------

1/ للمزيد: بحثنا المنشور على شبكة الانرتنيت، عام 2017 بعنوان "مشاهير وشخصيات واسماء في قصيد الجواهري".

2/ تفاصيل اخرى، ومن ابيات قصيدة امنت بالحسين، بصوت الجواهري، على الرابط:

https://www.iraqhurr.org/a/25638344.html

عرض مقالات: