عندما يقوم الشاعر بالقراءة النسقية لأزمان متعددة سوف يطرح مجموعة من التساؤلات في توقفه لتلك المراحل بين الموجودات الحسية والشعورية وهو لا يذهب اليها دون محنة أو لوعة وأن هذه التمثلات مقلقة وخطرة فان تنصب نفسك حكيما مرة وفي مرة أخرى تجترح الجنون وفي أخرى تنصب فخاخا لإلهة الجمال وبالتأكيد سيتسع نطاق هذه التساؤلات اكثر فاكثر لتعبر عن التطلعات والآمال والاحلام للأفراد والجماعات اضافة الى التساؤلات الكونية ،وعلاوة على ذلك فهو لا يريد أن يقدم لنا شهادة أو وثيقة ما بقدر أن يذهب بعيدا في هذه الازمان كانت في الحاضر أو في الماضي أو للمستقبل البعيد الى أن يصل الى مجال الرؤية ،ولهذا نجد بان اللغة التي يستخدمها هي تختزل الثنائي من مشاعرنا وأحاسيسنا في زاوية معينة تجعل من (بيره مكرون ) و(بعل ) في المتناول الدلالي أو الاستعاري وهذه بحد ذاته يحققه الشعر دون حجج وبراهين نطالب من الشاعر بان يضعها بين أيدينا وهذا لا يعني بان الشاعر يفلت من اضافات المتلقي وافتراضاته التي لا يكتشفها سوى من يريد انتاج قراءات مجاورة لنص الشاعر في عملية التبادل المعرفي التي تعتبر مشاعة لمن يبحث ويكتشف .
يتناول الشاعر خضر حسن خلف الموضوعات في (جلالة الوقت ) عبر العبارات والاقوال وليس عبر الوصف وهي خاصية لكل شاعر منها نصيبه وقليل ما نجد من يوازن بينهما .فالشاعر نجده يعبر عن الداخل أكثر مما عن الخارج وهو يمضي بهذا النسق بالارتكاز على ثقافة متجددة مفتوحة على مصراعيها شكلا ومضمونا ، وأن اعادة انتاج هذه الجماليات عبر تجربته المتميزة منحت قصائده تساؤلات جديدة متواصلة تعبر عن مرحلتها .
العبارات والاقوال :
(
الدهشة لك والصبر لي )ص7
(
وتعاطف يشبه شجب السياسيين )ص8
(
الرجال المتأنقون)ص8
(
إنني رأيتك تمسدين بيد مرتجفة خوذة دون رأس
فأحسست أن تاريخي يرتجف)ص8
(
يعلمني كيف أتهجى أيوب)ص9
(
وهي السؤال الذي يحتفي بالاحتمال
كيف لا
وأنا جسد مفعم بالحوار
وفي انتظار ما تسفر عنه النوايا) ص9
(
أدبُّ كالمخمور) ص10
(
ولاشي يهادن صمتي
غير شمس من الخبز والترقب
والقطيع الحزين في كل ذلك)ص 10
(
لم اقلْ كل شيء
فالمعنى الذي أرتديته بلا مساحيق
يبدو على ممشى الكلام
قريناً لجموح العبارة)ص 15
(
لأن يدي أقصر من أن تصل الى وردة)ص39
(
أرسمني جسدا في حضرة البكاء
يعض على سبابته ندما)ص 40
(
أيتها الالهه لقد تعددت
على وفق معاناة القطيع الحزين )ص 65
(
أنا ((ميشا))
تواضعت ولم أكن لأتواضع !
أيها السيد الإله !
تنازلت ولم أكن لأتنازل! ) 72
(
نحن مذاك
وأنتم عيون تتلون حسب الطقس
وفي كل نهار ) ص77
فقد غمضتْ عليّ
واشتطتْ بي قدم هناك
حتى إذا أندلقَ التأويل
كقطعةِ النقد وانبسطتْ صورة ٌ
وجدتُ الجلاد وبطل العجب!!) ص92
المعنى والمبنى:
إن علاقة المعنى في الاقوال والعبارات بقيت في اطارها الثنائي فالقصيدة تسير في نسق موجي وهو يتفق مع تشوفاته حيث تبقى القصيدة في توتر مشدود بين الحركتين لتنتج خطاً بيانياً تصبح فيه العبارات والاقوال طافحة ومضمرة ولا يكتفي الشاعر عند حد معين بل راح يغامر عند ما خلف هذه الثنائية في مجموعة توقعات تصب في مجال رومانسي ثوري. في قصيدة (عسل الكلام)ص5 يستخدم الشاعر الاستدراج نحو معان صغيرة وكبيرة وهو يؤجل المعنى إلى أن يصل إلى (بيت القصيد) ونادرا ما نجد تشابه في المعاني ،وأن القصيدة لديه تنتهي في لحظة اشباع استنفدت استمراريتها . فالمعنى في القصيدة يتكون عندما تصبح لديه مجموعة متورمة من الاقوال والعبارات لتأخذ مسارها التصاعدي الى أن تصل الى الذروة . وفي قصيدة (الشوارع تحت مضمار القصد) ص 36يستخدم في بناء القصيدة التكرار وعند الشروع بمغادرة القصيدة يبدأ بكلمة (زقاق) ولكن في المقطع الثاني يضيف معنى آخر للسابق فتتراكم المعاني عبر التداخل بالإضافة ضمن جو القصيدة فهو يستخدم (زقاق) 11 مرة وفي الاخيرة تأتي (ساكتبني أخيراُ متخيلاً على رأس زقاق يمارس غيابه على الورق) وهو بهذا يطرح المحنة والحيرة بشكل مفتوح دون التوقف على شيء واضح .
المطلق:
يضع الشاعر الاسماء والتواريخ والافعال تحت رهان ما فيحصرها بين مجساته وعلى طريقة الزهاد والمتصوفة يترك الأمر كله للمطلق(الوقت) ويمارس دوره كشاهد على ما جرى من ويلات ونكبات، وأن حجم المسكوت عنه وما خلف الكلمات يعادل هذا الموقف الخلاق، وأن المفارقة تشكلت في معنى عميق عبر ثنائية متصارعة بين السجين والجلاد وأن الطرح الجمالي يكمن في عدمية القصيدة وما تحققه من سمو ورفعة.

عرض مقالات: