يعرّف المختصون الخيال لدى الأطفال بأنّه القدرة على تشكيل صورة ما في العقل من شيء لم يسبق أن رأوه أو سمعوا عنه من الكبار، وهو القدرة على التفكير في أشياء جديدة، ويولد الأطفال عادة مع قدرة فطرية رائعة على الخيال، قبل أن تبدأ تلك القدرة بالتراجع والاضمحلال تدريجيا، ويعود السبب في ذلك التراجع اما إلى الآباء والأمهات غير المدركين لتلك الخاصيّة أو إلى النظام التعليمي المُعاب في الغالب، إذ يتوجب على البالغين رعاية الخيال لدى الأطفال وتوفير المناخ المناسب لهم ليستمتعوا بأفكارهم الإبداعية وأفعالهم الفطرية بفرح، وربّما يشعر بعض البالغين بالقلق لأن الأطفال لا يفهمون ما هو حقيقي، وبالتالي يسعون من دون وعي لخنق فكرة الخيال لديهم، وحسب سوزان إنجل مؤلفة كتاب "أطفال حقيقيون" فأن الأطفال منذ سن الثانية والنصف يبدؤون التمييز بين ما هو حقيقي وما هو غير حقيقي، لكنَّهم يميلون في الغالب لتجاهل هذا الفرق بسبب سعيهم الفطري للخيال. وبالعودة إلى قول أينشتاين الشهير بأنّ "الخيال أكثر أهمية من المعرفة"، فأن الخيال بالنسبة للأطفال هنا هو باب الاحتمالات، حيث يبدأ الإبداع والتفكير والقدرة على الخلق وادراك ما حولهم وحقيقة العالم خارج الأطر العقلانية للكبار من خلال اللعب الخيالي والتعبير عن أنفسهم والتفاعل مع محيطهم، وحسب سوزان إنجل دائما فأن فرص التعلم تصبح كبيرة وممكنة عندما يشارك الأطفال في اللعب الإبداعي مع الدمى والمركبات والكتل والصخور والأشجار والطيور والطبيعة.
إنّ الخيال يعزز تنمية المعرفة والروح الاجتماعية والعاطفية، وفي مرحلة الطفولة المبكرة يتعلم الأطفال مهارات التفكير النقدي والقدرة الإبداعية على حل المشاكل ومحاولة ابتكار طرق جديدة للقيام بالأشياء وبالتالي تعزيز الثقة لديهم. إن قضاء الوقت في الهواء الطلق وسط الطبيعة يوفر فوائد مهمة لنمو الطفل، ونظرا لأن الطبيعة تتغير باستمرار، فهي توفر فرصا لا حصر لها للاكتشاف والإبداع وحل المشكلات. العالم الطبيعي يلهم الأطفال على التفكير وطرح الأسئلة والاحتمالات وتطوير العقول المبدعة.
ولو كان الأمر بيدي لفتحت أبواب المدارس للأطفال وأطلقتهم في الحدائق العامّة والشوارع وبساتين النخيل، ليتأملوا آلية عمل الطبيعة والألوان والإحساس بالتربة ويتعلموا منها القدرة على الخيال والخلق، لطلبت منهم تصوير نملة ما أو عصفور أو ساقية ومراقبة اندماجها في الطبيعة، فمن دون خيال لا يمكن ابتكار الحياة. المدارس عندنا كارثية وتقمع الأطفال وتصادر حرياتهم وتصادر تطلعاتهم للعب، وبالتالي تقضي تماما على قدرتهم في التخيّل. إنّ نقص الخيال هو المشكلة الحقيقية التي تعاني منها مجتمعاتنا العربية، والطفل الذي لا قدرة لديه على التخيّل هو طفل معطوب سيصبح لاحقا رجلا غير سوي. إن كارثة انهيار التعليم وتخلفه هي المأساة الكبرى التي تنذر بالشر المستطير في المستقبل، فالأجيال تتعاقب وسط خوف ساحق، خوف من الله الذي صوره لهم رجال الدين بشكل مرعب، وخوف من الأب الأمّي وخوف من المعلّم الذي لم يُعَدّ جيّداً لمهمة التعليم وخوف من الفوضى والمجهول وانعدام القوانين. نعم من وجهة نظري لا يمكن أن تكون مدرسة من دون شجرة وارفة أو معلمة جميلة أو مرسم أو قاعة ألعاب رياضية، ولو كنت مسؤولاً لقمت بهدم المطاعم والوزارات وابراج الاتصالات ومراكز التسوق وأقمت بدلها مدارس للأطفال، مدارس واسعة تحيطها الحدائق وأشجار النخيل والألوان والسواقي وتحلق في فضاءاتها العصافير وتعشش في سقوفها اللقالق، لأننا خسرنا جيلنا والأجيال التي سبقته في الحروب والصراعات والجدليات البائرة والأديان المُحرفة، والأمل الوحيد المتبقي لنا هو الأجيال الجديدة وحسب.