بأسلوب سردي مشوق ورقيق، ينقلنا القاص حنون مجيد في مقاربة ازلية بين الحياة والموت فالحرب تعني المأساة، الحزن، الدموع، الفراق الموجع، ومن ثم الموت، والزوال، والرحيل، وما يتركه من آثار نفسية صعبة، عبر ثلاث قصص قرأتها هي: "تعاقب الفصول" و"الشهيد" و"انتظار" والتي تؤرخ للحرب العراقية الايرانية حتماً، بكل ملابساتها وفواصلها ملتزما بالثوابت الوطنية، فالحرب بالتالي "دفاعا عن الوطن" وسقوط القتلى المريع من ابناء جلدته هم شهداء "الواجب المقدس"، اي كانت تبعيات هذه الحرب وابعادها السياسية!
ان الواقعية سمة هذه القصص، اضافة الى النظرة الانسانية الشمولية لأبعاد موضوعة الحرب، التي استطاع القاص ان يقدمها، بسرد موجي ودلالي ورمزي وشفافية عالية وبلغة بسيطة مرنة سهلة لا تتعب القارئ ولا تجره الى حيث التكلف.
فالقاص حنون مجيد لم يبهرج كلماته بديباجة البلاغة المترهلة والتي اكل عليها الدهر وشرب، انه الاسلوب الواعي لقاص تمكن من ادواته فأدار السرد عبر شخوصه بحرفية جميلة وبلغة سلسة معبرا عن آفاق تجربته بأجزل العبارات وادقها استخداما مبتعدا عن الابتسار واللغة الفضفاضة المطنبة.
ان تماسك لغة القاص حنون مجيد وجماليتها تعود بنا الى حقبة السبعينات والثمانينات التي استمدت كثيرا من اسباب الحداثة والوضوح في معالجة القضايا المطروحة والتي كانت الحرب العراقية الايرانية واتونها محورا لكثير من الاعمال التي انجزت في تلك المرحلة، ضمن سياقات الوضع السياسي العام حينذاك الموجهة بشكل دقيق لخدمة اهداف النظام بشكل عام. بغض النظر عن انتماء الاديب والايديولوجي.
لقد عرض القاص المبدع والحاذق حنون مجيد بأسلوب سردي مشوق ورشيق تلك المعاناة الانسانية، التي كانت حديث الناس، عن الغياب والحضور والموت والرحيل وصهرها في قالب البوح الشفيف المكشف بنكهة الكلمة الرنينية المنبعثة من اعماقه الفياضة بإحساس المواطنة، كشاهد يعيد انتاج الاحداث بعينه الثاقبة التي تلتقط صورا مكتنزة في الذاكرة الجمعية والتي لا يستطيع الا فنان ماهر من اعادة صياغتها في سرد يستغني عن الاستطراد ولا يثقل نسيج القصة العام ويبعدها عن الحشو والترهل، قادرا في الوقت نفسه على التعبير عن الاحداث بواقعية تلامس الكشف عن بواطن الامور من منظور الكاتب الملتزم بثيمات منجزه الابداعي الراقي عبر معطيات الواقع المعاش ومكنونات الشخوص من خلال تأثرها بالتفاصيل المرافقة للأحداث ناقلا احاسيسها وهواجسها وآلامها ومعاناتها. لقد استطاع القاص حنون مجيد في احكام صنعة الكلام ونقلها الى المتلقي بشكل مكثف ومرهف وشفاف واذا كنا بحاجة الى الابداع فنحن بحاجة مماثلة الى من يقرأ هذا الابداع نقديا وفق مفاهيم اللغة والجمال.
لقد استطاع القاص حنون مجيد ان يثبت اسمه عاليا مع مجايليه كقاص مبدع ورائع لم تنقطع اعماله وهو يواصل البوح والانثيال للروح والذاكرة في مجموعاته القصصية الجديدة.