لا أعتقد، أنه يشبه الآباء، رغم إنه يشبههم جميعا ، لكن ما عاشه وهو يراقب ماجرى لابنه " الشهيد حارث عبد علي السوداني " أعني المشهد الأخير يمنحه امتياز أنه لايشبه الأباء ( أربعة رجال موثوقي الأيدي الى الخلف ، يرتدون بدلات برتقالية ، رؤوسهم متجهة بزاوية نحو البقية الباقية لمدى الرؤية من الفسحة التي تتركها الخرق السود التي دارت حول رؤوسهم ، ربما حجبت نصف الوجه .. حفرت ركبهم وهم يرتكزون عليها آثارا غير مرئية على الارض الرملية .. "الاول .. كلا!" .." الثالث .. كلا! "... " الرابع .. كلا!"، إذن بقي الثاني .. هو الثاني يارب !. يراقب الأب جذع ابنه وطريقة جلوسه.. يعرفها مذ كان صغيرا يثني ركبته اليمنى بطريقة مختلفة عن الركبة اليسرى أثرسقوطه من دراجة كان يقودها عمه حين كان صغيرا.. يومها بقي يعاني من عدم تمكنه من ثني ركبته بالكامل كما هي الركبة الاخرى .. إذن هو!... سمع الصوت الكريه " الاغنية التافهة والتي يقشعر لها البدن والتي تتحدث عن النصر على العملاء !" يراقب بعين قررت أن تتخلى عن الحركة .. عين قررت أن تبقى متخشبة دون أن ترمش وهي متصلبه على الجسد الثاني .. تبدأ زخات الرصاص باتجاه الاجساد الاربعة .. يسقط الاول والثالث والرابع ويبقى الثاني متخشبا يتلقى الرصاصات وهو يتلوى .. قبل أن يسقط ربما شاهد الاجساد الثلاثة فسقط عليها تماما .. تعانقت الاجساد التي غطتها زخات الرصاص المنطلق من فوهات البنادق وطبقات من الغبار!) إذن هو من رأى هذا المشهد بعين مختلفة عن كل عيون الاباء في العالم كله، المشهد الذي حرصت داعش القذرة على بثه بفنية عالية، مشهد إعدام ابنه النقيب "حارث " ولمن لايعرف من هو النقيب حارث، هو النقيب الذي استطاع أن يخترق تنظيمات داعش بعد أن تغلغل بينهم موهما أياهم انه داعشي واصبح واحدا منهم .. امتنع عن زيارة اهله. ولم يكحل عينيه برؤية اولاده طوال شهور.. سرب معلومات هائلة الى الاستخبارات العسكرية التي كانت تنتظر منه الاشارات وتعمل على ضوئها حيث تم أبطال انفجارات كبيرة كان يفترض أن تنفجر بين الناس في الأسواق والشوارع المكتظة، وثق به الدواعش وأعطوه مهام كبيرة، فكان يسخر منهم ويخبرهم بأنه أنجزها.. النقيب حارث كان العين الجبارة والكبيرة لاستخبارات الجيش العراقي داخل تنظيماتهم، أنقذ الالاف منتصراً للحق .. انتصر للطفولة وهو يتذكر اولاده الثلاثة وانتصر للأمهات والآباء ...
هل عرفتم من هو النقيب حارث السوداني الذي أوقعت به داعش في اللحظة الاخيرة لتكتشف أنها كانت ألعوبة بيد هذا النقيب، فانتقمت منه بأن قتلته على الهواء بفيلم يؤكد خيباتهم. قبل أيام زرت مع وفد من رابطة مبدعي مدينة الثورة البيت والأب الذي انجب حارثاً.. وجدته قويا صلبا. قرأ لنا مقاطع من قصائد شعبية هائلة.. حثثته على أن يقرأ لنا المزيد، حينما عرفت أنه شاعر، قرأ مقطعا ومقطعا آخر لم نتمالك انفسنا جميعا فبكينا ، لكنه لم يبك كنا نجلس في البيت الذي انجب الشجاعة وهي تسير على قدمين، بيت بسيط في قطاع 55.. لم تستلم عائلة البطل راتبه التقاعدي لعدم وجود شهادة وفاة.. سمعنا ان ممثل رئيس الوزراء تدخل مؤخرا ومنحت الاسرة " شهادة وفاة " فقط لبطل حمل روحه على كفيه وسار بها بشجاعة وسط فخاخ داعش.
(
شكرا) حكومتنا على شهادة الوفاة !

عرض مقالات: